قبل أيام دعا وزير الشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش الدول العربية للانفتاح على إسرائيل واعتبار القرار العربي السابق بمقاطعتها بأنه كان ” قراراً خاطئاً للغاية”.
وجاءت هذه التصريحات لتسلط الضوء على مرحلة جديدة من العلاقات بين أبوظبي وإسرائيل وانتقالها إلى مرحلة العلاقات العلنية والترويج للتطبيع بعد سنوات من التعاون السري في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية.
الصحف الإسرائيلية احتفت بهذه التصريحات والتي توقع فيها زيادة التواصل بين الدول العربية وإسرائيل من خلال اتفاقات ثنائية صغيرة وزيارات يقوم بها ساسة ووفود رياضية.
وأجمعت الصحف على أنه يصعب القول “إن تصريحات من هذا النوع تصدر دون موافقة ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، ففي العالم العربي لا يجرؤ أحد أن يتحدث بمثل هذه التصريحات أو البيانات السياسية المؤيدة لإسرائيل دون علم حكام البلاد”.
تصريحات قرقاش جاءت ضمن سلسلة خطوات اتخذتها أبوظبي باتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني، فكانت زيارة وزيرة الثقافة الإسرائيلية المتطرفة ماري ريغيف مؤخرا إلى الإمارات والاحتفاء الرسمي بها العام الماضي، ومشاركة فرق رياضية إسرائيلية في بطولات استضافتها الإمارات وعزف النشيد الإسرائيلي فيها، واستضافة وزير الاتصالات الإسرائيلي خلال مؤتمر عقد في دبي، وما سربته الصحف الإسرائيلية عن زيارة لشخصيات سياسية إسرائيلية إلى الإمارات بشكل سري.
كما كشف تسريب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مقطع الفيديو من وارسو أقر فيه وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
لذا باتت دولة الامارات تلعب دوراً رئيسياً بين جيرانها في دول مجلس التعاون، في بناء علاقات مع كيان الاحتلال وعلى كل الصعد السياسية والأمنية والتجارية، فيما كشفت وسائل إعلام عدة أن بوابة هذا التطبيع تتم عبر السفير الإماراتي لدى واشنطن يوسف العتيبة، فيما تعززت العلاقات بين البلدين منذ افتتاح الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في أبوظبي في عام 2015.
وأصبحت أبوظبي مركزا مهما لأمن إسرائيل واستخباراتها، علاوة على التوسع في العمليات التجارية، حيث تم إبرام اتفاق بين شركة الإمارات العربية المتحدة وشركات أمن إسرائيلية، بهدف توفير الحماية لمرافق النفط والغاز مقابل عوائد مالية. وتشمل الاتفاقية إنشاء شبكة للتحويلات النقدية المشروطة في أبوظبي فضلا عن الدور الذي تقوم به دبي في هذا الصدد.
كما كشف الكاتب الإسرائيلي عومري نحمياس قبل أيام أن الإمارات وإسرائيل عملتا بشكل مشترط من وراء الكواليس لإقناع واشنطن بالانسحاب من الاتفاق النووي.
وقال نحمياس إن “العلاقات الإسرائيلية الإماراتية آخذة بالدفء والتقارب، وكان آخر تجلياتها اللقاء الذي جمع سفيري البلدين في واشنطن رون دريمر ويوسف العتيبة على التوالي، خلال حفل عشاء نظمه المعهد اليهودي لأبحاث الأمن القومي في العاصمة الأمريكية واشنطن الأربعاء الماضي”.
وكشف أن “الدولتين عملتا بصورة مشتركة بينهما من وراء الكواليس؛ لإقناع لإدارة الأمريكية بالانسحاب من الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى”.
وتابع أن “وثائق تم تسريبها كشفت أن دولة الإمارات تجسست على أمراء قطريين والأمير السعودي متعب بن عبد الله، من خلال أجهزة تنصت وتعقب خاصة بالشركة الإسرائيلية NSO، حيث يستخدم حكام الإمارات برامج تجسس إسرائيلية لملاحقة معارضي النظام، من بينهم خصوم سياسيون وصحفيون ورجال حكم؛ من خلال العبث السري بهواتفهم الشخصية دون أن يشعروا”.
وأوضح أن “لقاء نتنياهو هذا مع السفير الإماراتي في واشنطن على وجبة عشاء يسلط الضوء على أحد أهم الأسرار في العالم العربي، والاتصالات الهادئة بين “إسرائيل” وجاراتها العربيات التي بدأت بالانكشاف علانية بسبب خشيتهما المشتركة من إيران”.
من جانبها نشرت صحيفة “هآرتس” خبرا عن لقاء جمع سفير الإمارات يوسف العتيبة، والسفير الإسرائيلي رون ديرمي، على الطاولة ذاتهاء، خلال خلال العشاء السنوي للمركز اليهودي لشؤون الأمن القومي، في العاصمة واشنطن، ونشرت أيضا صورة للسفيرين يجلسان جنبا إلى جنب، الأمر الذي اعتبرته نادرا، لجهة “جلوس مسؤول عربي بجانب مسؤول إسرائيلي، بشكل علني، دون أن يكون بين الجانبين علاقات رسمية”.
كما كشفت وكالة Associated Press الأميركية، في 12 مايو/أيار 2018، أن سفير الإمارات يوسف العتيبة والبحرين عبدالله بن راشد آل خليفة، التقيا رئيسَ الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في مطعم بواشنطن، في مارس/آذار 2018، وتناولا العشاء معه.
وأضافت الوكالة أن سفير الإمارات يوسف العتيبة في واشنطن استضاف نظيره البحريني، إلى جانب المستشار الأميركي والمسؤول في وزارة الخارجية براين هوك، وعدد من الصحافيين الأميركيين، في مطعم “كافي ميلانو” بحي جورج تاون في العاصمة واشنطن.
وكان العتيبة على علم بوجود نتنياهو في المطعم نفسه، فطلب من مدير المطعم أن يدعوه هو وزوجته سارة إلى طاولته لتناول العشاء معاً، حيث تبادلا الحديث، بحسب الوكالة الأميركية.
وأضافت الوكالة: “أجاب نتنياهو عن أسئلة الحاضرين على طاولة سفير الإمارات يوسف العتيبة وكانت تتعلق بموضوعات، منها الملف الإيراني، في حين رفضت كل من سفارتي إسرائيل والإمارات التعليق على الخبر”.
وفي مطلع شهر ديسمبر الماضي قام زعيم حزب العمال الإسرائيلي آفي غابيه بزيارة سرية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة بعد أن أخبر زملاءه في الاتحاد الصهيوني، البائد حالياً، أنه لن يتمكن من حضور حفل حانوكة (مهرجان النور عند اليهود) بسبب المرض.
وسعياً منه لتعزيز مؤهلاته في مجال السياسة الخارجية استعداداً لانتخابات إبريل في إسرائيل التقى غابيه بكبار المسؤولين الإماراتيين في أبوظبي حيث يقال إنه ناقش معهم موضوع إيران والصراع مع الفلسطينيين.
يأمل غابيه من أن مثل هذه الزيارة لدولة خليجية متنفذة كالإمارات سوف تساعد حزب العمال في الانتخابات القادمة (مع أن معظم المراقبين الإسرائيليين يعتقدون أنها لن تجدي نفعاً).
وتواصلت عملية التطبيع الرياضي مع إسرائيل حيث كان للإمارات دور في التطبيع الرياضي منذ ان استضافت في عام 2010 فريق الجودو الإسرائيلي، كما كشف موقع إسرائيلي، عن توصل “الاتحاد الدولي للجودو لتفاهمات مع دولة الإمارات، يتم من خلالها رفع علم إسرائيل وإذاعة النشيد الإسرائيلي خلال البطولة الدولية” وهو الأمر الذي احتفى به رئيس الحكومة الإسرائيلي الذي عبر عن امتنانه لوزير الرياضة الإسرائيلية التي زارت أبوظبي خلال البطولة واصفاً ما جرى بالإنجاز لإسرائيل.
كما شارك فريق الدراجات الإماراتي في سابق “جيرو دي إيطاليا”، الذي جري في مدينة القدس المحتلة في مطلع مايو الماضي، ونشر مسؤول في وزارة الخارجية الإسرائيلية على حسابه بموقع تويتر صور عديدة لهذا الفريق، علاوة على صور أخرى لفريق من البحرين.
والعام الماضي كشفت صحيفة إسرائيلية عن مشاركة رسمية إسرائيلية في سباق بطولة كأس العالم للراليات الصحراوية “كروس كانتري” المقامة في العاصمة الإماراتية أبو ظبي. وقالت صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية إن “إسرائيليين اثنين شاركا في البطولة، بعد دخولهما الإمارات بجوازات إسرائيلية برفقة ثلاثة من الموظفين الإسرائيليين”.
والشهر الماضي استضافت أبوظبي وفداً رياضياً إسرائيلياً للمشاركة في بطولة رياضية لذوي الاحتياجات الخاصة.
ولم تبعد الرياضة عن السياسة، فقد شاركت الإمارات وإسرائيل مؤخرا في مناورات عسكرية مشتركة في اليونان.
ونشرت صحيفة هآرتس تقريرا لمراسلها يانيف كوبوفيش، ذكر فيه أن عددا من الطائرات الإسرائيلية تشارك إلى جانب العشرات من طائرات القوات الجوية الأخرى في مناورات تحمل اسم “Iniohos” التي تقام سنويا. وأشارت الصحيفة أن إسرائيل والإمارات شاركتا في المناورات، لافتة إلى أنها “ليست المرة الأولى التي تشارك فيها الإمارات في المناورات إلى جانب إسرائيل باليونان”.
من جانبه، أشاد السياسي الأمريكي رئيس المنظمات اليهودية الأمريكية مالكولم هوين بولي عهد أبوظبي خلال حديثه عن الزيارة التي قام بها على رأس وفد من المنظمات اليهودية إلى الإمارات، يصل عددهم لحوالي 70 شخصية. وقال “هوين” لقناة “جويش برودكاستين سيرفس” اليهودية إن الإماراتيين أخبروا الوفد أنهم يعملون على تغيير المناهج الدراسية وتغيير مجتمعهم من الداخل لتقبل التطبيع مع إسرائيل.
وردا على سؤال عن أكثر الأمور الذي استرعت انتباهه خلال الزيارة خاصة أنها ليست الأولى للإمارات، قال هوين: “هناك العديد من الأمور التي سمعناها من الأشخاص الذين قابلناهم، فهم كانوا مستعدين للتواصل علنا مع 70 شخصا”.
وأضاف أنه حتى ردود أفعال الناس في الشارع كانت لافتة للانتباه، مشيرا إلى أعضاء الوفد لم يقوموا بنزع القلنسوة اليهودية، أثناء توجهنا لتناول الطعام، ورغم ذلك لم تواجهنا أي رد فعل سلبية من مرتادي الفندق العرب على العكس تماما كانوا يعتنون بالوفد، على حد زعمه.
وأكد أن الوزراء الإماراتيين كانوا يذكرون علنا اسم إسرائيل أثناء حديثهم تأكيدا على التسامح، موضحا أن الوفد اليهودي التقى وزير التسامح الإماراتي الذي استضافهم في منزله. وتابع: “كان من الرائع أنهم شددوا على محاربتهم للتطرف، وهذا التشديد لم نره منهم في السابق” على حد قوله.
ونقلت الصحيفة الإسرائيلية عن هونلين قوله إن المباحثات تطرقت إلى مسألة تعميق العلاقات والاعتراف بإسرائيل، دون الحديث عن أية التزامات من الجانب الإماراتي. وعبر مدير مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية ستيفن غرينبرغ عن سعادته الغامرة بزيارة أبوظبي ودبي.
كما ألقت مجلة الإيكونوميست الضوء على مساعي افتتاح أول كنيس في دبي بالإمارات على شاطئ الإمارة، معتبرة أن افتتاح أول كنيس منذ وقت طويل يؤشر إلى حالة إحياء يهودية.
ونشرت المجلة موضوعا تحت عنوان “بعد عقود من نفي اليهود، بعض العرب يريدون عودتهم” تناولت خلاله “فيلا” في دبي، بجدرانها البيضاء، تقع على شاطئ الإمارة، وتقدم دروسا بالعبرية وما يعرف بالطعام الحلال لدى الديانة اليهودية (الكوشر) وعينت حاخاماً قبل فترة.
يقول مؤسسو الكنيس اليهودي إنه رغم بعدها عن الأضواء فإن افتتاح أول كنيس منذ وقت طويل يؤشر إلى حالة إحياء يهودية في الإمارات لتكون المدخل لمزيد من التطبيع مع الدول العربية.