يواجه اليمن، واحدة من أسوأ أزماته الناجمة عن الحرب، تتمثل بالتراجع الحاد في العملة المحلية (الريال)، ما تسبب بتفاقم أكبر للوضع الإنساني المتدهور في البلاد، وسط عجز حكومي ملحوظ.
وبات تراجع العملة، أحد أبرز القضايا التي حرص اليمنيون على الاهتمام بها وشغلت تفكيرهم بمتابعة جديدها، وسط حالة سخط شعبي من الانهيار الحاصل للعملة.
وبينما كان يتم صرف الدولار الواحد مطلع 2015، بنحو 215 ريالا فقط، واصلت العملة المحلية تراجعها القياسي، وصل الدولار الى نحو 1060 ريالا قبل ان يتراجع الى ما دون الـ 1000 ريال في المناطق الواقعة تحت سلطة الحكومة.
**إجراءات بلا نتيجة
منذ أسابيع، تظهر الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، اهتماما أكبر بقضية تراجع العملة، حيث اتخذت عديدا من الإجراءات التي لم تؤت أكلها، فالريال مستمر بالتدهور، والأسعار تتواصل في التصاعد، فيما اليمنيون يتحملون ثمن ذلك.
ومن بين تلك الإجراءات، إغلاق عدد كبير من محلات الصرافة غير المرخصة المتهمة بالمضاربة بالعملة، بينها 150 محلا أغلقت في مدينة تعز (جنوب) لوحدها.
كذلك، أصدر البنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن، لائحة جديدة لتنظيم عملية الصرافة، ضمن الإجراءات الرامية لوقف انهيار العملة.
تزامنت الإجراءات، مع مناشدات حكومية متكررة للمجتمع الدولي، تقديم دعم عاجل لوقف انهيار العملة.
آخر المناشدات، الإثنين، على لسان رئيس الحكومة معين عبدالملك خلال لقائه بالعاصمة السعودية الرياض، منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية باليمن وليام جريسلي.
وتحتاج السوق اليمنية بشكل عاجل، لكميات كبيرة من النقد الأجنبي (الدولار) وضخها في السوق المحلية، لوقف مضاربة شريحة من التجار الذي يستغلون شحه محليا.
وليس بوسع الحكومة اليمنية حاليا توفير كميات كبيرة من النقد الأجنبي، إلا في حالة تنشيط قطاعي النفط والغاز، اللذين تضررا كثيرا بفعل تداعيات الحرب.
وفي إشارة إلى وجود عجز حكومي ، قال محمد قيزان وكيل وزارة الإعلام، إن “العملة اليمنية في تدهور مستمر رغم الخطوات التي أعلن عنها البنك المركزي”.
وأضاف عبر تويتر، السبت، أن “عودة الحكومة إلى اليمن بشكل دائم ووضع يدها على المنشآت النفطية والغازية والمؤسسات الإيرادية واتخاذ معالجات حقيقية صادقة، هي من ستعيد للعملة عافيتها”.
ومنذ أشهر، تمارس الحكومة مهامها من العاصمة السعودية الرياض، إثر توتر العلاقة مع المجلس الانتقالي الجنوبي (مدعوم إماراتيا) المسيطر على العاصمة المؤقتة عدن التي تعد المقر الرسمي للحكومة.
وأدى استمرار الصراع السياسي المتأزم بين الحكومة والمجلس الانتقالي، إلى عدم الثقة بالعملة المحلية، وبالتالي تواصل تراجع قيمتها، وفق مراقبين.
**ملف يحرج الحكومة
عجز الحكومة في حل مسألة تراجع الريال، أدى إلى إحراجها أمام أنصارها المناهضين للحوثيين أو المجلس الانتقالي الجنوبي.
كما تتعرض الحكومة لضغط شعبي متزايد، وصل إلى مطالبة متظاهرين في مدينة تعز خلال الأيام الماضية برحيل رئيس الحكومة معين عبدالملك.
ومن بين أبرز أسباب تزايد الضغط الشعبي على الحكومة، استقرار العملة في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، حيث يصرف الدولار فقط بنحو 600 ريال فقط.
