يمن ما بعد صالح.. إستراتيجيات الصراع وسيناريوهات التحالفات الوليدة

محرر 39 يناير 2018
يمن ما بعد صالح.. إستراتيجيات الصراع وسيناريوهات التحالفات الوليدة

عدن نيوز – متابعات

أثارت تصفية الرئيس السابق علي عبد الله صالح على أيدي حلفائه الحوثيين، في بداية كانون الأول/ ديسمبر 2017، توقعات لدى المختصين والمهتمين بالشأن اليمني بحدوث تحول كلي أو جزئي في مستويين:

يتمثّل أولهما بإعادة تموضع الجماعات المتصارعة في تكتلات أو تحالفات جديدة، خاصة بعد اللقاء الذي جمع ولي عهد السعودية محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد بقيادة حزب التجمع اليمني للإصلاح (المصنف إخوانيًا)، ودعوتهما إياه إلى التحالف مع حزب المؤتمر الشعبي العام، جناح الرئيس السابق علي عبد الله صالح، لمواجهة الخصم المشترك (الجماعة الحوثية).

أما ثانيهما، فيتمثّل بتعديل استراتيجية دول التحالف العربي بما يسرّع تحقيق الأهداف المعلنة لتدخّلها في اليمن، وذلك استباقًا لاستيعابٍ كلي أو جزئي لمنظومة الرئيس السابق علي عبد الله صالح السياسية والعسكرية والأمنية والاستخباراتية والتجارية والقَبلية في المجال الحوثي العقائدي أو البراغماتي، إذا استمر انعدام البديل الوطني الملائم. وإن حدث ذلك، فإن الجماعة الحوثية تكون قد ورثت مقدّرات الدولة المؤسساتية والعسكرية والأمنية والاستخباراتية والمالية، علاوة على السلاح بمختلف أنواعه.

وبما أن  نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح اعتمد نظامًا مركزيًا، احتكر فيه صناعة القرار والنفوذ والمناصب العليا والمتوسطة، ومناطق تجنيد النخب العسكرية والأفراد في العاصمة صنعاء وامتدادها القَبلي والعقائدي في مناطق شمال الشمال اليمني، وبما أن الحوثيين سلطة واقعية، فإن إضعافهم أو الانتصار عليهم يتطلب تكاليف عسكرية وسياسية وأخلاقية وإنسانية ومجتمعية كبيرة، إن نجحوا في استيعاب منظومة السلطة التي بناها الرئيس السابق.

تحاول هذه الورقة تفحص مدى دقة هذه التوقعات بخصوص إمكانية إعادة بناء التحالفات على الساحة اليمنية وتغيير إستراتيجية التحالف، بما يقطع الطريق على الحوثيين في الاستيلاء كليًا على منظومة الدولة، وتكريس حكمهم لها بعد تصفية الرئيس السابق. وتخلص إلى أن إستراتيجية دول التحالف العربي لم تتغير، سواء تجاه مسعى ترتيب الجغرافيا اليمنية إلى ثنائية وطنية “شمال – جنوب”، أو تجاه مواقفها من الجماعات المتصارعة، حتى بعد طلبها من قيادة التجمع اليمني للإصلاح التحالف مع المؤتمر الشعبي العام جناح صالح. وبناءً عليه، فإن تلك الإستراتيجية ما زالت تعمل على:

إضعاف السلطة الشرعية، وإبقائها خارج الجغرافيا الوطنية.

إعادة تقسيم الجغرافيا اليمنية إلى ثنائية وطنية “شمال – جنوب“.

استهداف التجمع اليمني للإصلاح، واستنزافه.

إضعاف الحياة الحزبية والمدنية لمصلحة كيانات سياسية وعسكرية وأمنية ومجتمعية تقليدية موالية لها.

الحفاظ على المنظومة التي بناها الرئيس السابق علي عبد الله صالح في إطار إستراتيجية الثورة المضادة لثورات “الربيع العربي“.

