عاد ملف السجون السرية التي أنشأتها الإمارات في اليمن إلى الواجهة من جديد، بعدما كشفت صحيفة “لوموند” الفرنسية عن سجن سري تديره أبوظبي في حقل غاز تشغله شركة توتال الفرنسية جنوب شرق البلاد.
موقف شركة “توتال” من السجن السري يثير تساؤلات عدة حول إمكانية وجود تنسيق بين فرنسا والإمارات، ومستواه.
وفي تحقيق نشرته صحيفة “لوموند” الفرنسية الخميس، فإنّ مكان الاعتقال موجود في قاعدة عسكرية أقامها الإماراتيون في منتصف 2017، على جزء من حقل غاز تستغل جزءا منه مجموعة توتال الفرنسية، في منطقة بلحاف بمحافظة شبوة (جنوب شرق اليمن).
“هل توتال متورطة؟”
وتعليقا على تقرير “لوموند”، قال عبدالمجيد مراري، مدير قسم الشرق الأوسط وأفريقيا بمنظمة إفدي الدولية، لحقوق الإنسان، إن هذه ليست المرة الأولى التي يكشف فيها عن تدخل شركات كبرى فرنسية في الحرب الدائرة في عدد من الدول كاليمن وسوريا وليبيا وحتى مصر.
وأضاف مراري لـ”عربي21”: “ذلك يضاف إلى سلسلة من الجرائم التي ترتكبها الشركات الأوروبية والفرنسية”.
وأكد أنه في العام 2015 خرج ملف مشابه يتهم شركة توتال بـ”تمويل بناء معتقلات وأماكن للتعذيب تحت إشراف الإمارات”. وفقا لمراري.
وبحسب المسؤول في منظمة إفدي الدولية، فإنه “تم إبلاغنا أنه سيفتح تحقيق في فرنسا في الملف، وإذا ما ثبت تورط الشركة فإن ذلك سيترتب عليه أمور كثيرة من المحاسبة والمتابعة القانونية”.
وذكر أن القانون الفرنسي يجرم هذه الأمور، وهو صارم في مشاركة المواطنين الفرنسيين في القتال أو في جرائم التعذيب خارج البلاد ما دام أنه يجري خارج المؤسسة العسكرية، ولم يكن في إطار الدفاع عن الوطن أو مكافحة الإرهاب.
وأشار عبد المجيد مراري إلى أنه إذا ما صح التحقيق الذي أجرته جريدة “لوموند” فإن ذلك “سيرتب على الشركة تبعات قانونية”.
مضيفا أن “لضحايا التعذيب في هذا السجن، الذي يقع في موقع لاستخراج الغاز تمتلكه الشركة الفرنسية، الحق في رفع دعاوى قضائية ضدها في فرنسا أو لدى محكمة الجنايات الدولية، كون باريس موقعة على ميثاق محكمة الجنائيات الدولية”.
ولفت إلى أن هناك سوابق قضائية مهمة يمكن الاعتماد عليها فيما يخص اليمن، مبينا أنهم منكبون على دراسة العديد من الملفات مع خبراء في القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان، وستكون هناك مجموعة من الدعاوى وليس دعوى واحدة سترفع إلى محكمة الجنايات الدولية.
“صمت فرنسي مثير”
من جانبه، أفاد توفيق الحميدي رئيس منظمة “سام” لحقوق الإنسان بأن بعض الدول الأوربية تضطلع بصورة مباشرة أو غير مباشرة في الحرب الدائرة في اليمن، سواء من خلال تقديم الدعم اللوجستي أو بيع الأسلحة، وفرنسا إحدى هذه الدول التي تبيع أسلحة استخدمت في الحرب اليمنية.
وقال في حديث لـ”عربي21″ إن هذا التدخل “بعضه يأتي للحفاظ على المصالح الاقتصادية”.
وبحسب الحميدي، فإنه في أعقاب سيطرة القوات الإماراتية على منشأة بلحاف بشبوة اليمنية، بدأت الأسئلة تثار حول مستوى التنسيق بين الفرنسيين والإماراتيين، خاصة مع توثيق انتهاكات لحقوق الإنسان في هذه المنشأة.
وأكد رئيس منظمة “سام”، مقرها جنيف، أن أبو ظبي حولت المنشأة إلى معتقل سري غير قانوني، واعتقلت فيه مدنيين، بعضهم تعرض للتعذيب والإخفاء القسري لفترات طويلة.
وتابع: هذه الوقائع أكدتها تقارير صحفية صادرة من صحيفة “لوموند” الفرنسية، وأيضا موقع “ميديا بارت” الاستقصائي.
وتساءل الحقوقي اليمني عن حجم ومستوى التعاون الفرنسي الإماراتي في اليمن، ودوره في انتهاك حقوق الإنسان، والتسهيل الذي يمكن أن تكون قدمته الشركة الفرنسية العاملة في بلحاف للإماراتيين.
وعبر الحميدي عن استغرابه من صمت الشركة طوال الفترة السابقة، خاصة أنها تعرض مصالح الشركة والمصالح الفرنسية للخطر. داعيا باريس للإجابة عن التساؤلات السابقة.
واعتبر أن هذه الممارسات “تشكل نقطة سوداء في جبين فرنسا”، مشددا على أن ذلك “يستوجب فتح تحقيق داخلي أو دولي بشأن وجود مساهمة محتملة لانتهاك حقوق الإنسان في اليمن”.
وأوضح الحقوقي اليمني: “لم نسمع عن أي تحرك فرنسي للتحقيق بهذا الخصوص، وهو ما يثير قلقا متزايدا عن أدوار محتملة لباريس بصمتها عن كل هذه المعطيات في التقارير الصحفية الفرنسية والأمريكية”.
“وقفة احتجاجية بعدن”
وفي سياق متصل، نظمت أمهات المختطفين والمخفين قسريا وقفة أمام مقر قوات التحالف بقيادة الرياض، في مدينة عدن، للمطالبة بالكشف عن مصير أبنائهن المختفين منذ ثلاثة أعوام.
وقال بيان صادر عن الوقفة وصل “عربي21” نسخة منه، إن هناك أكثر من 37 مختفيا لا يعرف مصيرهم أو أوضاعهم الصحية. واصفا ذلك بأنه انتهاك لكل قيم الإنسانية.
وطالبت رابطة أمهات المخفيين في البيان الجهات الحكومية والحقوقية بالاهتمام بقضية أبنائهن، وألّا تذهب قضاياهم أدراج الرياح في ظل هذه الأوضاع المتغيرة في البلاد.