في وقت مبكر من صباح اليوم، الأربعاء، قام مهاجمون بشن هجمات مسلحة تزامنت مع تفجيرات انتحارية استهدفت مقر البرلمان وضريح الإمام روح الله الخميني، في إحدى أكثر الهجمات التي ضربت طهران جرأة منذ عقود.
وقُتل في الأحداث ما لا يقل عن 12 شخصًا وأصيب عشرات آخرون في الهجومين على العاصمة الإيرانية، وفقًا لما ذكرتهوسائل الإعلام الرسمية، وذكرت وزارة الاستخبارات الإيرانية أنه تم إحباط هجوم ثالث. وأفادت تقارير بأن أبواب مجلس الشورى قد أُغلقت جمیعها في أعقاب الحادث وأن قوات الأمن والشرطة طوّقت المبنى، وكان أعضاء لجنة الأمن القومي والسیاسة الخارجیة بالمجلس یعقدون جلسة علنیة حال الهجوم.
من كان وراء الحادث؟
وجه ناشطون في ساعات الصباح الأولى أصابع الاتهام إلى المملكة العربية السعودية في ظل الحرب الباردة المستمرة بينها وبين إيران، وهو الاتهام الذي تبناه الحرس الثوري الإيراني في وقت لاحق من نهار اليوم، لاسيما وأن وزير خارجيتها عادل الجبير غرّد قبيل الحادث بساعات عن ضرورة معاقبة إيران لتدخلها في المنطقة، فالنظام الإيراني في الـ 377 عامًا الماضية هاجم أكثر من 12 سفارة لدولٍ أجنبية.
وتُضاف تصريحات الجبير لتصريحات الأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع السعودي وولي ولي العهد، في لقائه التلفزيوني مع الإعلامي السعودي داوود الشريان، والذي انتقد فيه إيران وصرح بأن بلاده ستعمل على نقل المعركة للداخل الإيراني؛ ما اعتبرته إيران هجومًا صريحًا عليها، وهي التصريحات التي استدعت شكاية المندوب الدائم لإيران لدى مجلس الأمن، في خطابٍ وجهه للأمين العام وصف خلاله تصريحات الأمير السعودي بالتهديد السافر، وهو ما يمثل انتهاكًا للمادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة.
لكن هذا الاتهام ما إن يُعرض على المعطيات الموجودة على أرض الواقع حتى يحتاج للتفنيد في ظل إعلان «تنظيم الدولة الإسلامية» (داعش) صباح اليوم عن تنفيذ الهجومين.
هل يمكن لوكلاء السعودية زعزعة أمن إيران حقًا؟
لمعرفة مدى صواب اتهام المملكة من عدمه، يجب النظر لأصدقائها في الداخل الإيران أو ما يمكن اعتبارها أذرع سعودية قادرة على إحداث قلاقل داخل إيران لتحقيق مراد الأمير بن سلمان.
ونأتي على ذكر أشهرها تباعًا:
1- حركات التحرير الأحوازي، وعلى رأسها حركة النضال العربي الأحوازي والتي ترفع راية الكفاح المسلح في وجه الحكومة المركزية الإيرانية؛ للمطالبة بالاستقلال عن السلطة الفارسية في طهران، وتتنوع عملياتها بين استهدافٍ لحواجز أمنية واغتيال جنودٍ تابعين لحرس الثورة الإسلامية، وكانت أحدث عملياتهم على الأرض ما نُفذت في سبتمبر (أيلول) الماضي باستهداف حاجز أمني في منطقة كيان غربي الأحواز العاصمة، وقُتل فيه خمسة أفراد من الحرس الثوري، وتم تدمير الحاجز وآلياته العسكرية.
2- جيش العدل، الجناح العسكري لحركة المقاومة البلوشية، والتي كذلك ترفع راية التمرد على الدولة الإيرانية، وورد مؤخرًا أنها غازلت المملكة بتأييدها عاصفة الحزم لدحر أذرع الدولة الفارسية على حد تعبيرهم؛ علّها تظفر بتأييد ودعم المملكة المالي والسياسي، وتخشى الجماعة الإدراج على قوائم الإرهاب، لاسيما وأنها انبثقت من رحم حركة جند الله، بعد إعدام قائدها عبدالمالك ريجي في يونيو (حزيران) 2010.
وآخر ما نفذه جيش العدل من أعمال عدائية تجاه السلطة الإيرانية كان في أبريل (نيسان) الماضي، عندما قُتل 9 من حرس الحدود الإيراني برصاص مقاتليهم.
ما يمكن استخلاصه من هذه الإطلالة على التمرد داخل إيران، والذي تغازل فئاته السعودية في العديد من المناسبات، وتدعم بالمال بعضًا منها، في نظر بعض المراقبين، كما توفر لبعضها ملاذات آمنة للدفاع عن قضاياها، أن تاريخ العمليات التي تتبناها هذه الجماعات لا ترقى للوصول للعاصمة ومهاجمة مبنى البرلمان وضريح الإمام الخميني المطوّقة أمنيًا بشكل محكم، حيث تتركز معظمها في المناطق الحدودية لاستهداف عربات أو أفراد لحرس الحدود وحرس الثورة، دون توغل في العمق الجغرافي لإيران.
ولعل إعلان تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) تبنيه للحادث في تمام الحادية عشر صباح اليوم قطع الشك وأصابع الاتهام المباشر التي وُجهت تلقائيًا للعدو التاريخي لإيران: المملكة العربية السعودية، وحتى الاتهام الذي وجهه الحرس الثوري قابلته تغريدة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بالنفي وانعدام الصلة بين المملكة ومنفذي الحادث.
لماذا تهاجم داعش إيران في هذا التوقيت تحديدًا؟
تساؤل منطقي؛ إذ لم يهاجم تنظيم الدولة إيران منذ تأسيسه في 2014 سوى في حادثة واحدة هاجم فيها مسلحون تابعون للتنظيم نقطة تفتيش حدودية بين العراق وإيران، قُتل فيها عسكريان إيرانيان اثنان. البعض يُرجع هذه الهجمة المفاجئة لضعف التنظيم المفرط في معاركه بالموصول، والتي أوشكت على الانتهاء بخسارته، والرقة (عاصمة التنظيم في سوريا) التي بدأت قوات غضب الفرات معركة استعادتها أمس الثلاثاء، في مرحلة تبدو هي الأخيرة من حياة التنظيم.
التأويل يبدو منطقيًا نوعًا ما بالنسبة للبعض؛ إذ عُهد على تنظيم الدولة فتح جبهات جديدة كلما تقلصت المساحات تحت أقدام أفراده، غير أن معركة الرقة التي انطلقت أمس تقودها القوات الكردية بدعم أمريكي. ثمة تأويل آخر يوفّق بين اتهام الحرس وإعلان التنظيم مسؤوليته، وهو رغبة التنظيم استجداء المحور السعودي لدعمه للبقاء لإيذاء إيران دون غيرها، لاسيما وأن الجُبير، وزير خارجية المملكة، كان قد غرد العام الماضي متسائلًا؛ لماذا لا تستهدف داعش الداخل الإيراني؟
صحيح أنه لا يمكن بأية حال – نظرًا لغياب المعلومة – الربط بين المملكة وتنظيم الدولة؛ لأن الأخير نفذ عمليات تخريبية في المملكة في وقت سابق، لكن يمكن للعلاقة أن تكون من طرف واحد، وهو الطرف الأحوج لأي دعم في ظل انهياره.
وغنيٌّ عن القول أن المنطقة العربية على فوهة بركان حقيقي لا مجازي، تشهد انقسامًا حادًا، ولعل آخر ما وصلت إليه كان القطيعة الخليجية لدولة قطر وما يُنتظر أن يترتب عليها من تغييرات في التوازنات الإقليمية، لاسيما وأن إيران أعلنت بشكل أو بآخر وقوفها بجانب قطر في عزلتها ابتداءً من إبداء الاستعداد لتوفير السلع الغذائية للشعب القطري، وانتهاءً بمد يد الحماية إذا ما اقتضت الضرورة.
إذا ما كانت فرضية المغازلة الداعشية حقيقةً، فهل هي قادرة على فتح جبهة جديدة في إيران؟
هل يمكن لتنظيم الدولة أن يفتح جبهة حرب جديدة في إيران؟
لم تشهد إيران منذ عقود عمليات إرهابية كبيرة تستهدف مؤسسات الدولة وأبنيتها الرئيسة، منذ استأصلت السلطة شأفة جماعة مجاهدي خلق، ولعل تفجيرات اليوم أعادت لأذهان الإيرانيين سنوات من الاضطراب كانت قد ولت منذ عقود.
إلا أن التساؤل الحي فيما بعد الحادث وتبنّي تنظيم الدولة له؛ هل يمكن للتنظيم البقاء في إيران وتنفيذ مزيدٍ من العمليات في وقت لاحق؟
للإجابة على مثل هذا التساؤل، ثمة حقائق ميدانية تحتاج للسرد والتأكيد على أهميتها، وأولها غياب الحاضنة الشعبية للتنظيم في إيران، فالحاضنة الشعبية للتنظيم في كل من العراق وسوريا هي التي سمحت بتمدده وبقائه أطول فترة ممكنة، إذ تتبع الغالبية العظمى من المواطنين الإيرانيين المذهب الشيعي، وهو ما يعتبره التنظيم خروجًا على صحيح الدين؟ وغياب العمق السكاني للسنة في طهران ومدن إيران الكبرى يحول دون حضانة أفراد التنظيم.
القبضة الأمنية كذلك في إيران ليست كما في العراق الممزق أو في سوريا التي هي في الأصل ساحة حرب بين فرق متناحرة، وهو ما تؤكد عليه عملية اليوم؛ إذ نقلت وكالة تسنيم الإيرانية عن وزير الأمن الإيراني محمد علوي قوله إن القوى الأمنية استطاعت إلقاء القبض على مجموعة إرهابية أخرى قبل تنفيذها لمخططاتها، وهو ما يعني أن العملية الإرهابية كان مدبرًا لها أن تكون أكبر مما انتهت إليه بسبب القبضة الأمنية التي يفرضها حرس الثورة وجهاز الاستخبارات الإيراني.
في الأخير ستكون لهذه الحادثة ارتداداتها على الوضع الإقليمي المتأزم أصلًا، وعلى الأرجح سيدفع للمزيد من التضامن الإيراني مع قطر المعزولة خليجيًا على وقع الأزمة الحالية، وهو الاصطفاف الذي يعيد التوازن لطرفي المشكلة، لاسيما في ظل الأنباء الواردة حول اعتزام تركيا زيادة وجودها العسكري على الأراضي القطرية.
ربما نشهد في الأيام القليلة القادمة اصطفافًا إيرانيًا تركيًا خلف قطر، مدعومًا بخلافات الماضي الأزلية بين طهران والرياض، وتأتي العملية الإرهابية لتصب مزيدًا من الزيت على النار الموقدة.