عدن نيوز – متابعات
قال تقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية إن مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح من شأنه أن يفاقم مخاطر الحرب في اليمن.
وحسب التقرير الذي أعدته الباحثة في المجموعة “أبريل لونجلي آلي” فإنه من المرجح أن يؤدي الإنهيار الدراماتيكي لتحالف الحوثي – صالح إلى إطالة أمد الحرب في اليمن ومعاناة شعبه.
وأشار التقرير إلى أنه وبعد مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، بات الحوثيون، الذين تعتبرهم الرياض وكلاء لإيران يحكمون السيطرة على العاصمة. وأضاف التقرير في مقدمته المقتضبة “ويبدو أن لا الحوثيين ولا السعوديين يميلون الآن نحو تقديم التنازلات اللازمة للتسوية.
نص التقرير:
من شأن مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح أن يفاقم من مخاطر الحرب في اليمن. ومن المرجح أن يؤدي الانهيار الدراماتيكي لتحالف الحوثي – صالح إلى إطالة أمد الحرب في اليمن ومعاناة شعبه. بعد مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح، بات الحوثيون، الذين تعتبرهم الرياض وكلاء لإيران، يحكمون السيطرة على العاصمة. ويبدو أن لا الحوثيين ولا السعوديين يميلون الآن نحو تقديم التنازلات اللازمة للتسوية.
ما الذي حدث بالتحديد وما الذي أفضى إلى هذا التطور المفاجئ في الحرب اليمنية المدمرة؟
في الرابع من كانون الأول/ديسمبر، أقدم المقاتلون الحوثيون على قتل الرئيس اليمني السابق الذي كان حليفهم، علي عبد الله صالح. شكّل موته العنيف والهزيمة العسكرية التي لحقت بالموالين له في صنعاء تتويجاً لشهور من التوترات المتنامية بين حزب المؤتمر الشعبي العام بزعامة صالح من جهة والحوثيين من جهة أخرى. قبل اندلاع المواجهات، كان تحالف الحوثي – صالح يقاتل ضد التحالف الذي تقوده السعودية، الذي يدعم الحكومة المعترف بها دولياً برئاسة عبد ربه منصور هادي إلى أن أوصلوا هذا التحالف إلى طريق مسدود. بعد نحو ثلاث سنوات من الحرب، التي شملت هجمات جوية عقابية وفرض سياسة تهدف إلى خنقهم اقتصادياً، فإن الحوثيين استمروا رغم ذلك بالسيطرة على الشمال، حيث يعيش معظم سكان اليمن. تحقق ذلك بكلفة إنسانية مرتفعة؛ حيث يعاني اليمن من أسوأ كارثة إنسانية في العالم مع وجود سبعة ملايين شخص على حافة المجاعة، ونزوح ثلاثة ملايين يمني وما يتوقع من وصول حالات الإصابة بالكوليرا إلى نحو مليون حالة بحلول نهاية العام.
للحوثيين وصالح تاريخ طويل من العنف وانعدام الثقة، حيث خاض الطرفان ست جولات من الصراع بين عامي 2004 و2009. وكشريكين ضد التحالف الذي تقوده السعودية، تصارعا على المناصب الحكومية، واتهما بعضهما بعضاً بالفساد وانخرطا في حرب كلامية تخبو وتستعر في وسائل الإعلام. بمرور الوقت، عزز الحوثيون سيطرتهم على الأجهزة العسكرية – الأمنية، لكن توازن القوى في القبائل والولاءات في بعض الوحدات العسكرية لم يكن واضحاً. بحلول آب/أغسطس 2017، عندما أقام صالح تجمعاً في صنعاء احتفالاً بالذكرى الخامسة والثلاثين لتأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام، شك الحوثيون بأنه يعتزم الانقلاب عليهم بمساعدة السعودية والإمارات العربية المتحدة. خيب صالح آمال أتباعه ولم يتحرك، لكنه فعل ذلك بعد أربعة أشهر، واتخذ قراراً سيكلفه حياته ويؤكد التفوق العسكري للحوثيين.
كان السبب المباشر لأحداث العنف صداماً وقع في 29 تشرين الثاني/نوفمبر بين مقاتلي صالح وأنصار للحوثيين للسيطرة على مسجد صالح، الذي يشكل علامة بارزة في العاصمة والذي كان صالح قد بناه وافتتحه قبل عقد من الزمن. فشلت الوساطات المحلية في تهدئة التوترات، وفي 2 كانون الأول/ديسمبر أشعل صالح فتيل الصراع بدعوة أتباعه لحمل السلاح ضد الحوثيين. كما أعلن عن استعداده “لفتح صفحة جديدة” مع التحالف الذي تقوده السعودية، وهو بيان أكد خيانته للحوثيين وكان له وقع سيء على جزء من قاعدته الشعبية يعارض الحوثيين لكنه يعارض الأعمال العسكرية السعودية أكثر.
