ربّما هي الكويت التي كان يقصدها الرحالة العربي الشهير ابن بطوطة، حين قال في كتابه: “مررت بأرض أسفل البصرة (جنوب العراق) يقال لها كاظمة؛ لا تسكنها الجن من شدة الحر”، فبصعوبة يسكنها الإنس، خاصة مع ارتطام الحرارة بسقف الـ55 درجة.
الكويت، عاصمة أعلى درجات الحرارة في العالم، والتي يتهكم ناشطون كويتيون بإدخالها موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأسخن منطقة، تسجل صيفاً بعد آخر درجات حرارة كبيرة ضربت حياة المواطنين.
وقديماً، كانت حرارة الكويت تسجل درجات معقولة، لكنها بدأت تتمايز منذ مطلع ستينيات القرن الماضي؛ مع دخول الكهرباء وازدياد الطلب عليها، واتساع رقعة العمران على حساب المساحات الخضراء، مما أسهم في وصولها إلى درجة كبيرة.
وأظهرت دراسة قديمة استمرار الكويت كأسخن عاصمة في العالم، على الرغم من تقلص متوسط درجات حرارتها إلى 46 درجة مئوية في أغسطس/ آب سنة 2013، مع تسجيلها 50 درجة كحد أقصى لأكثر من يوم في نفس السنة.
وقد شمل التصنيف 51 عاصمة في العالم مع عدم احتساب المدن الصحراوية وتصنيف العواصم فقط، وتلك التي شهدت تقلبات، خصوصاً نحو الارتفاع في حرارة الطقس خلال أغسطس/آب، مع الإشارة إلى أن التصنيف غطى كل العواصم العربية.
ومنتصف العام الماضي، سجلت الكويت أعلى درجة حرارة في النصف الشرقي من الكرة الأرضية، وربما في العالم كله؛ وهي 54، وذلك خلال موجة حر شديدة امتدت في أجزاء من الشرق الأوسط، بحسب صحيفة “الإندبندنت” البريطانية.
وبالحديث عن أسباب الارتفاع غير المسبوق لدرجات الحرارة في مناطق شرق وشمال شرق الكويت، فإن أكثر عوامل جغرافية وطبيعية مجتمعة تؤدي إلى ذلك، بحسب عبد الله المسند، أستاذ المناخ في جامعة القصيم السعودية.
ويقول المسند إن ثلاثة عوامل تحكم منطقة الكويت تؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة بهذا القدر، “وفيزيائياً فإن المنطقة التي تقع فيها الكويت تتأثر بمنخفض الهند الموسمي طول فصل الصيف”.
لماذا الكويت؟!
ويوضح في تصريحات صحفية سابقة لـ”الجزيرة نت”، أن انحدار الرياح القادمة من جبال زاغروس إلى مناطق منخفضة، تحتكّ بقمم السفوح الجبلية، فترتفع حرارتها وتقل رطوبتها، مما يجعل الكويت ومحيطها في مهب الرياح الحارة والجافة.
ويتحدث المسند مُدللاً بنظريات علمية، فيقول: “يتمركز مرتفع جوي في طبقات الجو العليا (3-5 كم)، يتسبب بهبوط التيارات الهوائية من الأعلى إلى الأسفل، والتي بدورها تتسبب بضغط الهواء وتكدسه في طبقات الجو الدنيا؛ فترتفع بسببه درجات الحرارة”.
ويستطرد بالشرح: “ترتد الرياح فترتفع درجة الحرارة وتنخفض درجة الرطوبة، وهو ما يشكل فقاعة هوائية (كتلة هوائية عظيمة) فوق المنطقة المتأثرة تستمر بضعة أسابيع؛ فيرتفع معدل درجة الحرارة بشكل يفوق المعدل السنوي بأكثر من 5 درجات مئوية”.
وفي تفسير الأمر من ناحية طبوغرافية، فإن هناك عوامل ترفع درجة الحرارة تتمثل في خلو المنطقة من البحيرات، والأنهار، والغطاء النباتي الكثيف؛ وكلها عوامل تحدُّ من حرارة الشمس، كما أن خلو سماء المنطقة من السحب، يسمح لأشعة الشمس بالوصول للأرض.
وفي سياق الأسباب، يرى خبير التنبؤات الجوية في مكتب المدير العام للإدارة العامة للطيران المدني الكويتي، عيسى رمضان، أنه “تأثرت الكتل الهوائية في الغلاف الجوي بعد ظاهرة الألنينو سنة 2015-2016”.
وأشار رمضان إلى أن ظاهرة “الألنينو” سبق أن أثرت على المنطقة بشكل كبير بعد الأمطار الساقطة في صيف 1998، وسجلت أعلى درجة حرارة في مطار الكويت الدولي وكانت 51.3 درجة مئوية”.
ونتيجة موجة الحر القوية التي تشهدها منطقة الخليج العربي منذ أسبوعين تقريباً، انتشرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر تأثر شوارع الكويت بدرجة الحرارة التي تخطت الـ 60.
واندلع، الجمعة، حريق ضخم في مبنى قيد الإنشاء بمدينة شرق في دولة الكويت، وذلك بسبب الارتفاع الكبير في درجات حرارة الحديد مع الاحتكاك بالأخشاب، وتداول النشطاء فيديو يوضح حجم الحريق، وجهود فرق الدفاع المدني في إطفائه.
وبذلت طواقم الإطفاء جهوداً للسيطرة على الحريق، في محاولة لمنع وصول ألسنة النار إلى المباني المجاورة، بسبب قوة الرياح وارتفاع درجات الحرارة التي لامست 55 درجة مئوية.