علماء يحاولون اكتشاف سر اختفاء ثقب أسود عملاق

محرر 326 يناير 2021
علماء يحاولون اكتشاف سر اختفاء ثقب أسود عملاق

حاول عدد من العلماء على مدار السنوات الماضية رصد مكان اختفاء الثقب الأسود في مجموعة مجرّات “أبل 2261” (Abell 2261)، ووضعوا عددا من الافتراضات، وقد يقدم تلسكوب جيمس ويب المنتظر إطلاقه نهاية العام الجاري، جوابا دقيقا عن مكان الثقب المفقود.

وفي تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” (New York Times)، يقول الكاتب دينيس أوفرباي إن الفكرة التي كانت سائدة في العقود القليلة الماضية بين علماء الفلك هي أن كل مجرة في مركزها ثقب أسود عملاق يبتلع ملايين أو ربما مليارات الشموس، وكلما كبرت المجرة زادت كتلة الثقب الأسود.

مجرة بلا ثقب أسود:

وكانت المفاجأة قبل عقد من الزمان عندما اكتشف مارك بوستمان، من معهد مرصد علوم الفضاء (Space Telescope Science Institute)، مجرة عملاقة لا يوجد في مركزها ثقب أسود.

وفي العادة يكون في نواة كل مجرة كتلة إضافية من الضوء في المركز تُصدرها النجوم المتلألئة التي تتجمّع بسبب جاذبية الثقب، لكنّ تلك المجرة التي اكتشفها بوستمان لم تكن فيها كتلة الضوء المعتادة، كما أن النواة، وهي عبارة عن سحابة من النجوم يبلغ قطرها نحو 20 ألف سنة ضوئية، لم تكن موجودة في منتصف المجرة.

وعام 2012 صرّح تود لوير، من المختبر الوطني لبحوث الفلك البصري والأشعة تحت الحمراء (National Optical-Infrared Astronomy Research Laboratory) في توكسون أريزونا، أن “هذا الأمر غير معتاد على الإطلاق”. وفي السنوات اللاحقة عمل بوستمان ولوير ومجموعة أخرى من العلماء على رصد الأشعة السينية وموجات الراديو المنبعثة من المجرة من أجل العثور على الثقب الأسود المفقود.

وهذه المجرة هي الأكثر لمعانا ضمن مجموعة المجرات المعروفة بـ”أبل 2261″، وتبعد نحو 2.7 مليار سنة ضوئية من الأرض، داخل كوكبة هرقل في نصف الكرة السماوية الشمالي.

ويفترض العلماء أن كتلة حجم الثقب الأسود المفقود تعادل 10 مليارات كتلة شمسية أو أكثر، وهو حجم عملاق إذا قارنّاه بالثقب الأسود في مركز مجرة درب التبانة، الذي تبلغ كتلته نحو 4 ملايين كتلة شمسية؛ فأين يمكن أن يختفي هذا الثقب العملاق؟

أحد الاحتمالات -كما يقول الكاتب- هو أن هذا الثقب موجود لكنه ساكن، بعد أن نفد منه مؤقتا ما يمكن ابتلاعه، لكن لوير وزملاءه يطرحون افتراضا آخر، هو أن الثقب انتقل بعيدا عن المجرة.

فهم أفضل للثقوب السوداء:

ومن شأن إثبات صحّة الاحتمال الأخير أن يوفر نظرة أكثر عمقا عن بعض أكثر العمليات عنفا وديناميكية في تطور المجرات والكون، والكشف عن مزيد من الأسرار عن القوى العملاقة والثقوب التي يمكنها قذف النجوم والكواكب في الفراغ.

ينتمي الدكتور لوير إلى فريق علمي يُطلق على نفسه اسم مجموعة نوكرز، وعلى مدى العقود الأربعة الماضية سعت هذه المجموعة إلى رصد نوى المجرات البعيدة، باستخدام تلسكوب هابل والمعدات المتطورة الأخرى. ويقول لوير إن “ما حدث في (أبل 2261) هو تقريبا ما يحدث مع المجرات الإهليلجية العملاقة الأكثر ضخامة في الكون، في نقطة نهاية تطورها”.

ففي ستينيات القرن الماضي أدى اكتشاف النجوم الزائفة في مراكز المجرات إلى اعتقاد علماء الفلك أن الثقوب السوداء فائقة الكتلة هي المسؤولة عن ابتلاع النجوم وإفراز الكتلة الضوئية في نواة المجرة.

وبحلول نهاية القرن توصل علماء الفلك إلى استنتاج مفاده أن كل مجرة تحتوي على ثقب أسود فائق الكتلة، أكبر بملايين أو مليارات المرات من كتلة الشمس، لكنه لم يكن هناك أي تفسير واضح لطريقة تشكل الثقوب السوداء، وما إذا كانت قد تطورت من ثقوب سوداء، أو تشكلت في عملية أخرى في وقت مبكر من عمر الكون.

وعام 1980 كتب 3 علماء فلك، هم ميتشل بيغلمان ومارتن ريس وروجر بلاندفورد، عن كيفية تأثير هذه الثقوب السوداء في تطور المجرات. ومن وجهة نظرهم، عندما تصطدم مجرتان وتندمجان معا، وهو حدث شائع في مراحل مبكرة من عمر الكون، فإن الثقوب السوداء المركزية تلتقي لتشكل نظاما ثنائيا، متكوّنا من ثقبين أسودين يدوران حول بعضهما بعضا.