تعدد السلطات في الجغرافيا والمرجعيات:

لقد أدت السياسات التي اتبعتها دول التحالف العربي، وتحديدا دولة الإمارات، إلى إضعاف السلطة الشرعية المتمثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي، و مصادرة حقها الدستوري في صناعة القرار واحتكار العنف الشرعي و إدارة الحياة اليومية للمواطنين واتخاذ قرار الحرب أو السلم.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل ذهبت نحو ممارسة التهديد إلى بقائها خارج مجالها الوطني.

وتزامنا مع ذلك، عملت الإمارات على إحلال سلطة بديلة تتمثل بالمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يطالب بفك الارتباط بالشمال اليمني بعد تأسيسه الجمعية الوطنية، باعتبارها ممثل عن الإرادة الوطنية الجنوبية، وكذلك إنشاء ذراعين عسكرية وأمنية في المناطق الجنوبية تتمثلان بالأحزمة الأمنية والنخب العسكرية )الحضرمية والشبوانية( التي ستخضع لوزارة الدفاع المزمع إنشاؤها ، عند إعلان الجمعية الوطنية قرارات تقرير المصير وفك الارتباط خلال عام 2018 وفقا لتطورات الأحداث ومائلاهما محليا و إقليميا ودوليا

لقد أوجدت تلك السياسات ثلاث سلطات:

  • سلطة في المناطق الجنوبية في العاصمة المؤقتة عدن، يجري بناؤها تدريجيا.
  • سلطة واقعية في العاصمة صنعاء، ً يتقاسمها “نظريا”، حتى قبيل تصفية الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ثنائي الانقلاب )صالح – الحوثي(.
  • سلطة شرعية خارج الجغرافيا الوطنية، توجد في الدستور والمرجعيات المحلية )مخرجات الحوار الوطني(، والإقليمية )المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية(، والدولية )منظمة الأمم المتحدة و قرارات مجلس الأمن(. وتعد السلطة الأخيرة أضعف الأطراف.

إن إيجاد سلطات موازية اقتصاديا و استراتيجيا، هدفه إضعاف السلطة الشرعية تدريجيا، بما يحصر وظيفتها في نقل السلطة إلى هيئة سياسية توافقية ً بناء على تسوية برعاية دول الإقليم والأمم المتحدة.

ويتم ذلك بعد تغيير الواقع الجغرافي والفاعلين المناط بهم تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، بعبار ة أخرى؛ قطع ما تم التوافق عليه في ما يتعلق باليمن متعدد الأقاليم.

فقدان الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي كان عامل توازٍن “نظريا” بالنسبة إلى دول التحالف العربي التي كانت على تواصل معه وحاضن ً لعائلته، وتحديدا هنا دولة الإمارات، قد أدى إلى انفراد الجماعة الحوثية، الذراع الإيرانية في منطقة الخليج العربي، بالسلطة في العاصمة صنعاء وامتدادها المناطقي والعقائدي والقبلي.

وقد ورثت هذه الجماعة وما زالت تعمل على وراثة – ً نظرا إلى غياب البديل الوطني – كل القطاعات العسكرية والأمنية والاستخباراتية والقبلية الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، فضًال عن كل أسلحة الدولة، وهذا يتطلب العمل على تقويض سلطة الحوثيين الاتحادية، و أولى الخطوات الضرورية لذلك هي عودة السلطة الشرعية إلى مجالها الجغرافي الوطني وتعزيز مكانتها والحفاظ على السيادة الوطنية.

بيد أن الإجراءات التي تتخذها دول التحالف العربي مغايرة لذلك تماما، فعندما غادر رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي الرياض إلى إسطنبول للمشاركة في القمة الاستثنائية لمنظمة المؤتمر الإسلامي في 13 كانون الأول/ ديسمبر 2017 ،عاد إلى الرياض وليس إلى عدن.

أما ما يتعلق بالعمليات العسكرية، فما زال الجيش الوطني مرابط عند تخوم صنعاء )منطقة نهم(، وما زالت تعز ً محاصرة منذ قرابة ثلاث سنوات، والتي باستعادتها ستتغير المعادلة العسكرية والوطنية، باعتبارها – أي تعز – الحامل الجماهيري للدولة اليمنية الجمهورية متعددة الاقاليم.

ثانيا: استهداف التجمع اليمني للإصلاح

إثر تصفية الرئيس السابق علي عبد الله صالح، اجتمع محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، في 12 كانون الأول/ ديسمبر 2017 ،برئيس حزب التجمع اليمني للإصلاح محمد عبد الله علي اليدومي لبحث 4 مستجدات الساحة اليمنية.

وكان اللقاء هو الثاني خلال شهرين بعد لقائهما في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 . وقد رأى بعض المتابعين للشـأن اليمني حضور محمد بن زايد اللقاء الثاني تحولا فارقا في سياسة دولة الإمارات تجاه التجمع اليمني للإصلاح، فرضته تطورات المشهد اليمني؛ إذ كان التجمع اليمني للإصلاح هدفا منذ تصدره مشهد القوى الفاعلة في ثورة 11 شباط/ فبراير 2011 والحامل السياسي لمخرجات الحوار الوطني، ً وتحديدا منه الدولة اليمنية متعددة الأقاليم.

إلى أن المعطيات تشير إلى أنه لم يطرأ تحول على السياسات الإماراتية تجاه التجمع اليمني للإصلاح، بل هناك مسار ثابت منذ المراحل الممهدة لدخول صنعاء؛ إذ جرى التغاضي عن استهداف الحوثيين للتجمع اليمني للإصلاح بكل مكوناته السياسية والعسكرية والقبلية والتجارية والخيرية، بهدف تخفيض حضوره وهيمنته على الحقل السياسي، وهذا ما يفسر مباركة مجلس التعاون لدول الخليج العربية اتفاق “السلم والش اركة” الذي و ّ قع مساء سقوط صنعاء في 21 أيلول/ سبتمبر 2014 .

فقد اجتمع الفرقاء السياسيون في صنعاء بحضور رئيس ّ الجمهورية عبد ربه منصور هادي والمبعوث الدولي آنذاك جمال بن عمر ووقعوا الاتفاق.

أن ما حدث في صنعاء كان برضا لقد تم توقيع هذا الاتفاق، تحت الضغط، بهدف تعميم رسائل للداخل والخارج بالجميع، و أن اليمنيين تجاوزوا الأزمة باتفاق سياسي، و هو الأمر الذي مثل غطاء سياسيا للحوثيين أمام المجتمع الدولي لتقويض العملية السياسية المستندة إلى المبادرة الخليجية، بفرض سياسة الأمر الواقع.

ولا بد هنا من الإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية قد شعرت بالقلق والخطر في المرحلة السابقة من سقوط صنعاء، ً وتحديدا ساعة سقوط محافظة عمران، وبدأت تتخذ بعض الإجراءات الاحترازية ، إلا أن الأوان كان قد فات.

لقد أدرك التجمع اليمني للإصلاح آنذاك أنه هو المستهدف من الجماعة الحوثية، بموافقة السلطة الشرعية والدول الراعية للمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية. ً وبناء عليه، اتخذ قرار عدم المواجهة مع الجماعة الحوثية، للحفاظ على قدراته، وتجنيب العاصمة صنعاء معارك حروب عالية التكلفة . لكن هذا لا يعني أن التجمع اليمني للإصلاح لم يتعرض للاستنزاف من خلال استهداف القطاعات العسكرية وقياداتها الموالية والمنتمية إليه، و أهمها: اللواء 310 بقيادة العميد حميد القشيبي، والفرقة الأولى مدرع بقيادة اللواء علي محسن الأحمر. ذلك أن مصير الأول كان التصفية الجسدية، والثاني الهروب إلى المملكة العربية السعودية )حاليا نائب رئيس الجمهورية، ولم تكن الإمارات راضي تعيينه بدلا من خالد بحاح(، علاوة على استيلاء الحوثيين ونهبهم المؤسسات التابعة للتجمع اليمني للإصلاح والمحسوبة عليه، مثل: جامعة الإيمان، وجامعة العلوم والتكنولوجيا، إلى جمعياته الخيرية، ومنازل قياداته ومقاره في العاصمة.

وعودة إلى العلاقة بدول التحالف، فقد تعرض التجمع اليمني للإصلاح لعمليات تجزئة لمكوناته المدنية والسياسية قبلي من خلال الانفتاح من خلال استنزافها وحصارها في قاعدتها الرئيسة في مدينة تعز، واستقطاع مكوناتها والتواصل معه وتمويله لإيجاد تبعية جبرية لدولة الإمارات والمملكة العربية السعودية؛ ويعزى ذلك إلى غياب البديل الوطني في ظل استهداف السلطة الشرعية، ّ ًقا. و قد تم استنزاف المكون العسكري من كما بينا ذلك ساب ً خلال عمليات عسكرية طويلة، يتم إ مدادها بالدعم الذي يبقيها قادرة على البقاء من دون تحقيق الانتصار.

و بناء عليه، فإن اللقاء الأخير بين قيادة التجمع اليمني للإصلاح و قيادة السعودية و قيادة الإمارات يعد تحولا في العلاقة وتحويل الحزب إلى حليف، بل هدفه استنزاف الحزب وتقويضه من خلال تحويله إلى ميليشيات تواجه الميليشيات الحوثية في حرب استنزاف تهلك الطرفين. كان من الممكن أن يكون ذلك اللقاء تحولا في التحالفات والسياسات، إذا تم بين كل المكونات الحزبية الوطنية، و بوجود السلطة الشرعية وقيادتها العسكرية و بإشرافهما، و التي أوكلت إليهما مهمة استعادة الجغرافيا الوطنية، وهو أمر تدركه قيادة التجمع اليمني للإصلاح، و ّ من ثم فإنها تتحرك بحذر شديد.

ثالثا: الحفاظ على المؤتمر الشعبي العام و رعاية عائلة صالح لدول الجوار التي ّ إن التغيير المجتمعي، الهادف إلى الاتساق في مسار الانتقال الديمقراطي في اليمن، ظلت ترقب المشهد اليمني عن كثب، منذ أول خيمة في ساحة التغيير والحرية في مدينة تعز في 11 شباط/ فبراير 2011 .ولم تطمئن هذه الدول، حتى أدت تلك الاحتجاجات الشبابية والجماهيرية، قبل اكتمالها في ثور ة شاملة تقطع الحكم الدكتاتوري العائلي، إلى توقيع المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية في 23 تشرين ّ الثاني/ نوفمبر 2011 ،و التي جددت شرعية ً الرئيس “المخلوع” صالح ومنحته نصف السلطة قانونيا، وجلها واقعي ألنه يسيطر عليها فعًال. وقد ظل صالح محل رعاية دول الجوار، والحًقا دول التحالف التي ظلت على تواصل معه حتى قبيل تصفيته، باعتباره ً وفقا لقراءتها اللاعب الرئيس والماسك بخيوط اللعبة، والقادر على الانقضاض على الحوثيين و إزالة الخطر المحدق بالمملكة العربية السعودية.

ولم تكن تلك الدول تدرك أنه إن ستدعى فشل المشروع الوطني ت المشاريع ما قبل الوطنية؛ وذلك ما ساعد الجماعة الحوثية على صهر القطاعات العسكرية والأمنية ً والاستخباراتية وقياداتها وكبار موظفي الدولة العليا عقائديا ومصلحيا في مجالها تدريجيا. وسعت خلال قرابة ثلاث سنوات لتكوين كياٍن مواز في مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية والأكاديمية … إلخ، والاستيلاء على المال العام لشراء الأراضي والعقارات في العاصمة صنعاء، وكذلك إنشاء الشركات العابرة للوطن بهدف إيجاد موارد دائمة للجماعة. ّ 

ونظرا إلى انعدام خبرتهم في إدارة شؤون الدولة والمجتمع وجبروتهم، ً فسيتولد إحباط جماهيري عام ناتج من الانفلات الأمني وتدهور الأحوال المعيشية وغياب مظاهر الدولة، باحثا عن منقذ؛ ّ ومن ثم سيأتي المخّلص في شخص الرئيس السابق علي عبد الله صالح أو نجله أحمد، وما زال ً المخطط قائما لعودة نجله أحمد.