لبرهة، بدا أن بوسع صالح الانتصار. ذكرت وسائل إعلام حزب المؤتمر الشعبي العام والتحالف الذي تقوده السعودية حدوث انتصارات في صنعاء، وقالت إن قوات الحرس الجمهوري بقيادة صالح كانت قد استولت على المطار، وعلى قواعد عسكرية استراتيجية ومبانٍ حكومية. غير أن فرحتهم لم تعمر طويلاً؛ ففي الثالث من كانون الأول/ديسمبر، رد الحوثيون عسكرياً وفي الرابع من الشهر أدت معركة دموية قصيرة دارت في شوارع العاصمة إلى قلب الطاولة على قوات صالح. العامل الحاسم هو أن القبائل المحيطة بصنعاء لم تتحرك للدفاع عن صالح. بقي معظمها حيادياً، ما سمح لتعزيزات الحوثيين بدخول المدينة. في حين أن صالح وحزبه كانا يتمتعان بدعم شعبي وتعاطف كبيرين، فإن هذا لم يترجم إلى قوة صلبة له.
كيف كان رد فعل اللاعبين المحليين على مقتله؟
كان رد الفعل الطاغي هو الشعور بالصدمة. لقد كان صالح جزءاً من البنية الحاكمة لليمن منذ أصبح رئيساً في العام 1978. عرفت عنه حنكته السياسية التي مكنته دائماً من البقاء وجعلت البعض يحبه والبعض يكرهه. كثيرون كانوا يطالبونه بالخروج من الحياة السياسية منذ الانتفاضة السياسية ضده في العام 2011، إلا أن موته العنيف وغياب أي قيادة واضحة لحزبه سيسهم على الأرجح في تعقيد الصراع.
بالنسبة لحزب المؤتمر الشعبي العام، فإن مقتل صالح والهزيمة العسكرية التي لحقت بقواته في صنعاء يشكلان ضربتين سياسيتين وعسكريتين مدمرتين. ابن صالح والقائد السابق للحرس الجمهوري، أحمد علي عبد الله صالح، يعيش في المنفى. وابن شقيقه والقائد السابق للقوات الخاصة، طارق صالح، قتل أيضاً في صنعاء. وكان الحزب قد عانى أصلاً من سلسلة من الانشقاقات خلال الانتفاضة الشعبية ضد حكمه في العام 2011، ومن الممكن أن تتزايد الانقسامات داخل الحزب. خلال الحرب الحالية، كان بعض الأعضاء البارزين في الحزب يدعمون حكومة هادي، رغم أن معظمهم ظلوا مع صالح. لكن مع رحيل صالح، فإن بعضهم قد ينضم إلى جانب هادي، بينما سيدعم كثيرون في صنعاء الحوثيين، بشكل أساسي بدافع مزيج من الخوف، وغياب الخيارات الأفضل والعداء المشترك للحملة الجوية السعودية على اليمن.
بالنسبة للحوثيين، فإن موته يعد انتصاراً. كثيرون في الجماعة كانوا منذ مدة طويلة يريدون الانتقام لمقتل زعيمهم، حسين بدر الدين الحوثي، على أيدي قوات صالح في العام 2004. كما أن العامل الذي لا يقل أهمية هو أنهم يرون في قتله رداً مبرراً على تحوّل صالح ضدهم.
هل سيحدث هذا تغييراً في الميزان المحلي للقوى في اليمن؟
في الوقت الراهن، الحوثيون هم المنتصرون؛ ومن الممكن أن يستمروا بتعزيز سيطرتهم العسكرية والسياسية على الشمال. لقد هزموا منافسهم الحقيقي الوحيد على الأرض وبذلك يكونون قد بعثوا الخوف في أولئك الذين قد يرغبون بمعارضتهم في المستقبل. لكنهم يواجهون مخاطر كبيرة أيضاً؛ إذ إن قتل صالح وبعض أفراد أسرته وبعض الأعضاء البارزين في حزبه، إضافة إلى استمرار الغارات الحوثية على منازل المسؤولين الذين يشك بأنهم حملوا السلاح ضدهم واعتقال هؤلاء المسؤولين يغذي حلقات مستقبلية من الانتقام.
يعي الحوثيون المخاطر السياسية لتهميش حزب المؤتمر الشعبي العام أكثر ويقولون علناً إنهم يميزون بين أنصار صالح الذين حملوا السلاح ضدهم وباقي أفراد الحزب، الذين لم يحملوهم المسؤولية عن الأحداث الأخيرة وأنهم لا زالوا يعتبرونهم أخوة، كما يقولون. إلا إن الأقوال لا يمكن أن تلغي الأفعال؛ فغالبية أعضاء المؤتمر الشعبي العام خائفون ومستاؤون بعمق، وهو ما يؤدي إلى نشوء حالة قد يترتب على الحوثيين فيها الاعتماد على القوة والترهيب للمحافظة على استمرار سيطرتهم.
لا يزال هناك فرصة في تغير الميزان العسكري في الشمال، ولو بشكل طفيف. يعلق البعض آمالهم على ابن صالح، أحمد، الذي تعهد بالانتقام لمقتل والده. أبقته الإمارات العربية المتحدة تحت إقامة جبرية “ناعمة” في أبو ظبي خلال الحرب لإبقائه متاحاً كوسيلة دعم أو كورقة يمكن استغلالها في لحظة كهذه. في حين أنه يتمتع بالنفوذ في الحرس الجمهوري القديم، فإن الأحداث الأخيرة أظهرت ضعف وتشتت هذه القوات. إن مواجهة الحوثيين عسكرياً ستتطلب شيئاً من إعادة هيكلة هذه القوات، والحصول على الدعم من القبائل المحيطة بصنعاء والتعاون بين أحمد علي وعدوه اللدود، علي محسن الأحمر، نائب الرئيس هادي، الذي يقود قوات في مأرب.
حتى الآن، ورغم الضجيج الذي يصدره هادي بدعوته لهذه القوات للزحف على صنعاء أو بدعوته لليمنيين للانتفاض ضد الحوثيين، ما من مؤشر يذكر على أن هذه القوات مستعدة للقيام بمثل هذا العمل. بدلاً من ذلك، فإن التحالف كثف حملته الجوية على صنعاء، وهو أمر لن يخرج الحوثيين بل يصب في مصلحتهم بتعميق المشاعر المعادية للسعوديين.
كيف يؤثر تشظي تحالف الحوثي – صالح على اللاعبين الإقليميين المنخرطين في الحرب وعلى احتمالات تحقيق السلام؟
من الصعب رؤية كيف يمكن لهذه النتائج أن تكون لصالح السعودية والإمارات العربية المتحدة. لقد أحدثت سياستهم المتمثلة في محاولة شق تحالف الحوثي – صالح أثراً عكسياً دراماتيكياً، وأدى إلى انتصار عسكري للحوثيين. كما حذرت مجموعة الأزمات في إحاطة لها في أيلول/سبتمبر 2017، فإن من غير المرجح لمواجهة بين الطرفين أن تفضي إلى نتيجة في صالح السعودية. الاحتمال الأكثر رجحاناً هو أنها ستؤدي إلى انتصار الحوثيين وإطالة أمد الحرب في الشمال.
لو أرادت السعودية دعم التوصل إلى نهاية تفاوضية للحرب، فإن احتمالات حدوث ذلك الآن باتت أكثر قتامة. لقد قال الحوثيون إنهم مستعدون للتفاوض، لكن لا شك في أن مطالبهم الجوهرية ستكون أكثر ابتعاداً عما يمكن للسعودية وحلفائها اليمنيين قبوله. من الصعب توقع أن تقوم السعودية بتشجيع التوصل إلى تسوية وإلى مفاوضات في هذه المرحلة التي يمسك الحوثيون فيها بزمام الأمور.
قد تحاول السعودية والإمارات العربية المتحدة العثور على جانب إيجابي في الأحداث الأخيرة. من وجهة نظرهم، فدون الغطاء الذي شكله حزب المؤتمر الشعبي العام والصبغة الوطنية التي منحها لهم، فإن الحوثيين سينكشفون بوصفهم المشروع الطائفي الإيراني الضيق الذي يتهمونهم بتمثيله. هم محقون، إلى حد ما، في أن المؤتمر الشعبي العام وفر غطاءً سياسياً مهماً ومنحهم ظاهرياً صفة التمثيل السياسي الشامل. غير أن تراجع الدعم السياسي للحوثيين لن يشعل بالضرورة الانتفاضة الشعبية التي يأمل التحالف بانطلاقها.
