بعد أن أغلقت حكومة الإمارات “مركز الفردوس” لرعاية المسلمين الجدد بالشارقة، الذي يدعو غير المسلمين للإسلام بأسلوب حضاري، وأسلم بسبه عشرات آلاف الوافدين الذي يشكلون غالبية سكان الدولة، وضعت أبوظبي حجر الأساس لبناء أول معبد هندوسي في الشرق الأوسط على مساحة 55 ألف متر مربع.
وبحسب وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية “وام”، فإن تدشين المعبد جرى بحفل رسمي شارك فيه مسؤولو الدولة من أعلى المستويات؛ بينهم وزير التغيير المناخي والبيئة، ووزير الدولة لشؤون التعليم العالي والمهارات المتقدمة، إلى جانب الرئيس الروحي لمنظمة “BAPS” الهندوسية، ماهانتسوامي مهراج، وسفير الهند لدى الإمارات، نفديب سينغ سوري.
القرار أثار غضباً في وسائل التواصل الاجتماعي عبّر عنه العديد من النشطاء الخليجيين تحت وسم #بناءمعبدهندوسيفيأبوظبي، في غياب تام للصوت الإماراتي الشعبي المعارض، حيث تفرض الدولة رقابة شديدة على منصات التواصل.
إشكالات حول “التسامح”
إشادة رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، خلال زيارته للإمارات ببناء المعبد، ووصفه له بأنه “شهادة على التسامح” طرح العديد من الإشكالات حول مفهوم التسامح الذي تسعى أبوظبي لترويجه، والذي أشاد به ناريندرا عضو حزب “بهاراتيا جناتا” الهندوسي المتطرف، الذي هدم أتباعه أقدم مسجد في القارة الهندية.
فاطمة العاجي، الباحثة الحقوقية في مركز “هولندا للدراسات الدولية” بمدينة أمستردام، أشارت إلى أنه لا يمكن لعاقل أياً كان على وجه الأرض أن يقول إنه ضد التسامح، فكل الأديان السماوية جاءت بمنهجية التسامح باعتبارها أقصر الطرق للوصول إلى الخلاص.
واستدركت العاجي في حديثها لـ”الخليج أونلاين”: “لكن أن يُستخدم التسامح دعاية للعلاقات العامة، ووسيلة للمتاجرة بحقوق الآخرين وبيع من لا يملك لمن لا يستحق فهذا هو التحايل على المصطلح”.
وتابعت قائلة: إن “بناء معبد للهندوس في بلد لا يوجد في مواطنيه هندوسي واحد أمر يمكن أن يفهَم على أنه مجاملة للشريحة الكبرى من الأجانب في الإمارات، حيث يصل عددهم إلى 2.6 مليون نسمة، أو 30% من سكان الدولة، لكن كيف يمكن أن نفهم في المقابل هدم الهندوس لمسجد البابري الذي هو أقدم مسجد في القارة الهندية، حيث يعيش 200 مليون مسلم هم أكثر من ربع سكان الهند الذين يشكلون 17٪ من سكان العالم؟”.
وتساءلت العاجي: “هل حاولت أبوظبي أن تطلب من الطرف المقابل أن يكون على نفس المستوى من التسامح المزعوم؟ الجواب لا يحتاج إلى الكثير من البحث في أرشيف الأخبار، فالتسامح الإماراتي والمصري وصل إلى حد بيع حقوق الفلسطينيين في القدس، وحق العودة، والدولة المستقلة على أراضي 1967، فيما يتم تسريبه يوماً بعد يوم فيما يعرف بصفقة القرن”.
وتابعت تساؤلاتها: “إذا كانت فلسطين قضية العرب والمسلمين المركزية يُتنازل عنها بهذه الطريقة المشينة، فهل ستطالب أبوظبي بحقوق مسلمي الهند وهي تجامل الهندوس على أراضيها؟”، مضيفة: “أستطيع أن أقول بكل ثقة إن هذا الذي يتم ترويجه ليس تسامحاً؛ بل هو ذل وانكسار، وقد يحصل على تمجيد اليمين المتطرف في الغرب”.
يشار إلى أن مسجد “بابري” بُني في القرن الـ16 الميلادي بمدينة أيودهيا بولاية أوتار براديش شمالي الهند، وتعرّض للهدم عام 1992 من قبل متطرفين هندوس يزعمون أنه بُني فوق موقع ولد فيه “راما” الذي يعدونه إلاهاً.
وسمح رئيس الوزراء الأسبق، راجيف غاندي، في نوفمبر 1984، للهندوس بوضع حجر أساس لمعبد هندوسي في ساحة مسجد بابري، وتبع ذلك حكم صادر من إحدى المحاكم سمح بفتح أبواب المسجد للهندوس، وإقامة شعائرهم التعبدية فيه.
ويؤكد حزب رئيس الوزراء الهندي “بهاراتيا جاناتا” التزامه ببناء معبد مكان المسجد، وقد استغل هذا الموضوع لاستقطاب أصوات الهندوس لصالحه في الاستحقاقات الانتخابية.
وفي نوفمبر 2010، اتهم تقرير حكومي سُرّب للبرلمان زعماء من المعارضة الهندوسية بأداء دور في تدمير مسجد بابري، وجاء فيه أن زعماء “بهاراتيا جاناتا” أدوا دوراً في التخطيط لتدمير المسجد.
فاقد الشيء لا يعطيه
إذا كان التسامح مع الآخر المختلف وسيلة للوصول إلى الرأي العام العالمي، فإن مقتضى ذلك يوجب أن يكون التسامح منهاجاً لسياسة تلك الدولة لكي تتمكن من تسويق نفسها كنموذج للتسامح العالمي.
عبد الناصر الحمداني، الكاتب والباحث المختص بالشأن الخليجي في قسم الدارسات بمنظمة “كتاب بلا حدود الشرق الأوسط”، رأى أن تسويق أبوظبي لنفسها كدولة تسامح يطرح علامات استفهام وتعجب حول الأمر.
وقال الحمداني لـ”الخليج أونلاين: إن “أول علامات الاستفهام حول حقيقة تبنّي المفهوم تأتي من أن مَن يسعى للتسامح ينطلق من نفسه، ثم إلى جيرانه الأقربين، ثم ينتهي بالعالم لتكتمل الصورة”.
وتابع: “لو ألقينا نظرة على الداخل الإماراتي فسنجد أنه منذ عام 2011، يقضي عشرات من سجناء الرأي، ومن بينهم مدافعون عن حقوق الإنسان، عقوبات بالسجن لمدد طويلة بعد محاكمات لم تخضع لأدنى معايير العدالة؛ لمجرد الإدلاء بآرائهم عن الحرية وحقوق الإنسان في بلدهم، أو بسبب تأسيس الجمعيات والانضمام إليها”.
وأشار الحمداني إلى أن “أبرز هؤلاء المعتقلين هو أحمد منصور، الحاصل على جائزة “مارتن إينالز” للمدافعين عن حقوق الإنسان، عام 2015؛ بسبب انتقاده وضع حقوق الإنسان في بلاده، وتم اعتقاله في 20 مارس 2017، ومحاكمته وإدانته بتهم؛ منها إهانة مركز الإمارات ومكانتها ورموزها، ونشر معلومات مغلوطة لإلحاق الضرر بسمعة الدولة في الخارج، وتصوير الإمارات على أنها أرض بلا قانون، وحكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات، في 29 مايو 2018″.
وأضاف: إن “منصور هو آخر مدافع عن حقوق الإنسان لا يعيش حراً طليقاً في بلده، فإذا كان التسامح لا يشمل أبناء البلد ألا يحق لنا وضع علامات تعجب على المفهوم واستخدامه؟!”.
وأكمل حديثه بالقول: “ولو انتقلنا إلى مفهوم “التسامح” مع الجيران الذين هم أولى بالمعروف، فسنجد قطع الأرحام مع الجار الغربي قطر، والتجسس وزعزعة الأمن مع الجار الجنوبي سلطنة عمان، وسفك الدماء مع الجار البعيد اليمن، وإجهاض لثورة الشعب المصري الجار الأبعد، بدعم مرتكبي مجزرة رابعة، وتقارير عن دعم نظام الأسد في سوريا، وزعزعة أمن ليبيا بدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر”.
وختم الحمداني حديثه بالتساؤل: “إذا كان التسامح الإماراتي لم يستوعب ابن البلاد ولا الجار القريب ولا البعيد، فهل بناء معبد للهندوس، وآخر لليهود، وثالث للمسيحيين سيجعل من الإمارات متسامحة؟”.
يذكر أنه في الوقت الذي تنشئ فيه الإمارات معبداً للهندوس على أراضيها تعامل العمالة الهندية معاملة سيئة، بحسب منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية، التي استنكرت المعاناة اللا إنسانية للعمال في موقع بناء متحف اللوفر أبوظبي، عشية افتتاحه، مذكرةً بحجم الانتهاكات التي تقترف بحقهم.
وقالت مديرة المنظمة في باريس، بنديكت جانرو، إن هذا المشروع شابته منذ البدء ببنائه في جزيرة السعديات انتهاكات لحقوق العمال المهاجرين الذين شيدوه.
وأضافت في مقال، نشر في صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، أن منظمتها نشرت ثلاثة تقارير عن ورشات البناء في جزيرة السعديات؛ أحدها عن متحف اللوفر، قبل أن تمنع السلطات الإماراتية دخولها إلى أراضيها.
وفي أغسطس 2018، نشرت قناة “NDTV”، وهي قناة هندية إخبارية تبث من نيودلهي، برنامجاً وثائقياً حمل عنوان “الوجه الآخر لدبي”، سلطت فيه الضوء على معاناة العمال الهنود في الإمارات.
*الخليج اونلاين