خبراء اقتصاديون: لهذه الاسباب تدهور الريال سريعاً بعد تحسنه الطفيف

محرر 211 نوفمبر 2018
خبراء اقتصاديون: لهذه الاسباب تدهور الريال سريعاً بعد تحسنه الطفيف

خلال يوم واحد فقط تحسنت قيمة الريال اليمني أمام العملات الأخرى، حتى وصل الدولار الواحد إلى قرابة (550 ريال)، دون مبررات اقتصادية واضحة، ليعاود التدهور مجددا بعد مضي أقل من 24 ساعة واقترب مجددا من الـ(700 ريال). الأمر الذي أثار الكثير من علامات الاستفهام.

وكان سعر الدولار الواحد وصل في وقت سابق إلى أكثر من (800 ريال) في السوق السوداء. وينعكس انهيار سعر العملة المحلية بشكل سلبي على حياة النسبة العظمى من المواطنين، في ظل استمرار الحرب الداخلية منذ مارس/آّذار 2015، في بلد تجاوزت فيه نسبة الفقر 85% من السكان، ويعتمد على استيراد ما نسبته 90% من احتياجاته الغذائية.

خيبة أمل

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تتحسن فيها قيمة الريال بشكل مفاجئ، خاصة إذا ما تزامن ذلك مع وجود منحة خارجية أو غيرها من المحفزات. فالانهيار الاقتصادي مستمر، ومن المتوقع أن يتواصل- بحسب الكثير من خبراء الاقتصاد- طالما يقابله عجز حكومي واضح عن اتخاذ أي معالجات ناجعة، عدى بعض المسكنات الآنية غير المجدية على المدى الطويل.

ومع ذلك، فقد أعطى تحسن قيمة الريال اليمني، مطلع الشهر الجاري، الأمل لدى كثير من اليمنيين، معتقدين أن الوضع سيواصل تحسنه لينعكس على الأسعار التي تصاعدت بشكل جنوني. لكن هذا التحسن الأخير لم يستمر كثيرا، وسرعان ما شعر الناس بخيبة الأمل مجددا.

وتقول المواطنة “أمل غالب” إن أسعار المواد الغذائية المختلفة، زاد بعضها الضعف ثلاث مرات وأكثر، وأصبحت تجد صعوبة بالغة في توفير معظم الاحتياجات الضرورية، والأمر يزداد صعوبة يوما بعد آخر.

وتضيف لـ”يمن شباب نت”: كنا نعتقد أن تحسن قيمة الريال أمام العملات الأخرى، ستنخفض معه أسعار المواد الغذائية، لكن ما حدث أن الأسعار كما هي، ويبرر التجار ذلك، باستمرار، بارتفاع سعر الدولار.

أطراف مؤثرة

في تفسيره لما يجري، يبدأ المحاسب والمهتم بالشأن الاقتصادي محمد العامري، بتوضيح من هي الأطراف المؤثرة بسعر الصرف، والمتمثلة بمن لهم علاقة مباشرة بالسياسة النقدية، ابتداء من الحكومة الشرعية، وحكومة الانقلاب، والبنك المركزي اليمني، والبنوك التجارية، والصرافين، والتجار المستوردين…

ويرى في حديثه مع “يمن شباب نت” أن أحد أسباب التدهور الاقتصادي وانهيار الريال أمام الدولار منذ البداية، هو قيام الأطراف السياسية بصنعاء (في إشارة إلى الانقلابيين)، بتعطيل القطاع البنكي التجاري، ومنع صرف أي أرصدة للعملاء فيه، كخطوة لإيقاف دورة السيولة النقدية، وهو ما نتج عنه خلق بيئة مناسبة لوجود قطاع مصرفي موازي غير منضبط، ولا يخضع لأي رقابة.

وأنتقد العامري استسلام القطاع البنكي للتوجيهات التي تخالف قانون البنوك التجارية، والذي أدى إلى حدوث انقسام وتأييد بعضهم لإجراءات الحكومة الشرعية في إعادة العمل إلى مساره الصحيح، بينما فضل آخرون اتباع خطوات حكومة الانقلابيين، والسعي للالتفاف على أي سياسات إصلاح نقدية.

