الدمار الذي أصاب مدينة إزمير التركية، غربي الأناضول، محزن حقاً، لكن الجيولوجيين يعلمون أنّ هذا الزلزال العنيف لن يكون الأخير في الأناضول، فالمنطقة بأسرها تعيش فوق تصدعات أرضية عديدة تجعلها واحدة من أكثر مناطق العالم عرضةً للكوارث الطبيعية. في سنة 2009، أنشأت الحكومة التركية “هيئة الكوارث والطوارئ” (AFAD) واستصدرت قوانين خاصة بالإعمار من أجل الالتزام بالبناء المقاوم للزلازل. بالرغم من ذلك، يرى باحثون أتراك متخصصون في الكوارث الطبيعية أنّ الإجراءات المتخذة ليست كافية، ويجب اتخاذ المزيد من التدابير لمواجهة زلازل قوية آتية لا محالة.
يتجاوز عدد الزلازل الكبيرة التي جرى تسجيلها في مدينة القسطنطينية (الآستانة وإسلامبول لاحقاً ثم إسطنبول) منذ نشأتها حتى دخول السلطان محمد الفاتح أكثر من 50 زلزالاً عنيفاً. وفي عهد السلطان بايزيد الثاني، وقع زلزال كبير في سنة 1509 قضى على معظم مباني المدينة، واستمرت الهزات الأرضية اللاحقة به 45 يوماً، إلى حدّ أنّ المؤرخين العثمانيين أطلقوا عليه “نهاية العالم الصغرى”. وفي 1766 وقع زلزال مركزه خليج إزميت، كان من آثاره تدمير عدد من المساجد الأثرية، أبرزها جامع السلطان محمد الفاتح الذي أعاد بناءه السلطان مصطفى الثالث سنة 1771. وفي عهد السلطان عبد الحميد، ضرب زلزال كبير مدينة إسطنبول سنة 1894.
ومنذ بداية القرن العشرين، كان الزلزال الذي ضرب أرزينجان، شرقي تركيا، سنة 1937، هو الأعنف في التاريخ الحديث، إذ بلغت قوته 8.1 درجات بمقياس ريختر، فدُمِّرت المدينة تماماً، ومات نحو 35 ألف شخص، وبعدما أعيد بناء المدينة تعرضت لزلزالين آخرين في 1984 و1992. وفي 1983 تعرضت أرضروم شمال شرقي تركيا لزلزال درجته 6.6 درجات بمقياس ريختر راح ضحيته نحو 1340 شخصاً. زلازل أخرى مؤثرة أصابت مناطق كوجالي ودوزجي وإزميت بالقرب من إسطنبول في 1999، وأفيون قره حصار على بحر إيجه في 2002، ووان شرقي تركيا في 2001، وبينغول شرقي تركيا في 2003. وفي 17 أغسطس/آب 1999 تعرضت إسطنبول لزلزال عنيف راح ضحيته أكثر من 18 ألف شخص بالإضافة إلى إصابة نحو 20 ألفاً.
مؤخراً، دأبت وسائل إعلام تركية على استضافة خبراء في مجال الكوارث الطبيعية، وقد تنبأوا جميعاً بكارثة مقبلة. الدكتور محمد فاتح آلطان، تحدث عن خط تصدع شمالي الأناضول، وذكر أنّه يتحرك تدريجياً باتجاه الغرب بصورة منتظمة، متوقعاً وقوع زلزال كبير في إسطنبول قد تبلغ قوته 7.5 درجات بمقياس ريختر، وأنّه سيكون زلزالاً مدمراً سيتضرر منه ملايين الناس. وتوقع الدكتور خلوق أوزنار، بدوره، أنّ زلزالاً مقبلاً سيكون مركزه قاع بحر مرمرة درجته 7.2 بمقياس ريختر، وأنّه سيضرب البلاد خلال السنوات القليلة المقبلة، وذكر أنّ منطقة الأناضول تنجرف سنوياً نحو الغرب بمقدار 2.5 إلى 3 سنتيمترات، وأنّها تصل إلى 3.5 إلى 4 سنتيمترات في منطقة غرب بحر إيجه. أما الدكتور خالد الشوبكي، فأوضح أنّ هناك حركة دائمة للصفيحة الأرضية في منطقة الأناضول، وهي تتعرض للضغط من ثلاث صفائح أخرى في وقتٍ واحدٍ من الشرق والجنوب، مشيراً إلى أنّ الشق الذي يحدثه ضغط الصفائح يتوسع بسرعة كبيرة تنبئ بأنّ الزلزال المقبل سيكون مدمراً.
في زلزال إزمير الأخير، يوم الجمعة الماضي، سقط أكثر من خمسين قتيلاً، وأصيب نحو 900، وسط أعمال إنقاذ مستمرة تحت أنقاض أكثر من 20 مبنى مهدماً، ونزوح عن المباني السكنية المنهارة والمتصدعة، ودعوات إنسانية من خارج إزمير لاستقبال الأسر المتضررة. مركز الهزة الرئيسية كان على عمق 16.54 كيلومترا في قاع بحر إيجه، على بعد 17 كيلومتراً من سواحل مدينة سفيريهسار، بلغت قوة الزلزال 6.6 درجات. استمر الزلزال لمدة 30 ثانية، وأعقبته هزات تابعة أقل قوة، بالإضافة إلى تسونامي جزئي تسبب في وصول مياه البحر إلى المباني السكنية والطرقات.
زلزال إزمير الأخير، ليس الكارثة الأولى التي تحلّ بالمحافظة الواقعة في غرب الأناضول، فقد تعرضت في القرن التاسع عشر لزلزال عنيف دمر نصفها تقريباً. ويقول الخبراء إنّه إذا كانت إسطنبول تقع فوق خط واحد من تصدعات القشرة الأرضية، فإنّ إزمير تقع فوق 13 نقطة مختلفة من التصدعات.