تحولت الانتخابات غير الشرعية التي أقدمت عليها الميليشيات الحوثية لملء المقاعد الشاغرة للنواب المتوفين في مناطق سيطرتها إلى استفتاء شعبي يرفض وجود الجماعة الانقلابية، على الرغم من عمليات التزوير التي شهدتها عملية الاقتراع في نحو 24 دائرة، وأعمال الترغيب والترهيب، واستخدام المساعدات الغذائية لإغراء الناخبين للمشاركة.
جاء ذلك في وقت كانت تلقت فيه الميليشيات ضربة أخرى موجعة بعد تمكن الشرعية من استئناف عمل البرلمان في مدينة سيئون عقب الحصول على النصاب القانوني للانعقاد وانتخاب هيئة رئاسة جديدة للبرلمان اليمني، يقودها النائب في حزب المؤتمر الشعبي سلطان البركاني.
وتوعد القيادي الحوثي المعين مشرفاً على خارجية الانقلاب في صنعاء حسين العزي، في بيان له، بإجراء انتخابات تكميلية أخرى في جميع دوائر النواب الذين حضروا إلى سيئون يوم السبت الماضي، وهو ما عده المراقبون تعبيراً عن قوة الصفعة التي تلقتها الجماعة عبر سحب بساط النواب من تحت أقدامها في صنعاء.
وبحسب مصادر محلية وحزبية في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الجماعة الموالية لإيران، فتحت الجماعة أبواب الترشيح في نحو 24 دائرة، وبعد تقدم العشرات من الموالين لها لخوض الانتخابات لجأت الجماعة إلى اختيار مرشح واحد أطلقت عليه المرشح التوافقي، مع السماح باثنين أو 3 مرشحين لخوض الانتخابات الصورية إلى جانبه.
غير أن ما لم تكن تتوقعه الجماعة هو أن تتحول هذه الانتخابات غير الشرعية إلى موعد للاستفتاء على وجودها الانقلابي المرفوض من غالبية السكان في مناطق سيطرتها بعد إصرار الأغلبية العظمى على مقاطعة الانتخابات التي وصفوها بأنها عملية هزلية من ضمن المهازل التي دأبت الجماعة على القيام بها منذ الانقلاب.
ففي الدائرة 17 في أمانة العاصمة صنعاء، التي كان يشغل مقعدها البرلماني الراحل محمد عبد الله القاضي، لم يتجاوز عدد المشاركين في الاقتراع – بحسب مراقبين – 6 آلاف ناخب، أغلبهم من الموظفين الذين تم إكراههم على الحضور، ومن الموالين للجماعة، في حين أن العدد الإجمالي للناخبين المسجل منذ 2003 يزيد عن 50 ألف ناخب وناخبة.
المفاجأة أيضاً لم تكن في عدد الحضور وحسب، ولكن في الصفعة التي تلقتها الجماعة من خلال حصول مرشحها التوافقي المزعوم على أقل الأصوات، على الرغم من حجم الدعاية الكبير الذي قامت به الميليشيات من أجله، ومن ذلك قيامها بالتضييق على المرشحين الآخرين، والتصويت عبر عناصرها لمصلحته، عوضاً عن مئات ممن لم يحضروا إلى الاقتراع.
يقول سليم: تفاجأت بتدني الإقبال على المشاركة في الاقتراع، ولم أكن أريد المشاركة بدوري، لكن تهديدات القيادي الحوثي حمود عباد المعين أميناً للعاصمة حيث وظيفتي الحكومية أجبرتني على الحضور مرغماً.
ويضيف: حين طلبت من اللجنة الإدلاء بصوتي تفاجأت بأن شخصاً آخر قد أدلى بصوته بدلاً عني، بل شاهدت اسم والدي المتوفى منذ سنين، وقد تم الاقتراع بالنيابة عنه، كما ظهر أمام عيني في سجلات القيد من خلال بصمة الإبهام الموضوعة أمام اسمه.