في الواقع، وفي غياب تفوق عسكري واضح للجانب المعادي للحوثيين أو بانتهاء الحرب والعودة إلى السياسة، فإنه من غير المرجح أن يتحرك سكان الشمال الآن لمعارضة الحوثيين خشية مواجهة نفس المصير الذي واجهه صالح. بمرور الوقت، قد تظهر معارضة للحوثيين، خصوصاً إذا أخفقوا في الحكم، لكن هذا لا يضمن قيام ثورة ضدهم. كما أن الانفصال عن حزب المؤتمر الشعبي العام الذي كان يقوده صالح لا يلغي الاستياء الشعبي العميق من حكومة هادي ومن التحالف بسبب الحملة الجوية الوحشية والحصار الاقتصادي اللذين يؤديان إلى دمار البلاد. طالما استمرت هذه السياسات، سيتمتع الحوثيون بالفرصة للوقوف خلف راية الوطنية والدفاع عن اليمن.
مرة أخرى، ستكون إيران هي الطرف الرابح. في حين أن الاقتتال بين الحوثيين وصالح كان صراعاً داخلياً على السلطة وليس من صنع إيران، فإن طهران ستستفيد إذا نجح الحوثيون في تعزيز سيطرتهم على الشمال، بما في ذلك العاصمة. رغم عزلتهم السياسية، فإن الحوثيين حلفاء إيران وليسوا دمى لها. ثمة أدلة متزايدة على الدعم العسكري الإيراني للحوثيين، بما في ذلك دعمها لبرنامجهم الصاروخي؛ فهجومهم الصاروخي في 4 تشرين الثاني/نوفمبر، على مطار الرياض الدولي يظهر أهمية هذه القدرات. كما هدد الحوثيون الإمارات العربية المتحدة أيضاً، وزعموا أنهم أطلقوا صواريخ باتجاهها. إن استثمار إيران المنخفض الكلفة نسبياً يعود عليها بفوائد هائلة، حيث تغرق السعودية في حرب مكلفة لا يمكن الانتصار فيها وتلحق ضرراً كبيراً بسمعتها.
ما الذي يمكن فعله للدفع قدماً بقضية السلام في اليمن الآن؟
إن احتمالات تحقيق السلام الآن ضئيلة إن لم تكن منعدمة. رغم ذلك، فإن الحاجة لإيجاد حل سياسي هي أكثر إلحاحاً الآن من أي وقت مضى. يمثل اليمن أصلاً أسوأ كارثة إنسانية في العالم، لكن بعد الهجوم الصاروخي على الرياض في 4 تشرين الثاني/نوفمبر، تدهور الوضع بشكل دراماتيكي حيث أغلق التحالف الذي تقوده السعودية جميع نقاط الوصول إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. لكن بعد أن بدأوا بتخفيف الحصار تدريجياً، اندلع القتال في صنعاء بين صالح والحوثيين، فأدى هذا مرة أخرى إلى تقليص عدد الرحلات الجوية الإنسانية إلى البلاد.
بصرف النظر عن مسار الحرب، فإن جميع نقاط الدخول إلى البلاد ينبغي فتحها أمام المواد الإنسانية والسلع التجارية، بما في ذلك ميناء الحديدة ومطار صنعاء، الذي أغلق في وجه الرحلات الجوية التجارية منذ آب/أغسطس 2016. كانت السعودية قد أعلنت أصلاً أن ذلك سيتطلب عمليات تدقيق أمنية إضافية، لكنها ستصبح أكثر إصراراً الآن على معالجة مخاوف التحالف فيما يتعلق بشحنات الأسلحة للحوثيين. على المستوى السياسي، ينبغي أن تؤكد التطورات الأخيرة أن المقاربة العسكرية الراهنة حيال الحوثيين قد فشلت وأن ثمة حاجة لطريقة جديدة في التفكير. إن محاولة قلب الديناميكيات العسكرية ضدهم ستتطلب عدداً كبيراً من القوات البرية وتماسكاً في الجبهة المعادية للحوثيين كانت غائبة حتى الآن. الأكثر أهمية من ذلك، فإن هذه المحاولة ستكون ذات كلفة إنسانية استثنائية.
إن الحرب في اليمن تمضي من سيء إلى أسوأ. بدلاً من مراقبة تكشّف الفصل التالي، على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يصدر قراراً يدعو فيه جميع الأطراف إلى الموافقة على وقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات سياسية. سيتطلب هذا تنازلات من جميع الأطراف. وفي حين أن هذا قد لا يكون مغرياً للتحالف والكتلة المعادية للحوثيين، يمكن القول إن العودة إلى السياسة، وليس استمرار الحرب، تمثل أفضل طريقة لإعادة التوازن مع الحوثيين. ومن المؤكد أنها الطريقة الوحيدة لتجنب المجاعة، وانتشار الكوليرا والمزيد من الدمار الاقتصادي – وانعدام الاستقرار بعيد المدى نتيجة لذلك.