هام… صحيفة امريكية تحذر من أساليب تعذيب العصور الوسطى في سجون إماراتية باليمن

محرر 228 يونيو 2017
هام… صحيفة امريكية تحذر من أساليب تعذيب العصور الوسطى في سجون إماراتية باليمن
حذرت مجلة ذا أتلانتيك الأميركية من أن تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات الإرهابية هُم المستفيدون من “الممارسات البشعة التي تحدث داخل سجون سرية إماراتية باليمن والتي تشبه التعذيب في العصور الوسطى”، على حد وصفها. 
وكتبت المحامية كوري كرايدر، التي ترصد انتهاكات سياسات الأمن القومي بعدة صحف ومجلات أجنبية، لمجلة ذا أتلانتيك الأميركية، قائلةً في مقال نُشر الأحد (25|6) ونشر “هاف بوست عربي” ترجمة له، إنَّها التقت في عام 2010 مواطناً أميركياً كان محتجزاً بالسجن السري الأسوأ سمعةً في تاريخ اليمن، وهو سجن الأمن السياسي. لم يُلقَ القبض على الرجل رسمياً أبداً، إنَّما أطلقت عصابةٌ من اليمنيين المقنعين النار عليه بوضح النهار في شارعٍ قريب من بيته، ثم ألقوه في سيارة، وسارعوا بالانطلاق.
وفي هذا الوقت، كانت كوري تعمل محاميةً ومديرةً بمؤسسة ريبريف الحقوقية. وكان فريقها متخصصاً في الانتهاكات التي تحدث باسم “الحرب على الإرهاب”، بدايةً من معتقل غوانتانامو إلى سجون “المواقع السوداء”، وهي سجون سرية أميركية كان يتم احتجاز المشتبه فيهم بها وتعذيبهم خارج إطار القانون. 
ما زال العرض مستمراً
ووفقاً لكوري، استمر تورُّط الولايات المتحدة في مثل هذه السجون السوداء تحت إدارة بوش وأوباما على حدٍ سواء؛ الأمر الذي غذَّى شعور السكان المحليين بأنَّ أميركا مرحبةٌ بدعم أكثر القوات اليمنية شبه العسكرية فوضويةً وإساءة. ومقارنةً بكل الخطب الرنَّانة التي هزت جدران السفارة الأميركية، لم تُبدِ واشنطن، في الحقيقة، اهتماماً كبيراً بدعم سيادة القانون.
وزعمت وكالة أنباء أسوشييتد برِس يوم الخميس الماضي، أنَّ الإمارات، وهي أحد أطراف النزاع في الحرب اليمنية الحالية التي تدعمها الولايات المتحدة، قد أقامت سلسلةً من المواقع السوداء في أنحاء جنوب اليمن. 
ومرةً أخرى، يبدو أنَّ الولايات المتحدة متورطةٌ بشدة في سلسلة الاعتقالات؛ إذ اعترف مسؤولون بوزارة الدفاع بأنَّهم “يشاركون في استجواب المحتجزين في مواقعٍ باليمن، ويمدون آخرين بأسئلةٍ ليسألوها، ويتلقون نسخاً من الاستجوابات التي أجراها الحلفاء الإماراتيون”. وسيشعر كل من عمل على قضايا الاحتجاز السري في اليمن من قبلُ كيف يبدو كل هذا مألوفاً، ومنذراً بكارثة.
وتقول كوري إنَّ هذا قد يعني أنَّ الأحوال في هذه السجون الجديدة أسوأ حتى مما رأته هي. 
وبحسب تقاريرٍ وردت من وكالة أسوشييتد برس ومنظمة هيومان رايتس ووتش، فإنَّ ما يحدث هناك أشبه بممارسات تعذيب القرون الوسطى. وأفاد شهود عيان بأنَّهم رأووا 15 سجيناً أو أكثر مكبلين ومعصوبي الأعين في حاوية شحنٍ واحدة، وهم يتأرجحون مُلطَّخين بفضلاتٍ بشرية. في حين أسر إماراتيون مواطنين أبرياء، واحتجزوا أفراد أسرهم خصيصاً بقصد “تشجيعهم” على “التعاون”، بما في ذلك العديد من الأطفال. 
ورأى عددٌ من شهود العيان مستجوبِين أميركيين يعملون في المبنى ذاته، دون أن يفعلوا شيئاً لإيقاف هذه البشاعة.
 