وكانت ما تسمى بـ”اللجنة الثورية” التابعة للحوثيين، قد أصدرت- في بداية انقلابها- قرارا قضى بتعويم سعر المشتقات النفطية، بما يعني رفع الرقابة عن تجارها. الأمر الذي أدى إلى استنزاف العملة خارج إطار القطاع البنكي والرقابة عليه، ودعم الحوثيون بقوة نشاط شركات ومؤسسات الصرافة غير المنضبطة، التي شكلت بالنسبة لهم فرصة للثراء. كما يؤكد العامري.

ولم يستثني الخبير الاقتصادي، كبار التجار المستوردين من تحمل جزء من المسؤولية، كونهم استمروا بالتهافت على رفع الطلب على العملات الأجنبية، رغم أن الاعتمادات المستندية متاحة لجميع مستوردي السلع الأساسية، بالإضافة إلى التجار الذين حجم اعتماداتهم أقل من 200 ألف دولار.

وخلص إلى أن السياسية النقدية مترابطة الأدوات، وكل طرف يؤثر بشكل أو بآخر على سعر الصرف سلبا أو إيجابا. لكنه ارجع السبب الأكبر لما حدث مؤخرا إلى الصرافين بدرجة رئيسية؛ نظرا لمضاربتهم بالعملة لكسب أرباح طائلة، وعلى رأسهم أصحاب أنظمة شبكات الحوالات الداخلية، وهو ما جعل اللجنة الاقتصادية تتجه لاتخاذ إجراءات ضد العديد منهم، لتعافي الريال اليمني.

عوامل سياسية ومعالجات اقتصادية 

ويقدم أستاذ الاسواق والهندسة المالية المساعد ورئيس قسم العلوم المالية والمصرفية بجامعة الحديدة عبد الواسع الدقاف، تفسيراته لما حدث. والذي أوضح، بداية، أن تحسن سعر الريال مطلع الشهر الجاري، لم يكن تلاعبا– برغم حدوثه- بل نتيجة طبيعية لوجود تحركات فيما يخص الاقتصاد، مردها الأساسي توقعات وتصحيح سعري.

وكان من أبرز تلك الإجراءات والتوقعات، كما يبين لـ”يمن شباب نت”: تحديد سعر بيع جديد للدولار عند (585 ريال)، يقل كثيراً عن القديم، الذي انتهى العمل به مع نهاية شهر أكتوبر الماضي. إضافة إلى قيام البنك المركزي بضخ جزء من المنحة السعودية، 200 مليون دولار، للبنوك والسوق.

ومطلع الشهر الجاري أعلن محافظ البنك المركزي اليمني محمد زمام، أن البنك وافق على سحب مبلغ 170 مليون دولار من الوديعة السعودية.

ويواصل الدكتور الدقاف سرد المزيد من العوامل، ومنها- كما يقول: تصريحات رئيس الحكومة معين عبد الملك بإعادة تصدير النفط، وتوقع تدفق نقد أجنبي حتى بعد فترة. إضافة إلى وصول فعلي لمنحة المشتقات النفطية السعودية المخصصة للكهرباء، وتخفيف طلب بمقدار 60 مليون دولار، خاصة وأنه يمثل طلب حكومي عادة، كان يستحوذ 100 مليون دولار لطلب قدره 60، وكذا الشراء الحكومي الحاصل للدولار بسعر مبالغ فيه سابقاً.

ويلفت إلى أن هناك مؤشرات دعم نقدي وعيني سعودي وإماراتي للحكومة الجديدة، والذي من شأنه أن يخفف الطلب على النقد الأجنبي. وكذا توقع حدوث تدخل خارجي لإنهاء حالة اختلال السلطة النقدية، وترتيبات ثنائية بين صنعاء وعدن تنهي انقسام السوق، بحسب دعوة الأمم المتحدة ودخول صندوق النقد الدولي على المشهد.

كما ساهم في ذلك، أيضا، التوقف الفعلي عن استيفاء مبيعات المشتقات النفطية بالدولار من قبل مأرب ومستوردي المشتقات. والتي يقول الخبير الاقتصادي الدقاف إنها “مثلت السبب الرئيسي لجنون سعر الصرف منذ نهاية أغسطس، ووصول سعر الدولار إلى مستوى 800 ريال”، مضيفا: ثم عزم الحكومة تأمين نقد أجنبي لمستوردي المشتقات النفطية، إضافة إلى ظهور بوادر أفق حل سياسي ودعوات المجتمع الدولي لذلك.

