كيف ترصد النمر في الغابة قبل أن يراك؟

محرر 329 ديسمبر 2018
كيف ترصد النمر في الغابة قبل أن يراك؟

من المفيد بشكل كبير لصناع فيلمٍ وثائقيٍ يتناول الحياة البرية في منطقة ما، على سبيل المثال، أن يفهموا ما الذي تريد الحيوانات إيصاله عبر ما تصدره من أصواتٍ، خاصةً إذا كان موضوع ذلك الفيلم يتناول حيواناً متمرساً في فنون التخفي بشكل فريد.

فإذا كنت في غابةٍ هنديةٍ شاسعة المساحة كثيفة الأشجار، وهناك نمرٌ تأمل في تصويره، سيكون السمع هو الحاسة الوحيدة التي يمكنك الاعتماد عليها لتحديد موقعه.

هذا الموقف تحديدا واجه من قبل ثيو ويب، مخرج الحلقة الخاصة بالنمور من سلسلة أفلام “ديناستيس” الوثائقية، التي تقدمها “بي بي سي إيرث”. وقد وصف ويب الرحلة الرائعة التي خاضها لتصوير تلك الحلقة في مدونة صوتية أنتجتها “بي بي سي إيرث” كذلك.

فرغم أن عثورك على آثارٍ لأقدام النمر المنشود أو على علاماتٍ تدل على وجود نشاطٍ له سيساعدك في معرفة ما فعله ذلك النمر خلال رحلة قنصه الليلة الماضية مثلاً، فلن يكون بوسعك اقتفاء أثره أو تحديد موقعه إلا إذا أرهفت السمع وأنْصَتَ لصيحةٍ أو نداءٍ صادرٍ من هنا أو هناك، وخاصة إذا كان قد اختفى فور انتهائه من الصيد بين الشجيرات المتشابكة.

المفارقة أن هذا الصوت لن يصدر عن النمر نفسه، وإنما سيكون عبارة عن صيحةٍ تطلقها فريسةٌ محتملةٌ له لتحذير أترابها والتنبيه لمكان وجود هذا الحيوان المفترس.

وبهذه الطريقة، تمكن ويب وطاقمه من تعقب النداءات والصيحات، ومن ثم اقتفاء أثر النمر وهو يمضي مُخترقاً الغابة ومتنقلاً بين أرجائها.

بعد ذلك، بات بوسع المرشدين المحليين المرافقين للفريق توقع المسار الذي سيأخذه ذلك الحيوان الضاري في الغابة، والأماكن التي كان يحتمل أن يظهر فيها أكثر من غيرها.

ووجد الفريق العامل مع ويب أن من بين أكثر المؤشرات الصوتية إفادةً في هذا الشأن ذلك التحذير الصادر عن قردة اللنغور.

وسيكون الأمر مثيرا لدهشتك أن تعلم أن الصيحات التي تطلقها هذه القردة للتحذير من وجود النمور تختلف عن تلك التي تطلقها للتحذير من وجود الفهود مثلا.

وتستجيب الأيائل المُرقطة – وهي الفريسة المُفضلة للنمور – لصيحات تلك القردة، لتطلق صيحاتٍ متواصلةً مُحذرةً بدورها بقية الأيائل.

ومن بين أكثر النداءات والصيحات المُميزة والتي يمكن للمرء الإنصات إليها والاعتماد عليها لاقتفاء أثر النمور، تلك الخاصة بـ “أيائل الصمبر”، وهي حيواناتٌ تصدر صوت صريرٍ من الحلق عندما تدرك أن نمراً ما في الجوار.

ويشير انطلاق صيحات وأصوات الإنذار الصادرة عن حيواناتٍ مختلفةٍ وتردد صداها في مختلف أنحاء الغابة، إلى أن النمر يعكف على عملية قنصٍ وصيدٍ لفريسةٍ ما.

من جهة أخرى، شعر ويب بالدهشة إزاء تنوع وثراء الأصوات والصيحات التي تصدرها النمور نفسها، سواء وهي تنادي بعضها بعضاً، أو وهي تهدر خلال التزاوج، قبل أن تندفع في الزمجرة بعد ذلك.

ورغم أنه طالما كان لدى البشر الرغبة في التواصل الكلامي مع الحيوانات، فإن تمكن الكائنات الحية من إطلاق مجموعةٍ متنوعةٍ وواسعةٍ من الأصوات – كذاك الذي نتحدث عنه- يفيد في إحداث أنماط تواصلٍ أخرى بين الأنواع المختلفة.

فتعلم إطلاق أصواتٍ جديدةٍ يعني بالنسبة للببغاوات – على سبيل المثال – أن بمقدورها تغيير طبيعة ذبذباتها الصوتية، لتنسجم مع أسرابٍ جديدة من الطيور.

كما أن تعلم ذلك يفيد أيضاً بعض الحيوانات في التفاخر بالقوة والسيطرة خلال طقوس التزاوج.

بجانب ذلك تتعلم حيواناتٌ مثل الدلافين والحيتان البيضاء مئاتٍ من الأصوات والذبذبات الصوتية الجديدة خلال حياتها. بل إن تسجيلاتٍ لكائناتٍ أخرى مثل إنسان الغاب وحتى الأفيال، تظهر أنها تصدر أصواتاً تبدو فيها وكأنها تقلد الأحاديث التي يتبادلها البشر.

لكن ليس بوسع كل الحيوانات القيام بذلك، نظراً لأن التحكم في العضلات الخاصة بإحداث الذبذبات الصوتية هذه، يحتاج إلى وجود دوائر دماغيةٍ معينةٍ، لا تتوافر سوى في بعض الحيوانات.

وتكشف مجموعةٌ مؤلفةٌ من أكثر من 50 مُورِثاً أو وحدة وراثية (جيناً)، تشابهاً في نمط النشاط الذي تشهده مراكز التحكم في إصدار الأصوات أو الكلام لدى العديد من الكائنات التي تتعلم هذه المهارة، بما في ذلك البشر والببغاوات والطيور المغردة والطيور الطنانة.

ويعني ذلك أن الإنسان يستخدم للكلام تلك الجينات نفسها التي تستخدمها الطيور المُغردة للزقزقة والغناء. أما الكائنات التي تفتقر إلى القدرة على تعلم أصواتٍ جديدةٍ مثل الدجاج وقردة المكاك، فلا تُفَعِّلُ تلك الجينات على الشاكلة نفسها.

ويصف ويب تجربته في هذا الشأن بالقول إنه من المثير للغاية أن يركز المرء بشدةٍ على “صوت قردٍ”، وينتفع من نداءات الحيوانات وصيحاتها، لتعقب مسيرة حيوانٍ آخر ليس بوسعه رؤيته وهو يجول في الغابة.

وبدلاً من الحديث إلى الحيوانات – كما قالت الشخصية الخيالية المعروفة باسم “دكتور دوليتل” في الرواية الشهيرة التي تحمل نفس الاسم – ربما يجدر بنا التركيز على الإنصات إليها.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
Accept