لماذا لا يتعلم أحد من تجربة المتاهة البريطانية؟
تُسهم مثل هذه السجون المسيئة في زرع ميولٍ تطرفية داخل السكان المحليين، وغالباً ما تخلق شريحةً صلبة من المعارضين. 
ولم تتعلَّم بريطانيا هذا إلا بشق الأنفس بعد بناء سجن المتاهة في إيرلندا، حيث كانت تحتجز الأعضاء المشتبه في انتمائهم إلى الجيش الجمهوري الإيرلندي في ظروفٍ قاتمة. وأصبح سجن المتاهة معسكراً تدريبياً يُغذي أشهر جنود الجيش الجمهوري الإيرلندي بالغضب، وعلامةً واضحة وصورةً مختزلة لوحشية الحكومة البريطانية بعد أن تركت بوبي ساندز، أشهر مناضلي الجيش الإيرلندي، و9 آخرين ليموتوا بعد إعلانهم الإضراب المفتوح عن الطعام اعتراضاً على سوء المعاملة.
خلال الحرب على الإرهاب، أصرَّت أميركا على تجاهل حقيقة أنَّ تاريخها المتقلب مع مسألة الاحتجاز السري في اليمن يولد أعداءً جدداً باستمرار؛ إذ تشمل قيادة القاعدة في شبه الجزيرة العربية (الفرع الذي فخَّخ عدة طائرات) نزلاءً سابقين بالمواقع اليمنية السوداء وسجن غوانتانامو، وهي حقائق يستغلها التنظيم بكثافة في دعاياته. 
وفي عام 2014، نشر الذراع الإعلامية لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية مقطعاً مصوراً عن سجن الأمن السياسي، يصف فيه أحد قادة التنظيم الحكومة اليمنية بأنَّها “وكيلٌ للمصالح الأميركية”، ويوجه اللوم إلى الولايات المتحدة على الفساد داخل السجون.
خطر تفجُّر الوضع الآن أسوأ من أي وقتٍ مضى؛ نظراً إلى سوء الوضع في اليمن. فمنذ عام 2014، ترنح اليمن، وهو أفقر دولة في شبه الجزيرة العربية وأكثرها اكتظاظاً بالسكان، بين سلسلةٍ من المصائب التي أعادت اليمن إلى أجواء العهد القديم. وذلك بدايةً من القاذفات السعودية، المسلحة بالأسلحة الأميركية والبريطانية، التي أمطرت المعالم، والمدارس، والمستشفيات، بنيرانها، وصولاً إلى قناصة الحوثيين الذين قتلوا أطفالاً في شوارع تعز.
وخنق الحصار السعودي-الإماراتي على اليمن إمدادات الغذاء، والإمدادات الطبية الطارئة. وانتشرت الكوليرا فيه مثل النار في الهشيم، فقد أُبلغ عن نحو 124 ألف حالة في 6 أسابيع فقط، فيما يعيش مئات الآلاف على حافة المجاعة. ولم يجرِ رصد عدد ضحايا الحرب اليمنية بالضبط، لكن تجاوزت التقديرات 10 آلاف قتيل.
وحتى إن الخبراء العسكريين يدركون أنَّ تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية ينجح، جزئيّاً، في التركيز على فكرة “النضال الوطني”. 
ومع ذلك، يبدو أنَّ رد الولايات المتحدة على الجماعة يتجاهل أنَّها، في الواقع، تعتبر نفسها لاعباً سياسياً، وتتنافس على الشرعية المحلية. فالتنظيم كيانٌ هجين، مزيجٌ بين جماعةٍ إرهابية وتمرد محلي، يتداخل مع السكان ويسعى، في بعض الأماكن، إلى توسيع نفوذ حكمه حاذياً حذو تنظيم طالبان.
وتُعَدُّ القاعدة في شبه الجزيرة العربية في حالة حرب مع الفرع المحلي لتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) أيضاً. ورغم أنَّ أسامة بن لادن، الزعيم السابق لتنظيم القاعدة، لم يكن لديه رؤى واضحة لبناء حكومة، فإنَّ تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية مختلف. فمنذ عام 2014، استغل التنظيم الفوضى اليمنية للاستيلاء على الأراضي في الجنوب.
وهذا هو العذر الوهمي وراء بناء المواقع الإماراتية السوداء. ولكن، وبصرف النظر عن الظروف السائدة في السجون، فإنَّ التواطؤ الوثيق مع الإماراتيين يُعد أكثر خطورةً من الناحية السياسية من دعم السجون شبه العسكرية للنظام السابق. وما تعتبره الولايات المتحدة مكافحةً للإرهاب، يراه السكان المحليون تورطاً في حربٍ أهلية، على حد قولها.
 
