شهدت المملكة العربية السعودية، فجر الأحد، رحيل عالم فلكي بارز، ملفي بن شرعان العريمة الحربي، المعروف بأبو شرعان، عن عمرٍ يقارب المائة عام.
وقد أُقيمت صلاة الجنازة عليه عصر اليوم نفسه بجامع قبة، قبل أن يُوارى جثمانه الثرى بمقبرة البلدة.
وتوفي أبو شرعان في مستشفى الملك فهد التخصصي، بعد صراع مع المرض، على الرغم من تعافيه جزئيًا من جلطة دماغية ألمت به قبل ثلاث سنوات.
ويُروى أنه لم يمضِ ليلةً واحدة في حياته تحت سقف منزل.
ولد أبو شرعان، حوالي عام 1929م، في بادية حائل، واختار حياة البادية، عايشًا تحت خيام النفود بين حائل والزلفي، مؤمنًا بأن السماء هي أفضل سقف، وأن أغنامه هي أوفى رفاق.
وقد امتد تأثيره ليشمل الباحثين وعلماء الفلك، بالإضافة إلى البدو والحضر، فقد استلهم من الطبيعة علمًا جعله مرجعًا لا يُغنى عنه. اشتهر بقوله: “من عرف منازل القمر، لم يُخطئ المطر”.
لم يتزوج أبو شرعان طيلة حياته، بعدما رفض أهل فتاة من قبيلته الزواج به، فاختار البقاء قريبًا من ديارها، مُخلِصًا لحبه الأول، ليُصبح رمزًا للوفاء والإخلاص. وقد ظل يقول: “بقيت عند حدود بيت محبوبتي… فكلما نظرت للنجوم تذكرتها.”
ونعى الدكتور خالد الزعاق، معلم أبو شرعان الأول، الفقيد بكلمات مؤثرة، مُشيرًا إلى أنه علّمه حساب النجوم وهو في الثالثة عشرة من عمره، مؤكدًا على أن وفاته خسارة كبيرة للمعرفة الفلكية التقليدية في المملكة.
يُعدّ أبو شرعان رمزًا من رموز علم الفلك الشعبي في السعودية، حيث ربط بين النجوم والمطر والرياح، وعلم الأجيال أن الفلك ليس مجرد علم نظري، بل مفتاح لفهم الحياة اليومية، مُوجّهًا الصغار لمتابعة اختفاء الثريا مع الفجر كعلامة لدخول المواسم الحارة.
وبرحيله، تُطوى صفحة حافلة بموروث شفهي فلكي نادر، مُخلّفًا إرثًا علميًا وإنسانيًا لا يُنسى، فهو أسطورة فلكية وإنسانية، قصة وفائه لمحبوبته ظلت حديث الناس، وسيظل علمه وإرثه محفورين في ذاكرة كل محب للفلك والموروث الشعبي السعودي.