وبحسب الدقاف، فإن بدء تطبيقات المعالجات التي أقرتها اللجنة الاقتصادية ومجلس الوزراء، فيما يتعلق بالاستيراد، بما في ذلك وقف استيراد سلع معينة وتنظيم استيراد سلع أخرى غير مغطاة، من شأنها أن تخفف الطلب على الدولار أكثر عبر السوق الموازية. بالإضافة إلى توقع توقف حالة المضاربة السياسية التي سادت في أسواق المحافظات الجنوبية خلال شهري أغسطس وسبتمبر، وجميعها من شأنها أن تخفف الطلب على الدولار، أو توفر عرض مقابل منه، بما سيؤدي في النهاية إلى انخفاض سعره.

لماذا أنهار الريال مجددا؟

أما تفسيره لسبب عودة ارتفاع أسعار العملات الأجنبية خلال أقل من يوم واحد، يوضح الدقاف أن بعض تلك التوقعات لم تتحقق، مثل تحديد سعر بيع جديد للدولار من الوديعة السعودية عند 570 ريال للدولار كسعر قريب، ولا يبتعد كثيراً عن السعر السابق 585.

كذلك- يضيف: اتخاذ قرار تأجيل المعالجات المتعلقة بالاستيراد حتى نهاية نوفمبر الجاري، وكذا عدم اتضاح الرؤية حول نجاح الحكومة بإعادة تصدير النفط، أو حول أفق الحل السياسي، متوقعا أن يبقى سعر الدولار متذبذبا في حدود الـ700 ريال.

ووجه أستاذ الاسواق والهندسة المالية نصيحته للحكومة بضرورة التحرك المتتابع والعميق، نحو تعزيز مصادر عرض بديلة من النقد الاجنبي، وتقليص عوامل الطلب الكبيرة بشكل أساسي، ثم الأقل.

إجراءات ضرورية

وتقوم الحكومة بالعديد من الإجراءات للحد من انهيار الوضع الاقتصادي، بينها تعديل أسعار الصرف لتغطية الاعتمادات البنكية للسلع الأساسية. وأصدرت الحكومة سندات مالية بقيمة 100 مليار ريال لتغطية عجز الموازنة من مصادر غير تضخمية، بنسبة فائدة مرتفعة، وصلت إلى 17%.

وحول ما إذا كانت الإجراءات التي أعلنتها الحكومة كافية لمواصلة تعافي الاقتصاد، نوه الخبير الاقتصادي العامري، بداية، إلى أن تعافي الاقتصاد لن يكون سهلا، نظرا لتأثر البلاد بالتجاذبات السياسية والعسكرية وملفات الفساد ومراكز القوى. لكنه أكد أن مساعي الحكومة الحالية للحصول على ثقة دول التحالف والدول المانحة، سيساهم في دعم خطوات المعالجات التي ستقوم بها الحكومة واللجنة الاقتصادية والبنك المركزي اليمني بعدن.

وذكر أن إعادة تصدير النفط والغاز، سيضمن بدء حصول الحكومة على الموارد لاستمرار معالجة الملف الاقتصادي. بالإضافة إلى قيامها بالتواصل مع المنظمات الإنسانية والدولية للتنسيق معها لاستجلاب الدعم. أما أكبر التحديات التي ستواجهها الحكومة هي ردم فجوات الفساد والنفقات غير الضرورية.

ولتحسين قيمة الريال، يدعو العامري إلى تحييد الاقتصاد والسياسة النقدية عن الصراع السياسي والعسكري، كون المتضرر الوحيد من ذلك هو الشعب اليمني، لافتا إلى أن اهتمام الحكومة بالملف الاقتصادي، سيجعلها تتفادى حقول الألغام المتمثلة بمراكز قوى لها مصالح سياسية وعسكرية.

وحث المواطنين على مقاطعة أي شركات صرافة يتم الإعلان عنها من قِبل البنك المركزي، مشددا على أهمية وعي المواطن بما يجري لحماية نفسه من تجار الأزمات.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق