أمام الزحف السريع لقوات طالبان في مختلف الولايات الأفغانية، ووقوفها على مشارف العاصمة كابل، تثار أسئلة ملحة عن أسباب الانهيار السريع للجيش الأفغاني، ودوافع هروب عشرات الآلاف من الجنود خارج البلاد، أو إعلان الاستسلام من دون قتال، ما سهل من مهمة حركة طالبان.
وليس من باب المبالغة القول إن الجيش الأفغاني من أكبر الاستثمارات الأميركية في الخارجية، بعد أن أنفقت عليه ما يقارب 100 مليار دولار منذ سنة 2002؛ رقم يجعل أي جيش مؤهلا لمواجهة المعارك الكبرى، فما الذي حدث مع هذه القوات حتى انهارت بسرعة فاجأت حتى الأميركيين أنفسهم؟
كيف أُسّس الجيش الأفغاني؟
تكشف أرقام وزارة الدفاع الأميركية أن واشنطن أنفقت ما مجموعه 88 مليار دولار منذ سنة 2002، وحسب عدد من التقارير العسكرية التي سرّبت الصحافة الأميركية بعض مضامينها، فهذا الجيش يعاني فسادا متجذرا، فضلا عن كونه “ضحية” لتقييم مفرط في التفاؤل من قبل المسؤولين الأميركيين الذين أخفوا في بعض الأحيان أدلة تظهر الفساد المتجذر في هذا الجيش، حسب صحيفة “بوليتيكو” (POLITICO).
وقفز عدد الجنود الأفغان من 6 آلاف قبل الغزو الأميركي، وعدم وجود قوات الشرطة سنة 2003 إلى 182 ألف جندي و118 ألف رجل شرطة خلال العام الماضي، ما يعني أن 300 ألف جندي وعنصر شرطة منتشرون اليوم في مختلف الولايات، في بلد تعداد سكانه 40 مليون نسمة.
ولكن هذه الأعداد تصطدم بحقيقة تتكشف تدريجيا، وهي ظاهرة “الجنود الأشباح” التي طالما حذرت منها تقارير مؤسسات رقابية أميركية، إذ يتم تسجيل جنود ورجال شرطة وهميين من أجل الحصول على أجورهم، كما تكشف هذه التقارير أن هناك شكا حقيقيا يحوم حول البيانات العسكرية التي تقدّم عن القوة الفعلية للجيش الأفغاني وقدرته على القتال.
لماذا أخفق الجيش وانهار بهذه السرعة؟
يرى الخبير العسكري والإستراتيجي فايز الدويري في حديثه للجزيرة نت أن أكبر خطأ ارتكبه الأميركيون هو أنهم ركزوا خلال تدريبهم للجيش الأفغاني على التعامل مع صدّ العدوان الخارجي، والحروب مع دول أخرى بأساليب تقليدية ومعروفة لدى الجميع، لكن “لم يتم تدريب القوات الأفغانية على التعامل مع التمردات الداخلية والتعامل مع حروب العصابات”.
أما الخطأ الثاني -حسب الخبير نفسه- فهو الاعتماد دائما على الغطاء الجوي الأميركي في كل التحركات، فضلا عن الاعتماد التام على المعلومات الاستخباراتية الأميركية والتوجيهات الأميركية قبل أي تحرك، “ما يجعل هذا الجيش غير قادر على اتخاذ أي قرار ولا تتوفر لديه الوسائل الضرورية لفهم المعركة، فما بالك بتسييرها؟”.
وثالثا، فقد اعتمد القادة العسكريون الأفغان على توصيات القائد العسكري آدم مايك مولر، التي تقضي بالاهتمام بتحصين المدن الكبرى وإهمال القرى، ومنها انطلقت حركة طالبان وشلّت طرق الإمداد، فأدى ذلك إلى عزل الجنود داخل هذه المدن ومن ثم استسلامهم.
لماذا يفرّ الجنود الأفغان؟
لا يعبّر العقيد أحمد محمود، في حديثه للجزيرة نت، عن استغرابه من هرب الجنود الأفغان إلى دول الجوار أو استسلامهم بسرعة، ذلك أنهم غير مؤهلين للقتال وحدهم، فقد كانوا “دائما تحت الوصاية الأميركية، والسرعة التي انسحبت بها أميركا جعلتهم من دون غطاء وفي حالة صدمة”.
أما الخبير العسكري فايز الدويري فيرى أن الجندي عندما يجد نفسه وحيدا، ويجد أن القادة الكبار ينسحبون فلماذا يبقى في أرض المعركة؟ فأخطر ما يمكن أن يحدث للجندي هو أن يتخلى عنه قائده، ولهذا تكونت لدى الجنود الأفغان قناعة أن المآل النهائي هو سيطرة طالبان على كل البلاد، وليس هناك أي جدوى من قتالهم.
ما العقيدة القتالية للجيش الأفغاني؟
يؤكد الخبير العسكري والإستراتيجي فايز الدويري أن أي جيش يشكل عقيدته القتالية على أسس وطنية قومية ودينية، في حين إن الجيش الأفغاني لم ينجح طوال هذه السنوات في تكوين سردية تجعل الجنود يقاتلون من أجلها، فالجندي يقاتل ويموت عندما يؤمن بالقضية كيفما كانت.
ويشير المتحدث ذاته إلى مسألة مهمة في أي جيش، هي إرادة القتال، وهي مسألة لا تتعلق بموازين القوى بقدر ما تتعلق برغبة الجندي في القتال إلى آخر رمق، وهو ما لا يتوفر لدى الجندي الأفغاني الذي يجد نفسه بين تخلي الأميركيين عنه، وبين قوات طالبان، التي تتكون في النهاية من أبناء بلده.
أما العقيد أحمد محمود، فيرى أن الجيش الأفغاني أخفق في تأسيس عقيدة مستمدة من ناموس المجتمع، حينئذ سيقاتل الجندي وهو مؤمن أنه يحمي وطنه وأبناء وطنه، أما ما حدث فهو تأسيس جيش بعقيدة اتكالية، ولا قدرة له على اتخاذ أي قرار منفرد.
ما الرسالة الدعائية التي اعتمدتها طالبان؟
يحلل العقيد أحمد محمود السلوك العسكري لحركة طالبان، معتبرا أنها نجحت في إيصال رسالة دعائية إلى أفراد الجيش الأفغاني، بكون قواتها هي قوات مؤهلة للقتال، ولها عقيدة قتالية مؤمنة بها، وتتعامل بمنطق ثوري لتغيير النظام القائم، مقابل الجنود الذين يقاتلون للحفاظ على هذا النظام.
أما المحلل العسكري فايز الدويري، فيرى أن حركة طالبان تعاملت بذكاء مع المعركة، فهي كلما اقتربت من ولاية تبدأ الاتصالات مع قادتها وزعماء العشائر هناك، وتمنحهم الأمان والوعد بعدم المساس بوضعهم.