نشرت صحيفة “البايس” الإسبانية تقريرا استعرضت فيه عملية توظيف مديرية المخابرات الروسية غواصة “لوشاريك” في مهام تجسسيّة، علما بأنها تعتبر الغواصة الأكثر سرية في روسيا منذ سنوات، نظرا لأن خصائصها الحقيقية ووظيفتها لا تزال مجهولة إلى اليوم.
وقالت الصحيفة، في تقريرها، إنه يوم الاثنين الماضي عند تمام الساعة التاسعة صباحا، شب حريق في حجرة البطاريات في الغواصة النووية الروسية “لوشاريك”، وقد بذل طاقمها جهوده لإخماده. وقد عمل المقدم ديمتري سولوفيوف على إنقاذ حياة الخبير المدني بإبعاده عن موقع الحريق ومواصلة محاولاته اليائسة لإنقاذ بقية طاقم الغواصة.
ووفقا لوزارة دفاع الاتحاد الروسي، لقي 14 جنديا حتفهم خلال هذا الحريق بسبب الاختناق بالغازات السامة ومن بينهم المقدم سولوفيوف.
وأشارت الصحيفة إلى أن وزارة دفاع الاتحاد الروسي، التي لم تكشف أبدا عن الاسم الأصلي للغواصة، أكدت أن لوشاريك “غواصة أبحاث أعالي البحار، وهي مصممة لدراسة قاع البحر والمحيط لصالح البحرية الروسية”. ولكن محللين عسكريين حذروا من أن هذه الغواصة خارجة عن المألوف ناهيك عن أن طاقمها يضم قيادات عسكرية روسية عليا.
وأضافت أن طاقم غواصة لوشاريك ينتمي إلى الوحدة 45707، وهي المفتاح الذي يخفي وراءه جهاز المخابرات العسكرية تحت الماء التابع للمديرية العامة للمياه العميقة، الذي يستجيب مباشرة لوزارة دفاع الاتحاد الروسي. وحيال هذا الشأن، قال ألكساندر جولتس، وهو خبير روسي مستقل ومحلل عسكري، إن مجموعة من الوكلاء الخاصين الروس قاموا بمهمة سريّة وحساسة للغاية تحت الماء.
وتشير وثائق المخابرات التابعة للولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي إلى أنه يشتبه في محاولة غواصة لوشاريك اعتراض الاتصالات أو حتى قطع كابلات الألياف البصرية المغمورة تحت الماء التي تنقل حركة مرور شبكة الإنترنت عبر الأطلسي. علاوة على ذلك، أُتهمت الغواصة الروسية بأنها تهدف لمتابعة الأجهزة الصوتية تحت الماء التي نشرتها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لتعقب حركة الغواصات.
ونقلت الصحيفة عن بافيل فيلغوينغير، أحد المحللين العسكريين، أن “وجود اختصاصي مدني على الأقل ضمن طاقم الغواصة يدل على أنهم كانوا بصدد اختبار نوع جديد من المعدات”. وأضاف فيلغوينغير “يبدو أنهم كانوا يبحثون عن شيء ما في قاع المحيط فقدته سفن أخرى وعادة ما تكون المهمة الرئيسية للسفن من هذا النوع جمع القطع الأثرية السرية سواء كانت روسية أم من جنسيات أخرى”.
إذا كانت روسيا تسعى لتحقيق أحد الأهداف المذكورة آنفا، فإنه كان من المهم جدا الاستعانة بغواصة لوشاريك القادرة على الهبوط إلى أكثر من 1000 مترا تحت الماء في عملية على عمق 220 مترا.
وأوردت الصحيفة أن الكثير من التقارير الدوليّة أكدت أن مشروع لوشاريك مسؤول عن البعثات الموجّهة للتفتيش في قاع البحر في المنطقة القطبية الشمالية وجمع العينات المهمة التي يمكن أن تستفيد منها روسيا. وتجدر الإشارة إلى أن العقيد البحري دينيس دولونسكي الذي كان على متن الغواصة السريّة قبل احتراقها، قد شارك في إحدى المهمات في القطب الشمالي.
ونوهت إلى أن هذه المهمة كانت بالغة الأهمية على الصعيد الوطني، حيث تسعى روسيا من خلالها لإثبات أن جزءًا كبيرًا من القطب الشمالي ينتمي إليها. وقد نال دولونسكي بعد تلك المهمة وسام نجمة بطل روسيا. وعموما، تعتبر المطالبة بالقطب الشمالي مسألة ذات أهمية جغرافية استراتيجية فائقة الأهمية بالنسبة لموسكو.
وذكرت الصحيفة أن غواصة لوشاريك التجسسية لا تزال قابعة في القاعدة العسكرية في مدينة سيفيرومورسك في المنطقة القطبية الشمالية. وقد أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن الدولة سوف تقوم بإصلاح الغواصة قريبا لأنه لا يمكن لروسيا أن تخسر مركبة مائية في الفترة الراهنة. وفي السنوات الأخيرة، سعت موسكو لتحديث أسطولها من الغواصات من الحقبة السوفيتية، خاصة في ظل تصاعد التوترات بشكل واضح بين روسيا وبقية الدول الغربية.
بالإضافة إلى ذلك، تهدف خطط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تعزيز قدرته الدفاعية بطائرات مسيّرة وصواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت. وقد أعلنت روسيا عن امتلاكها غواصة “بيلغورود” النووية العملاقة التي صنعت خصيصا لنقل الطائرات دون طيار النووية.
وفي الختام، أوردت الصحيفة أن روسيا دفنت جثامين الجنود الأربعة عشر يوم السبت في سان بطرسبرغ خلال موكب جنائزي مصغّر في مقبرة سيرافيموفسكي، بالقرب من النصب التذكاري الذي يخلد ذكرى 118 جنديا الذين لقوا حتفهم سنة 2000 في الغواصة النووية كورسك. ومن الوارد جدا أن يبقى سر حادثة غواصة لوشاريك تحت مياه بحر بارنتس سرا غامضا إلى الأبد.
*عربي21