وفي حين شكلت هذه النتائج صدمة كبيرة للقيادات الحوثية، طالب ناشطون موالون للجماعة بمحاسبة القيادات التي تسببت فيما وصفوه بالفضيحة، التي لحقت بالميليشيات، خاصة أن عدداً من قيادات الجماعة ووزرائها الانقلابيين كانوا قد خاضوا عملية الدعاية من أجل فوز مرشحهم المدعو الطوقي.
واتهم ناشطون موالون للجماعة، القيادي حمود عباد، ووزير الجماعة للصحة في حكومة الانقلاب طه المتوكل، بالتسبب في هذه النكسة، خاصة بعد أن صرفت الميليشيات أموالاً طائلة من أجل التصويت للمرشح الطوقي كانت وزعتها على عقال الحارات والموظفين خلال الأسابيع الماضية.
ولم تكن صنعاء وحدها التي عبرت عن رفض الانتخابات الحوثية، بل امتد الرفض إلى بقية المحافظات في إب وحجة والحديدة وريمة وذمار، بحسب ما أفاد به شهود محليون وناشطون حزبيون، تحدثوا إلى «الشرق الأوسط».
ففي مديرية بعدان التابعة لمحافظة إب، أظهرت وثيقة لرصد الأصوات بعد الفرز، اطلعت عليها الشرق الأوسط أن إجمالي عدد المقترعين لم يتجاوز 5 آلاف مقترع، في حين أن عدد إجمالي الناخبين المسجلين في الدائرة يزيد عن 40 ألف ناخب وناخبة.
وفي مركز آخر من مراكز الاقتراع في محافظة حجة، رصد مراقبون محليون، تحدثوا إلى (الشرق الأوسط)، مشاركة نحو 250 شخصاً في مركز انتخابي، من بين أكثر من 10 آلاف ناخب، هم قوام المسجلين في كشوف الناخبين منذ آخر عملية انتخابية للبرلمان في 2003.
ويؤكد شهود في محافظة ذمار أن مسلحي الجماعة المشرفين على لجان الاقتراع في المراكز الانتخابية تلقوا توجيهات بالاقتراع نيابة عن أسماء المئات ممن رفضوا المشاركة أو الإدلاء بأصواتهم، إضافة إلى تزوير التصويت بأسماء ناخبات في محافظة إب.
وبحسب سكان في مديرية جبل راس شرق محافظة الحديدة، قام المشرفون الحوثيون بتوزيع مئات السلال الغذائية على السكان عبر أعيان المنطقة، قبيل موعد الاقتراع، في مسعى ترغيبي للمشاركة في مسرحية الانتخابات غير الشرعية، غير أن أغلب الناخبين أحجموا عن المشاركة، وفق ما ذكرته المصادر.
ويقول أحد المرشحين، الذي حاول أن يجاري الحوثيين في لعبتهم، إنه يتوقع أن يحصل على أصوات أكثر من مرشح الجماعة الحوثية رغم التزوير، إلا أنه يتوقع أن تقوم الجماعة في نهاية المطاف عبر عناصرها في لجنة الانتخابات غير الشرعية بإعلان الفائزين الذين دفعت بهم للترشح.
كما أكد سكان في محافظة حجة والحديدة، أن الجماعة أصرت على إجراء انتخابات تكميلية في عدد من الدوائر والمديريات الخارجة عن سيطرتها، التي نزح سكانها بسبب ظروف الحرب، كما هو الحال في مديريات ميدي وحرض والتحيتا، واصفين ما قامت به الجماعة من تزوير للاقتراع بأنه عمل فاضح يكشف مدى ضحالة تفكير الجماعة واستماتتها في الحصول على نواب غير شرعيين لتمرير أجندتها الانقلابية.
وفيما لن تكون هناك أي قيمة قانونية أو شرعية، تترتب على هذه الانتخابات غير المعترف بها دولياً ولا دستورياً، فإنها – بحسب المراقبين المحليين – تكشف عن مدى هشاشة الجماعة شعبياً وسقوطها الفاضح البعيد عن مقتضيات الديمقراطية التنافسية.