واستغل الحوثيون هذا الملف أمام أنصارهم وبعض أنصار الحكومة، عن طريق الترويج بأن إدارة الجماعة نجحت بشكل أكبر يفوق الجانب الحكومي المدعوم من التحالف العربي الذي يصفه الحوثيون ب “العدوان”.
في 4 أغسطس/آب الجاري، أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن “الريال اليمني فقد ما يزيد عن 36 بالمئة من قيمته مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي”.
وأفاد المكتب في تقرير بأنه “في الشمال اليمني (المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين) ظل سعر الصرف مستقرا نسبيا منذ أواخر 2019، وظل أقل من 600 ريال يمني لكل دولار”.
**توجه نحو التراجع
حول مستقبل العملة المحلية ، أفاد الباحث الاقتصادي عبدالواحد العوبلي بأن “الريال اليمني يتجه نحو الهبوط بشكل متسارع، بحكم أن الحكومة والبنك المركزي لا يقومان بأي إجراءات فعالة”.
وأضاف لمراسل الأناضول، أنه “في الوقت نفسه تستمر ميليشيا الحوثي بممارساتها التي تلتهم إيرادات الدولة وتقسم الاقتصاد ونهب أموال المواطنين، عبر ما يسمى بالفارق في سعر العملة المحلية بين المناطق الواقعة تحت سلطة الحكومة والأخرى الخاضعة لسيطرة الحوثيين”.
ولفت إلى أن ما يجب على الحكومة القيام به يتمثل في” تدعيم الإيرادات عبر زيادة الإنتاج من النفط الخام وإعادة تصدير الغاز المسال”.
وتابع” لو تم إعادة تصدير الغاز المسال من ميناء بلحاف في محافظة شبوة (جنوب) تستطيع اليمن أن تجني ما لا يقل عن مليار دولار سنويا، ستلعب دورها في تدعيم الريال”.
وتُتهم الإمارات، الدولة الثانية في التحالف العربي، بأنها قامت بتعطيل منشأة بلحاف الغازية في محافظة شبوة، ما كبد الاقتصاد اليمني خسائر كبيرة، وهو الأمر الذي تنفيه أبوظبي.
ومضى العوبلي قائلا: “هناك أيضا إيرادات اليمن من الموانئ والمطارات والمنافذ، إضافة إلى الضرائب والجمارك والرسوم التي يجب كلها أن تورد إلى الخزينه العامة للدولة، وأن يعود النظام المصرفي لعمله بدلا من السوق السوداء”.
“يمكن للحكومة تعزيز النقد الأجنبي عبر إجبار المنظمات الأجنبية، أن تورد مبالغ المساعدات إلى البنك المركزي، وهذا سيوفر مصدرا للعملة الصعبة، ما يمكن البلد من استعادة قيمة الريال اليمني”.
**الاقتصاد “أداة حرب”
بدوره قال الصحفي المتخصص بالشؤون الاقتصادية وفيق صالح: “لا نستطيع أن نتنبأ بمستقبل الريال، في ظل الأوضاع الحالية والغموض الذي يكتنف الوضع الاقتصادي والمالي في البلاد”.
وأضاف للأناضول: “ما تزال البلاد تعيش حالة من الفراغ في الجانب الاقتصادي، في ظل ضغط حوثي مستمر نحو الإضرار بقيمة العملة اليمنية في محافظات الشرعية، من خلال تكريس الانقسام النقدي والمصرفي”.
ومنذ نحو 7 سنوات، يشهد اليمن حربا، أودت بحياة 233 ألفا، وبات 80 بالمئة من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على المساعدات للبقاء أحياء، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.
ويزيد من تعقيدات النزاع أن له امتدادات إقليمية، فمنذ مارس/ آذار 2015 ينفذ تحالف عربي بقيادة الجارة السعودية، عمليات عسكرية دعما للقوات الحكومية، في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران، والمسيطرين على عدة محافظات، بينها العاصمة صنعاء.