إسبرطة الصغيرة
ويعتمد التحالف بشدة على قوات الكوماندوز الإماراتية (وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، يحب وصف الإمارات العربية المتحدة بـ”إسبرطة الصغيرة”) لتنفيذ جهود مكافحة الإرهاب في اليمن؛ ما تسبب في نتائجٍ كارثية. وفي يناير 2017، فشلت أول عملية لمكافحة الإرهاب تحت إدارة ترامب فشلاً ذريعاً؛ حين تسببت غارة أميركية إماراتية شُنَّت على قريةٍ يمنية في مقتل أحد أفراد البحرية الأميركية، بجانب 6 نساء و10 أطفال تحت سن الثالثة عشرة على أقل تقدير. 
وذهبت الصحفية لونا كرايغ إلى موقع الغارة، ووصفت في رعبٍ كيف وضع طفلٌ يبلغ من العمر 5 سنوات إصبعيه خلف رأسه، ورسم خطاً وهمياً يوضح اتجاه الرصاصة التي اخترقت جبهة أمه. ووصف السيناتور جون ماكين الغارة بأنَّها كانت فاشلة.
وكانت منظمة سام للحقوق والحريات -ومقرها جنيف- قد كشفت عن سجون سرية في مدن عدن والمكلا وسقطرى وحضرموت جنوب اليمن تدار خارج القانون من قِبل تشكيلات عسكرية خارجة عن سيطرة السلطة اليمنية، مضيفة أن هذه التشكيلات تشرف عليها قوات إماراتية.
وقالت المنظمة في تقريرها، إن السجون السرية لجماعة الحوثي وصالح أصبحت تشكل ظاهرة خطيرة باليمن، خاصة في العاصمة صنعاء، وقد انتشرت أيضاً في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية -خاصة محافظتي عدن وحضرموت- بعيداً عن رقابة وإشراف السلطة القضائية.
وزعمت أن هذه المعتقلات تديرها تشكيلات عسكرية، منها قوات الحزام الأمني بعدن وقوات النخبة الحضرمية في المكلا الخاضعتان بصورة مباشرة لإشراف دولة الإمارات العربية المتحدة العضو في التحالف العربي.
وأكدت أن المعتقلين في هذه السجون السرية يتعرضون لصنوف شتى من التعذيب الجسدي والنفسي، ويُحرمون من أبسط الحقوق المكفولة بموجب الدستور اليمني والقوانين الدولية.
وقالت منظمة سام إن القبض على المتهمين يتم من دون أوامر قضائية وبأمر مباشر ممن يشرف على قوات النخبة الحضرمية، وهي تعمل خارج سيطرة السلطة المحلية وقراراتها مستقلة.

 

هل أدت هذه السياسات لمحاربة الإرهاب؟
وأشارت ذا أتلانتيك إلى أنه خلال تحقيقات كوري في اليمن عام 2010، كان واضحاً أنَّ مسؤولي المخابرات الأميركية فقدوا اهتمامهم بالأميركي المتهم الذي أتت بهدف زيارته. وأبلغ آخرون عن تجاربٍ مماثلة: محنةٌ كارثية، واستجوابٌ تجريه الولايات المتحدة. وبعد أن يُصبح واضحاً أنَّ المعتقلين لا يحملون أي معلوماتٍ ذات قيمة، يُطلَق سراحهم من السجون دون اعتذارٍ أو تفسير. 
وضمَّ تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية أفراداً أكثر بكثير إلى صفوفه في أثناء حرب بوش وأوباما ضد الإرهاب، ويرجع ذلك بنسبةٍ كبيرة إلى انتهاكاتٍ كهذه. ومع ذلك، يبدو أنَّ هذه المجموعة الفاشلة من السياسات ستستمر تحت إدارة ترامب أيضاً.
بات واضحاً أنَّ هذه الممارسات، التي تُنفَّذ اليوم في جنوب اليمن على نطاقٍ واسع، ستثير غضباً مريراً مع مرور الوقت؛ بل إنَّها قد تُطيل أمد الحرب الأهلية. وقد زعم التحالف السعودي-الإماراتي انتصاره في حرب اليمن أكثر من مرة، لكن كوري ترى أنَّ هذا يبدو بعيداً كل البعد عن الحقيقة.
نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق