حذر تقرير جديد أعدته هيئة الموارد الدولية بإشراف برنامج الأمم المتحدة للبيئة؛ من النمو السريع في استهلاك موارد كوكبنا، باعتباره السبب الرئيسي في تغير المناخ والتأثير السلبي على التنوع البيولوجي، وهو ما يشكل تحديا سيتفاقم مستقبلا بزيادة عدد السكان.
ودعا التقرير دول العالم إلى تدارك الموقف بشكل عاجل عبر اتخاذ إجراءات اقتصادية وسياسات تنموية تراعي هذا الجانب، وتولي اهتماما أساسيا بضمان استدامة الموارد.
استنفاد الموارد:
ومرر التقرير ثماني رسائل مقلقة حول تطور الاتجاهات الدولية في استغلال الموارد الطبيعية؛ أهمها أن نمو سكان العالم منذ 1970 تضاعف، وقابله ارتفاع كبير في الناتج الخام العالمي بنسبة أربعة أضعاف، لكن ذلك حدث عن طريق استخدام الموارد الطبيعية بنسب زادت بنحو ثلاثة أضعاف، وكل ذلك مقابل وجود أنماط استهلاك للموارد التقليدية والجديدة أثرت سلبا على التنوع البيولوجي وعلى صحة الإنسان.
ويقول الخبراء إن استخدام الموارد الطبيعية ارتفع خلال الخمسين سنة الماضية من 27 مليار طن إلى 92 مليار طن، وسيبلغ الرقم 190 مليار طن بحلول عام 2060، وهو ما تسبب في نحو نصف إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة على مستوى العالم، والتأثير بنسبة رهيبة تقدر بأكثر من 90% على التنوع البيولوجي والإجهاد المائي.
وقالت المديرة التنفيذية للأمم المتحدة للبيئة بالنيابة جويس مسويا “إن التوقعات الخاصة باستهلاك الموارد الطبيعية تظهر أننا نستنفد الموارد المحدودة لهذا الكوكب كما لو أنه لا يوجد غد، مما يتسبب في تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي على طول الطريق. بصراحة، لن يكون هناك غد للعديد من الناس ما لم نتوقف عن فعل ذلك”.
الاقتصاد الدائري ضرورة:
وحسب الأرقام التي أوردها التقرير، فإن العالم شهد منذ سبعينيات القرن الماضي زيادة سنوية بنسبة 2.7% في استخدام المعادن كالحديد، وارتفاع استخدام الوقود الأحفوري من ستة مليارات طن عام 1970 إلى 15 مليار طن عام 2017، وارتفاع استعمال مواد البناء الطبيعية كالرمل والحصى من تسعة مليارات طن إلى 44 مليار طن.
وبحلول عام 2060، توقع الخبراء أن ينمو استخدام الموارد الطبيعية بنسبة 110%؛ مما سيتسبب في تراجع المساحات الغابية بنسبة تزيد على 10% وانخفاض الموائل الأخرى؛ مثل الأراضي العشبية بنحو 20%، وهذا مقابل ارتفاع في المساحات المزروعة بنسبة 21%، خاصة في أفريقيا التي تعرف زيادة لا مثيل لها في عدد السكان.
ودعا الخبراء إلى ضرورة الانتقال إلى الاقتصاد الدائري الذي يعتمد أساسا على إعادة الاستخدام وإعادة التدوير، وأنه إذا اعتمدت دول العالم على هذه السياسة فإن نمو استخدام الموارد الطبيعية سيتباطأ بنسبة 25% بحلول عام 2060.
الحلول ممكنة:
وقال مستشار برنامج الأمم المتحدة للبيئة وخبير التغيرات المناخية الدكتور كمال جموعي إن التقرير يعد إنذارا طارئا، خاصة للدول التي تعرف وتيرة استهلاك مرتفعة للموارد الطبيعية، وهي الدول التي تحتج دائما بضرورة رفع الإنتاج لتلبية الطلب.
وأضاف جموعي -الذي قاد في 2015 مشاورات قارة أفريقيا في قمة باريس للمناخ- في حديثه للجزيرة نت أن المعادلة بين الزيادة في الاستهلاك والتغيرات المناخية صعبة ومعقدة، وإن كانت حلولها ممكنة من حوكمة بيئية وترشيد النفقات واقتصاد في استهلاك موارد الطاقة والموارد الطبيعية، مع تفعيل وسائل التنبيه بمخاطر ذلك على كل المستويات.
من جهته، قال الخبير البيئي والأستاذ في جامعة سطيف الجزائرية محمد بوسنة إن استنزاف ثروات كوكبنا أثار مخاوف الكثيرين منذ وقت طويل، وتجسد ذلك من خلال التقرير الشهير الذي أصدره نادي روما عام 1972، والذي قام بإعداده خبراء من معهد ماساشوستس للتقنية تحت عنوان: “حدود النمو”، وتم خلاله الترويج لفكرة التنمية المستدامة التي تعني ضرورة استغلال الموارد الطبيعية بصورة عقلانية للحفاظ على الجنس البشري.