وفي هذا السياق، يمكن تفسير تحرك محمد بن سلمان ومحمد بن زايد في مستويين: لقاء قيادة التجمع اليمني للإصلاح ودعوتهم إلى التحالف مع المؤتمر الشعبي العام جناح صالح، لمواجهة الحوثيين والتنسيق مع السلطة الشرعية ودفعها، ً وتحديدا المؤتمر الشعبي العام جناح هادي، إلى الترحيب بقيادة المؤتمر الشعبي العام جناح صالح وقواعده. ّ وهنا نذكر بسلسلة تغريدات لرئيس الوزراء أحمد ً عبيد بن دغر قال فيها: “أحمد علي عبد الله صالح منا ونحن منه”، مشددا على أن حزب المؤتمر الشعبي العام ّ يقترب من موقف واحد مشترك ويتعين عدم السماح بأي انشقاقات داخله .

و على الرغم من المنطق العقلاني لتوحيد المؤتمر الشعبي العام جناحي صالح وهادي، على أنه ضرورة لمواجهة الجماعة الحوثية، فإن المحافظة على جناح صالح ورعايته تندرجان في استراتيجية الثورة المضادة. ومن خلال عمليات الاندماج، سيتم إعادة تسويق قيادة المؤتمر جناح صالح وعائلته وتثبيتهما في الحقل السياسي اليمني بقوة التسوية أو الحسم العسكري.  

رابعا: تقويض الكيانات الحزبية والمدنية والسلطة التشريعية لقد ساعدت السلطة الشرعية والأحزاب السياسية المؤيدة لها على إضعاف الفاعل الحزبي في صناعة القرار وتغييبه، أو التأثير في مجال التواصل مع الخارج وتعبئة الداخل واستغلال السلطة الشرعية مجال المناورة بما يحقق الصالح العام، وذلك عبر تعيين قادة الأحزاب مستشارين لدى رئيس الجمهورية ألجل إيصال رسالة إلى الداخل والخارج بوحدة السلطة الشرعية والأحزاب ضد تحالف الانقلاب. إلا أن ذلك القرار أدى إلى تقويض وظيفة الأحزاب السياسية في صناعة القرار وتعزيز المسار الديمقراطي، وتلاقى ذلك مع توجه دول التحالف العربي إلى تغييب الأحزاب السياسية، إذ لم تعمل على تفعيلها ما عدا المؤتمر الشعبي العام، ً باعتباره حزبا يتألف من قبلية والتجارية بهدف استمراره في إطار الثورة المضادة، مجموعة من المكونات السياسية والعسكرية والأمنية وال والتجمع اليمني للإصلاح، ً باعتباره حزبا يتألف من مجموعة من المكونات السياسية والعسكرية والقبلية والتجارية كونه ً رقما ً ال يمكن تجاوزه في حقل الص ارع عسكريا و مقاومة شعبية. ش أما ما يتعلق بمؤسسات المجتمع المدني، فقد اختفت، حتى الان منها، بفعل غياب التمويل والدعم في المناطق المحررة، وترهيب ما يوجد منها في مناطق هيمنة الانقلابين. وتتأكد وجهة نظرنا بخصوص تغييب دور مؤسسات المجتمع المدني بعدم إ عمالها في الجغرافيا الوطنية المستعادة أو تلك التي تنتشر قيادتها في عواصم العالم. و في المقابل، و ّظف الانقلابيون المؤسسات المدنية المؤيدة لها على أنها ذراع ناعمة تضلل الرأي ً العام من خلال تقارير غير محايدة؛ ما أوجد مناخا ضاغطا خلقيا وإنسانيًا وسياسيا على دول التحالف، وحجب انتهاكات الانقلابيين وذلك بتغييب الطرف المتسبب في كل ما يحدث، فضًال عن جعل انتهاكات )الحوثي – صالح( ثانوية، إن لم نقل ضحايا.

وأخيرا، أشعر الاتحاد الدولي للبرلمانيين السلطة التشريعية بتعليق عضويتها فيه، إن لم تعقد جلسة واحدة على الأقل، وسيمنح العضوية للبرلمان المنعقد في صنعاء. ً وبناء على ما تقدم، نلاحظ أن دول التحالف لم تضعف السلطة الشرعية بمكوناتها الثالثة: التنفيذية و التشريعية والقضائية فحسب، بل قوضت الفاعل الحزبي والمدني؛ بما يمكنها من الهيمنة وتقرير المصير اليمني من خلال قرار الحرب أو السلم، فضًال عن الاستيلاء على الثروات والجزر والسيطرة على الموانئ والمطارات من خلال القطاعات العسكرية والأمنية الموالية لها من دون وجود معارضة. خاتمة ً بناء على ما تقدم، يمكن القول إن السياسة التي تتبعها ً دول التحالف في اليمن لم تتحول جزئيا أو كليا بعد تصفية الرئيس السابق علي عبد هللا صالح، على الرغم من الخطر الأكيد الرابض في خاصرة المملكة العربية السعودية؛ إذ ما زال مشروع تقسيم الجغرافيا اليمنية إلى ثنائية وطنية )شمال – جنوب( ً ّ مستمرا. عدوي اجتماع الجمعية ّ المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات 9 الوطنية، ولقاء التجمع اليمني للإصلاح ودعوته إلى التحالف مع المؤتمر الشعبي العام لمواجهة الخصم المشترك، “الجماعة الحوثية”، ً هدفا ً ثنائيا.

الجزء الأول منه ب ً تنقية المؤتمر الشعبي العام وقيادته وطنيا إعادة تسويقه على أنه طرف رئيس في الحقل السياسي، ومن خلال ذلك يعود نجل الرئيس السابق إلى مصادر القرار.

في حين يتمثل الجزء الثاني من هذا الهدف بتحويل التجمع اليمني للإصلاح إلى ميليشيات تخوض حرب استنزاف طويلة ومفتوحة مع ميليشيات الحوثي حتى يقوض أحدهما الآخر، أو يضع فان معا. وهذا ما تدركه قيادة التجمع اليمني بدي من الدولة. ًال للإصلاح وتتعامل مع تلك الأطروحات بجدية وحذر، وتصرح أنها لن تكون إذا صنفنا أطراف النزاع الثالثة: المؤتمر الشعبي العام و التجمع اليمني للإصلاح وجماعة أنصار الله )الحوثيين(، ً حسب جغرافيا النشأة، فسنجدها جماعات وكيانات شمالية؛ ما يجعل الصراع في الجغرافيا الشمالية، عمليا، تحت ً هويات متعددة، مثل: ملكي وجمهوري، سني وشيعي، انقلاب و شرعية … إلخ.  وتزامنا مع ذلك، من المتوقع إعلان فك ارتباط المناطق الجنوبية؛ ما يؤدي إلى هوية أخرى للصراع هي وحدويون وانفصاليون، ً بناء على تحالفات جديدة. بعبار ة أخرى، يوجد سيناريوهان محتملان، أولهما هو دخول اليمن في مسار الصوملة، وثانيهما هو تماثله مع النموذج العراقي والليبي مع بعض الاختلاف.

يتمثل الأول في المناطق الشمالية بإحدى هويات الصراع: سنة و شيعة، جمهوري و إمامي، شرعية و انقلاب. في حين يتمثل الثاني، إذا فك الارتباط أو استمر الوضع الحالي، بإنتاج ثالث سلطات: المجلس الانتقالي ولديه مجلس تشريعي “الجمعية الوطنية”، والسلطة الواقعية في صنعاء ولها جزء من أعضاء البرلمان، والسلطة الشرعية ولها سلطة تشريعية. ولكل من هذه السلطات قطاعاتها العسكرية والأمنية والأسلحة والدعم الإقليمي والدولي المغذي لاستمرار الصراع.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
Accept