في منتصف فبراير/ شباط 2011، بدأت شرارة التحركات التي كانت سببا في سقوط نظام العقيد معمر القذافي، ومعه سقطت ليبيا في مستنقع الحرب التي لم تستطع الخروج منه حتى الآن.
ومن بين الألغاز التي لم تحل حتى الآن فيما حدث في ليبيا مسألة أموال القذافي وأسرته، أين ذهبت؟ ومن يتحكم في إدارتها حاليا؟ خاصة بعد قرارات تجميد أمواله الذي أصدره مجلس الأمن الدولي.
في 26 فبراير/ شباط 2001 أصدر مجلس الأمن الدولي في جلسة خاصة عقدها في مقر الأمم المتحدة بنيويورك قرارا بتجميد أرصدة العقيد الراحل معمر القذافي مع خمسة من أفراد أسرته، بما فيها تلك التابعة للمؤسسة الليبية للاستثمار البالغة 67 مليار دولار. وفي شهر تشرين الأول/ أكتوبر من سنة 2011، اتفقت دول الاتحاد الأوروبي على أن العقوبات تشمل أصول القذافي المجمدة دون سواها، غير أن الفوائد المترتبة على هذه الأصول استثنيت من العقوبات، بعد شهر أيلول/ سبتمبر سنة 2011.
ونفذت أغلب الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، القرار، وأعلنت وزارة المالية الأمريكية فرض عقوبات على القذافي، وأكدت على أنها ستجمد مبلغا كبيرا من المال، دون ذكر رقم.
ولا تقدم السلطات الليبية أي تقارير رسمية عن نشاطاتها المالية، ولكن بحسب “CNN” فإن المؤسسات المالية التي تتابع النشاطات الاستثمارية للدول تؤكد أن ثروات ليبيا موزعة على الأقل في 35 دولة تنتشر في أربع قارات، وتشمل عقارات فخمة ودور نشر في بريطانيا، وصولاً إلى منتجعات وفنادق بالشرق الأوسط وحتى حصص في نادي يوفنتوس الإيطالي لكرة القدم، وشركة “فيات” للسيارات، فضلا عن البنك الملكي الاسكتلندي وشركة بيرسون.
ما هو الحجم الحقيقي لأموال القذافي؟
تختلف الأرقام حول قيمة ثروة العقيد الراحل معمر القذافي، في الخارج، وإن كان الرقم الأشهر عن إجمالي أموال القذافي في الخارج هو 200 مليار دولار، إلا أن هناك تصريحات تتحدث عن أكثر من ذلك أو أقل.
فبحسب موقع دويتشه فيله الألماني، فأن هناك أرقام خيالية قيلت عن حجم أموال القذافي، ونقلت في 2011 عن المحامي الليبي الهادي شلوف، عضو محكمة الجنايات الدولية بلاهاي، إن “الدراسات الاقتصادية أثبتت أن حجم الأموال التي جنتها ليبيا من عائدات النفط منذ عام 1969 تقدر بثلاثة ترليونات دولار، وأن نصف هذا المبلغ ذهب إلى خزينة القذافي وأبنائه”.
ونقل نفس الموقع عن محمد عبد الملك، وهو معارض ليبي مقيم في المنفى، قوله إن حجم ثروة القذافي لوحده بـ80 مليار دولار، وقد تتجاوز ثروة العائلة ككل 150 مليار دولار.
ومن جهتها قالت صحيفة “إندبندنت الجنوب أفريقي”، في تقرير لها عام 2014، إنها اطلعت على وثائق رسمية من حكومة جنوب أفريقيا تؤكد وجود 179 مليار دولار —على أقل تقدير- محتفظ بها بشكل غير قانوني، في مرافق للتخزين في محافظة غوتنغ في جنوب أفريقيا، بالإضافة إلى مئات الأطنان من الذهب، وستة ملايين قيراط من الألماس.
وفي مايو عام 2015 نشر موقع “ديلي بيست” الإلكتروني تقريرا، جاء فيه إن شخصا يدعى ايريك إسكندر جويد أنشأ في أغسطس 2014 شركة “المجموعة الأفريقية للاستشارات في واشنطن” بهدف العثور على ثروة تقدر بـ 250 مليار دولار، أو أكثر من الذهب والألماس وغيرها من المدخرات الخاصة بالقذافي.
وبحسب الموقع فإن إسكندر وقع عقدا مع الحكومة الليبية يسمح له بالاحتفاظ بنسبة 10% من قيمة ما يعثر عليه، لكنه حتى الآن لم يتم الإعلان عن أي أموال تم العثور عليها.
