منذ فجر الاسلام وانتشاره في كل الجزيرة العربية أصبحت عدن اليمنية مأوى للمؤمنين يصدح فيها الأذان وتقام الصلوات وتشيد فيها حلقات ودور ومعاهد العلوم الشرعية جيلاً بعد آخر، ولم يتأثر طابع عدن الاسلامي بكل المؤثرات العابرة من حملات عسكرية وتنوع ديني وثقافي وعرقي فقد حافظت المدينة على صورتها الإسلامية البهية.
وهكذا تتابعت القرون باستثناء نقطة تاريخية مغايرة في القرن العشرين وبعد رحيل الإنجليز عنها وتحديداً في العام 1972م عندما حلت الكوارث بأئمة المساجد والعلماء الذين لقوا حتفهم قتلاً وسجناً وتهجيراً مع موجة الزحف الشيوعي الذي ابتليت به عدن وكتم على أنفاسها ربع قرن من الزمان.
البيحاني يخطب في الحرم المكي
من منا لا يتذكر الشيخ محمد بن سالم البيحاني علاّمة شبه الجزيرة العربية الذي غادر من عدن إلي مك’ المكرمة وكان يخطب في الحرم المكي ولا يسمح لأحد غيره بالخطابة فسمي بعلاّمة شبه الجزيرة العربية حيث لم يسجل التاريخ أن خطب أي عالم بالحرم غير علماء المملكة العربية السعودية فيما سمح استثناءً للعلاّمة محمد بن سالم البيحاني.
كان الشيخ البيحاني قد أسس معهداً علمياً بعدن وكان أشبه بجامعة متكاملة ومنارة علمية لتدريس القرآن وعلومه والفقه واللغة العربية فحولته سلطات ما بعد الاستقلال إلى مقر لوزارة الداخلية وأحرقوا مكتبته وضيقوا على الشيخ وخوفاً على حياته اضطر للهروب إلي مدينة تعز الشمالية في عهد التشطير بضيافة الحاج هائل سعيد أنعم.
تفنن في قتل وسحل وتعذيب العلماء
أما العالم أحمد بن صالح الحداد. سبعون عاماً من أبناء العوالق- محافظة شبوة – فقد قتل بطريقة بشعة بضربات الفؤوس علي رأسه. وداسوه بالنعال مرددين لا كهنوت بعد اليوم.
كذلك العلامة أحمد عبدالله الكعيتي المحضار كان عمره 72 عاماً وهو من أبرز علماء شبوة وحضرموت قتل أيضاً ببشاعة في إطار منهج إجرامي بُني نظرية على قاعدة أن التدين أفيون الشعوب.
يسجل تاريخ الجنوب وعدن أيضاً جريمة قتل الشيخ العلامة محمد عبدالرحمن الجيلاني.
ومثله الشيخ محمد الخطيب عُذّب وهُجّر إلي عدن ووضع تحت الإقامة الجبرية وعندما أعلن الشيخ سعد ابن يحطب تعاطفه معه معبراً عن ورفضه للتعذيب والسجن الذي فرض عليه معلناً ذلك في خطبة الجمعة فكان رد السلطات عليه بالقتل أمام جماهير المصلين.
أما الشيخ محمد علي باحميش. كبير علماء وخطباء عدن. فقد تم اغتياله دهساً بسيارة إلي الرصيف و كانت تلك السيارة تابعة لأمن الدولة في دولة الجنوب الشطرية حينها.
حضرموت 150 عالماً تعرضوا للتنكيل
اما المأساة الدامية والجناية التاريخية العظمي فكانت قد حلت بحضرموت فبعد أن قام حكام عدن بإغلاق كافة أربطة العلم في سيئون وتريم وشبام. وحولوها إلى أطلال وقفار مثل:
رباط تريم الاسلامي
ورباط الشحر الاسلامي
ورباط غيل باوزير الاسلامي
تم استئصال كافة العلماء من الأربطة المذكورة وتم قتلهم وعددهم مائة وخمسون عالماً حسب شواهد موثقة وشهود حال عل تلك الفترة المظلمة في حياة العلم والعلماء هذا على سبيل المثال لا الحصر:
العلامة حسن الحبشي 67 عالما
العلامة علي بن سالميين ابن يحطب 65 عاماً
العلامة عبيد ابن سند 70 عاماً
العلامة عامر ابن عون 70 عاماً
العلامة عمر كعتوه 69 عاماً
العلامة الشيخ الجليل العطاس 85 عاماً
ناهيك عمن قتلوهم بمدينة العلم الشهيرة تريم أبرزهم:
العلامة محمد ابن حفيظ.، والعلامة محمد بن طالب الجابري
وكان العلماء يكرمون بالقتل البشع عندما يتم سحبهم في الشوارع بالسيارات ويمروا بهم أمام أهاليهم وذويهم حتي تتقطع أجسادهم ويتناثر لحمهم وتسيل الدماء وسط الأحياء والشوارع العامة.
المحافظة الثانية لحج محاكمات على خطب نحث على فريضة الحج
وفي لحج يسجل تاريخ المحافظة الثانية كما كان يطلق عليها آنذاك اختطاف العالم محمد عبدالرحمن بخش والعالم عبدالكريم عبدالرحمن في ديسمبر 1972م ويذكر الأهالي أنه جرى التحقيق معهم بجريمة ترغيب الناس عبر خطب المنبر بالذهاب للحج لدى الإمبريالية الرجعية الكهنوتية ويقصد بها المملكة العربية السعودية.
كذلك جرى تعذيب العلامة الشيخ حسن الشاطر. إمام جامع الولي الصالح أبان .في مدينة كريتر -عدن- حتي هاجر إلي مكة واستقر ومات هناك.
نفس التعذيب نعرض له إمام جامع الروضة الكفيف
و نفس المعاناة ذاقها الشيخ العلامة محمد عبد الرب جابر. وتعرض العذاب والسجن مرات كثيرة حتى أُصيب بالشلل الدائم.
الشيخ محمد عبد الرب جابر عاش ما بعد العم 1990م وكان له نشاط دعوي وعلمي واجتماعي واسع.
هو تاريخ بشع وصفحة سوداء عاشها علماء ودعاة الجنوب والملتزمين إبان الزحف الأحمر الذي اجتاح هذه البقعة من الجزيرة العربية وسام الناس سوء العذاب.
هذه لمحة سريعة للماضي الدموي الأسود الذي خيم على عدن والجنوب 23 سنة بين 1967م- 1990م.
عدن اليوم تتكرر مأساتها من جديد
ربما الأحداث التي شهدتها عدن خلال الثلاث السنوات الأخيرة أعادت إلى الأذهان ذكريات هذه البشاعة فقد خسرت عدن باستهداف واضح ما يقرب من عشرين خطيباً وإمام مسجد في حوادث اغتيالات ممنهجة يصاحبها تحريض خبيث.
ورغم بشاعة ما يجري لم تقدم سلطات عدن متهماً واحداً بل جرى إخفاء الثلاثة المتهمين باغتيال الشيخ عبدالرحمن العدني شيخ مركز الفيوش السلفي مما يثير علامات استفهام وريبة كبرى عن موقف الأجهزة الأمنية مما جرى ويجري لهذه الشريحة المهمة في المجتمع العدني.
ففي الأربعة الاشهر الماضية وحدها تكررت نفس العمليات والقتل للعلماء بعدن اغتيالاً.
فقد تم اغتيال الخطيب اليونسي وبعد اسبوع فقط اغتيل الخطيب والامام عادل الشهري امام مسجد سعد ابن ابي وقاص اثناء ذهابه لصلاة الفجر ثم اغتيل الشيخ عبدالكريم شائف المدرس في دار الحديث بالفيوش واخيرا اغتيل قبل أيام الشيخ شوقي كمادي امام وخطيب جامع الثوار بالمعلا..
وكان قبل قد اغتيل خطيب وامام مسجد الرضى الشيخ صالح بن حليس اليافعي والشيخ عارف الصبيحي وآخرين.
كل هذه الاسماء وهذه الجرائم تشير لمخطط مرسوم يقوم به اشرار تأبطوا كل معاني الاجرام ويريدون ايصال عدن الى مرحلة مظلمة بإفراغها من روحها وعلمائها ودعاتها لمشروع ضال عانت عدن منه بالامس ويراد تكراره من جديد.
يقيننا ان عدن بروحها وعمق الاستقامة والتسامح فيها ستطمر هذه العاهات المظلمة وتنتصر لشخصيتها المحفوظة في التاريخ وفي وجداننا كمدينة نور وسلام وجنات عدن تجري فيها كل معاني القيم والطهر والانسانية.