قال ساشا توبريش، مدير مبادرة الحوض المتوسطي بمركز الأبحاث الأمريكي للعلاقات العابرة للأطلسي، إن الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر لم يعد جزءاً من الحل السياسي في ليبيا، بعد هجومه المفاجئ على العاصمة طرابلس والذي بدأ في الرابع من أبريل الماضي.
وتابع في مقال له بصحيفة “ذا هيل” الأمريكية، أنَّ تقدُّم حفتر يواجَه بقوةٍ متوحدة تجتمع على “كراهية الجنرال الطموح”؛ ومن ثم فإن أمامه اليوم تحدياً عسكرياً وسياسياً هائلاً، فمن الناحية العسكرية ليس بإمكان حفتر كسب أي معركة تكون شوارع طرابلس هي ميدانها.
الولايات المتحدة والمجتمع الدولي اعتادا اعتبار حفتر وجيشه جزءاً من الحل في ليبيا، ومع ذلك فحتى هذا التأييد المحتمل الذي جاءه من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد المكالمة معه، وحتى مع الدعم السعودي والإماراتي والمصري والفرنسي، فإنه سيكون من الصعب أن ينجح حفتر وتحقق قواته النصر المنتظر منه، بحسب الكاتب.
حفتر فهِم أن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تقوده إلى حكم ليبيا هي تقديم نفسه باعتباره الشخص الذي يمكن أن يوفر الاستقرار ببلد مزقته الحرب، فلقد سبق أن قضى جيشه على جماعة “أنصار الشريعة” التي صنفتها واشنطن على أنها حركة إرهابية، وهو ما رفع مكانته بين النخب الغربية، التي رأت فيه خياراً لمحاربة تنظيم “داعش”.
إن ادِّعاء أن حفتر دمَّر “داعش” ببساطةٍ ادعاءٌ خطأٌ -تقول الصحيفة- فهو في الواقع وفَّر حرية المرور لمقاتلي التنظيم من درنة إلى سرت، وهي رحلة على بُعد نحو 450 ميلاً مروراً بمنطقة الهلال النفطي التي يسيطر عليها.
وتتابع: “لقد كانت حكومة الوفاق الوطني، المتمركزة في طرابلس، بمساعدة من الولايات المتحدة، هي التي هزمت (داعش) بالفعل في معارك شرسة استمرت شهوراً في عام 2016، تلك المعارك قُتل فيها نحو 700 شخص، أغلبهم من مصراتة.
من جديد عاد حفتر وسعى إلى تبييض صورته بعد أن صدَّ، في يونيو الماضي، هجوماً قاده إبراهيم جادران أحد زعماء المليشيا المدرجين على القائمة السوداء والذي كان يحرس مطارَي رأس لانوف والسدرة من خلال شركة حراسة منشآت النفط بعد ثورة 2011.
لم يقتل هجوم جادران العشرات فحسب؛ بل أدى إلى خسائر في صناعة النفط مع تلف صهاريج التخزين المهمة، وانخفض إنتاج النفط بمقدار 400 ألف برميل يومياً، من نحو مليون برميل يومياً.
يقول الكاتب في هذا الصدد: “لقد شعر العالم بالارتياح بعد أن استعاد حفتر سيطرته على محطات النفط، وهو ما أعاد الاستقرار إلى أسواق النفط. لكنه أثار غضباً عندما قرر بيع النفط من خلال شركة تحت سيطرته، وليس من خلال شركة النفط الوطنية المعترف بها دولياً ومقرها في طرابلس”.
كما تراجع حفتر في النهاية، لكنه أثار احتمالية أن يتحدى المجتمع الدولي، ويحاول فرض سيطرته وإقامة حكم عسكري في ليبيا.
ويقول الكاتب: إن “حفتر الذي تدعمه الإمارات والسعودية وفرنسا وروسيا واجه في الآونة الأخيرة مشكلة تجنيد، فالليبيون لا يحبذون التطوع والعمل تحت رايته، وبات يبحث اليوم عن مرتزقة من الخارج، وهو ما يفسر سبب وجود مقاتلين من حزب العدالة والمساواة الراديكالي السوداني، ومقاتلين من مليشيا حراس الدم وهي جماعة سلفية تتبع رجال دين سعوديِّين متطرفين، بالإضافة إلى مقاتلين من أتباع الجماعة المدخلية التابعة لربيع المدخلي”.
ومِثل الزعيم الراحل معمر القذافي، يقول الكاتب، وضع حفتر اثنين من أبنائه (صدّام وخالد) في مناصب عسكرية رئيسة داخل الجيش، وسرعان ما رقَّاهما إلى رُتب عليا، وهما من الشخصيات المكروهة في شرقي ليبيا.
فصدام، وفق الصحيفة، متهم بارتكاب أكبر سرقة مصرفية بتاريخ ليبيا عندما داهم أحد البنوك في بنغازي. ويخشى الليبيون أن ينقل حفتر، البالغ من العمر 75 عاماً، السُّلطة إلى أبنائه، تماماً كما كان يخطط القذافي.
لا غرابة أن الليبيين اليوم، بعد 40 عاماً من حكم القذافي، لا يثقون بحكم يأتي عن طريق الحل العسكري، ولا يثقون بالسياسيين الذين تدعمهم مليشيات مسلحة، كما يقول الكاتب.
ويرى الكاتب أن “ما تحتاجه ليبيا اليوم هو صوت قوي داخل الولايات المتحدة، من أجل قيادة المجتمع الدولي نحو جهد دبلوماسي يساعد البلاد على الوقوف على قدميها”.