بينما قال فوزي فركاش، رئيس المؤسسة الليبية للاستثمار (فرع طبرق)، في حوار سابق مع مجلة الأهرام العربي، إنه لا يعلم حتى الآن بشكل دقيق قيمة الأموال والممتلكات.
أين ذهبت أموال القذافي؟
في تقرير حديث قالت صحيفة “فيلت” الألمانية إنه وفقا لبعض المصادر، “تبين أن جزءا من أموال الرئيس الليبيالراحل المجمدة قد تدفقت إلى حسابات بنكية تابعة للمؤسسة الليبية للاستثمار في لوكسمبورغ والبحرين”.
وكشفت الصحيفة الألمانية أن المؤسسة الاستثمارية أودعت أموالها في أربعة حسابات مصرفية لدى مؤسسة “يورو كلير” المالية ببروكسل. وبناء على وثائق منبثقة عن مؤسسة “يوروكلير”، تتضمن أصول المؤسسة الليبية للاستثمار أسهما لدى شركات إيطالية كبرى، على غرار شركة “إيني” النفطية و بنك “يونيكريديتو”، بالإضافة إلى شركة فينميكانيكا.
وأشارت الصحيفة إلى أن “العديد من الأطراف تساءلت حول مصير ثروة الرئيس الليبي الراحل، معمر القذافي، المقدرة بحوالي 200 مليار دولار، منذ اغتياله في شهر تشرين الأول 2011”.
من يدير أموال المؤسسة الليبية للاستثمار؟
قالت الصحيفة الألمانية إنه “على الرغم من تجميد هذه الأموال بموجب قرار أممي، إلا أن العديد من المؤشرات تحيل إلى أن بعض الأطراف لا زالت تستفيد من أموال الرئيس الليبي الراحل”.
وأكدت الصحيفة الألمانية أنه وفقا لتحقيق أجرته مجلة “بوليتيكو” الأمريكية، تحتفظ البنوك البلجيكية بحسابات الرئيس الليبي الراحل المقدرة بحوالي 16 مليار يورو، حيث تزيد الفوائد بانتظام، ومن ثم تتدفق إلى حسابات تابعة للمؤسسة الليبية للاستثمار، التي تعد بمثابة صندوق الثروة السيادية في ليبيا.
وأوضحت الصحيفة أن المؤسسة الليبية للاستثمار تمثل محل نزاع بين الأطراف الحاكمة في ليبيا، حيث عينت الحكومتان في طبرق وطرابلس شخصيتين تتوليان مهمة تسيير هذه المؤسسة، ما خلق مجالا للمنافسة بينهما خاصة وأن كلا منهما يدعي أحقيته بتسيير دواليبها.
وما زاد الأمر تعقيدا هو إصدار المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، الذي يتخذ من طرابلس مقرا له، قرارا بتشكيل لجنة تسييرية جديدة لإدارة المؤسسة.
ورغم اتصال “بوليتيكو” بمختلف الأطراف التي تدير المؤسسة الليبية للاستثمار، لم يعترف أي شخص بمسؤولية الاستيلاء على أموال القذافي المجمدة.
ونقلت الصحيفة عن محسن دريجة، الرئيس السابق للمؤسسة الليبية للاستثمار، قوله إن “الشعب الليبي لم يستفد من ثرواته المالية مطلقا. فقد أنفقت المؤسسة الليبية للاستثمار أرباح الأموال المجمدة في إجراءات التقاضي، والحال أننا كنا قادرين على استثمار هذه الأموال في النهوض بقطاعي الصحة والتعليم”.
لماذا تفشل محاولات استعادة الأموال؟
أصدر المجلس الوطني الانتقالي، ومن بعده المؤتمر الوطني العام السابق، ومجلس النواب الحالي قرارات بشأن تشكيل لجان فنية للبحث عن الأموال المهربة، يصل عددها إلى حوالي 50 جهة.
وفي مارس/ آذار 2016، تقدم إبراهيم الدباشي مبعوث ليبيا للأمم المتحدة برسالة إلى مجلس الأمن الدولي، يطلب فيها بالموافقة على استثناء صندوق الثروة السيادية الخاص بها من العقوبات لوقف خسائر تقدر بمليار دولار سببها سوء إدارة الأصول المجمدة.
وأكد الدباشي وقتها على أن حكومته “لا تريد استخدام الأصول بل تريد ضمان وقف التراجع المستمر في قيمتها بسبب سوء الإدارة، في ظل حظر نظام العقوبات الحالي التعامل بهذه الأصول”.
ونقل موقع أصوات المغاربة عن أبو بكر بعيرة، عضو مجلس النواب، أن “غياب حكومة رشيدة قادرة على توحيد الجهود هو السبب في الصعوبات الاقتصادية التي تشهدها البلاد”.