وقد رأى بيغلمان وزملاؤه أن هذين الثقبين الأسودين الهائلين يتفاعلان مع مجموعة النجوم المحيطة بهما، وبين حين وآخر يقترب أحد هذه النجوم من الثنائي، لكن قوى الجاذبيّة تدفعه إلى خارج المركز، وبمرور الوقت تندفع مزيد من النجوم بعيدا عن المركز. وتدريجيا ينتشر ضوء النجوم ليشكل نواة أوسع، مع قليل من الالتواء في المركز، ويقوم الثقبان بما يُعرف بـ”رقصة التزاوج”.

فرضيات عن مكان الثقب:

عند رصد مجرة “أبل 2261” كان لوير وبوستمان يعتقدان أنهما سيجدان كثافة في المركز مثلما رُصد في مجرات أخرى، وبدلًا من ذلك، كان هناك تراجع في كتلة الضوء، كما لو أن الثقب الأسود الهائل والنجوم المصاحبة له قد اختفت تماما.

وأثار هذا الاكتشاف كثيرا من التساؤلات عن السيناريو الذي افترضه بيغلمان وزملاؤه، فالثقبان الأسودان اندمجا من لا شيء، وكان الاندماج مصحوبًا باندفاع هائل لموجات الجاذبية، وتموجات زمكانية مثل تلك التي تنبّأ بها آينشتاين عام 1916، لترصدها أجهزة مرصد ليغو بعد قرن من الزمان، تحديدا في 2016.

ولو كان هذا الانفجار عنيفا مثلما تفترض النظريات السابقة، لكان تسبب في إرسال الثقب الأسود إلى مكان آخر في المجرة، أو حتى إلى خارجها، وهو شيء لم يلاحظه العلماء الذين رصدوا مجرة “أبل 2261″، لذلك فإن العثور على الثقب المفقود كان أمرا بالغ الأهمية للحصول على تفسير علمي مقبول.

وقد كشف مزيد من التدقيق في المجرة الإهليلجية (A2261-BCG) عن 4 عقد صغيرة من الضوء في نواة منتشرة، وهو ما أثار احتمال أن يكون الثقب الأسود مختفيا داخل إحداها.

وللتحقق من الأمر عمل فريق بقيادة سارة بيرك سبولر من جامعة ويست فيرجينيا (West Virginia University) على رصد العقد الأربع باستخدام مرصد هابل و”مصفوف المراصد العظيم”. وخلص الفريق إلى أن 2 من العقد كانتا على الأرجح مجرتين صغيرتين ولا يمكن أن تحتويا على الثقب الأسود، في حين كان من المرجح أن تحتوي العقدتان الثالثة والرابعة على الثقب المفقود.

وحسب الدكتورة سبولر، فإنهم كانوا يأملون في أن يشير البث اللاسلكي مباشرة إلى موقع الثقب الأسود، لكن بقايا الموجات كان عمرها على الأقل 50 مليون سنة، وفقًا لخصائصها الطيفية، مما يعني أن الثقب الأسود الكبير كان لديه متسع من الوقت للانتقال إلى مكان آخر.

في انتظار جيمس ويب:

كانت المحطة التالية في محاولة اكتشاف سر الثقب المفقود مرصد تشاندرا الفضائي للأشعة السينية التابع لوكالة ناسا. وقد قام كايهان غولتيكين من جامعة ميتشيغان (University of Michigan)، وهو أحد العلماء المخضرمين من فريق نوكرز، بتوجيه التلسكوب نحو النواة والعقد الأربع، وأكد أن الثقب الأسود المفترض ينبغي أن يتغذى بمعدل واحد على مليون من طاقته الاعتيادية، إذا كان موجودًا من الأساس. وكتب غولتيكين في رسالة بالبريد الإلكتروني “إما أن يكون الثقب الأسود في المركز خافتًا جدًا، أو أنه غير موجود”.

وفي غضون ذلك نشر عمران نسيم، من جامعة سري (University of Surrey) في المملكة المتحدة، تحليلًا مفصلًا يفسر كيف يمكن أن يؤدي اندماج ثقبين أسودين هائلين إلى نتيجة تماثل ما رصده العلماء.

وأوضح نسيم أن “موجة الجاذبية تنفصل عن الثقب الأسود الهائل خارج المجرة، ثم نجد أن سحابة النجوم حول الثقب الأسود الثنائي تصبح أكثر انتشارًا. وتمثل كثافة النجوم في تلك المنطقة -وهي الجزء الأكثر كثافة في المجرة العملاقة بأكملها- عُشر كثافة النجوم في المجرات المجاورة لدرب التبانة”.

وحسب الكاتب، ينتظر علماء الفلك بفارغ الصبر إطلاق تلسكوب جيمس ويب الفضائي، المرصد الجديد الذي سيعوض هابل، والمقرر إطلاقه في نهاية أكتوبر/تشرين الأول المقبل، من أجل فحص العقد الأربع في الوقت نفسه وتحديد ما إذا كان أي منها يحتوي على الثقب الأسود المفقود.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق