كسرت مدينة بهبهان في جنوب غرب إيران حاجز الخوف بعد أن خرجت مظاهرات احتجاجا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي سرعان ما تبنت شعارات سياسية، في أحدث حراك مطلبي يرى مراقبون أنه يؤسس لانتفاضة شعبية.
وتحسبا لتوسع دائرة الاحتجاجات نشرت السلطات الإيرانية أعدادا كبيرة من الشرطة في عدة مدن مثل طهران وأصفهان وتعهدت الجمعة كعادتها بالتعامل “بحزم” مع أي احتجاجات جديدة على المصاعب الاقتصادية بعد يوم من إطلاق قوات الأمن الغاز المسيل للدموع في بهبهان لتفريق متظاهرين مناهضين للمؤسسة الدينية الحاكمة.
وأظهرت تسجيلات مصورة نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي من داخل إيران محتجين يهتفون “لا تخافوا، لا تخافوا، نحن معا”، فيما رفع آخرون شعارات مناهضة لمسؤولين كبار.
وقال شهود عيان إن السلطات احتجزت عدة أشخاص بالمدينة الواقعة في إقليم خوزستان الغني بالنفط والذي تسكنه الأقلية السنية.
ويشير متابعون إلى أن المناخ الاجتماعي المتفجر في إيران بات مهيئا أكثر من أي وقت مضى لانتفاضة شعبية في ظل وضع معيشي هو الأسوأ الذي تشهده البلاد منذ 1979، على وقع عقوبات أميركية وضعت الاقتصاد على حافة الهاوية إضافة إلى خروج فايروس كورونا عن السيطرة.
وتقع إيران بين مطرقة العقوبات الأميركية التي سببت لطهران متاعب اقتصادية حادة وسندان الفايروس الذي عمق تلك الأزمة وشل الحركة الإنتاجية في وقت تكابد فيه الحكومة الإيرانية من أجل إيجاد حلول لتجاوز مشاكلها الاقتصادية المتناثرة.
ومنذ أواخر العام الماضي تكابد إيران في مواجهة أزمات تتالت الواحدة تلو الأخرى، انطلاقا من العقوبات الأميركية ومرورا باحتجاجات العام الماضي بسبب تدهور الأوضاع المعيشية وصولا إلى جائحة كورونا التي فاقمت معاناة السلطات في طهران التي تحاول من جهة أخرى احتواء مشاكلها السياسية المتناثرة.
وأثرت العقوبات الأميركية بشكل رئيسي على القطاع النفطي الذي يعد أبرز الموارد الأساسية التي تعتمدها الحكومة لتغطية نفقاتها، حيث تراجعت العملة الإيرانية الاثنين إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق مقابل الدولار الأميركي.
وبلغ سعر الدولار الأميركي في السوق السوداء 235 ألفا و500 ريال، بعدما كان منذ أسبوع واحد 215 ألفا و500 ريال، في حين سجل رسميا على الموقع الإلكتروني للبنك المركزي 42 ألف ريال.
وكانت إيران قبل أبريل 2018 تصدر أكثر من مليونين ونصف المليون برميل من النفط يوميا، فيما باتت الآن تصدر ما بين 100 و200 ألف برميل من النفط بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وعودة العقوبات.
وفشل النظام الحاكم في التسويق لاستراتيجية “مواجهة المؤامرات الخارجية”، وذلك عبر تحميل الولايات المتحدة مسؤولية انهيار الأوضاع الاقتصادية للالتفاف على المطالب الاجتماعية الملحة، إذ أن استدعاء نظريات المؤامرة لم يعد يجد آذانا صاغية لدى أغلب فئات المجتمع الايراني التي تضررت مصالحها الحياتية بشكل مباشر فضلا عن ظروفها الصحية.
وأمام ضيق هامش المناورة وتصاعد حالة الغليان المجتمعي لجأت السلطات مرة أخرى إلى العصى البوليسية وأجهزتها القضائية التي تمكنت في نوفمبر الماضي من إخماد أعنف احتجاجات شهدتها البلاد وكادت تنتهي بإسقاط النظام.
ووصف المساعد السياسي لمحافظ بوشهر مجيد خورشيدي سياسة بلاده في تجاهل أثر العقوبات الأميركية بأنها “نهج خاطئ”، مشيرا إلى أن العقوبات وضعت اقتصاد البلاد على حافة الانهيار.
وقال خورشيدي “كانت الحكومة السابقة تقول إن العقوبات ليس لها أي أثر، ولسوء الحظ استمر هذا النهج الخاطئ”، مضيفا “علي أن أقول إن العقوبات قصمت ظهر الاقتصاد”.
وسعى حكام إيران لمنع تجدد الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي جرت في نوفمبر والتي قتل فيها أكثر من ألف شخص بعد أن أيدت السلطات الثلاثاء أحكاما بالإعدام على ثلاثة رجال شاركوا في تلك المظاهرات، مما أثار احتجاجات عبر الإنترنت على العقوبات.
وحثت الشرطة في بيان الجمعة الناس على “الامتناع بشدة عن أي تجمع قد يقدم ذريعة للحركة المضادة للثورة”، واتهمت “الأعداء” بإثارة حالة من الاستياء.
وأضاف البيان أن “قوة الشرطة عليها واجب أصيل وقانوني للتعامل بحزم مع هذه التحركات اليائسة”.
وقال رجل من طهران لوكالة رويترز، طلب عدم نشر اسمه بسبب مخاوف أمنية، “الناس غاضبون. الاقتصاد سيء لدرجة أننا لا يمكننا النجاة”.
ورغم أن الاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام لم تنجح إلى حد الآن في مساعيها، بفضل آلة القمع البوليسية التي يقودها الحرس الثوري وقوات الباسيج، إلا أن مواصلة خروج الإيرانيين للاحتجاج تؤسس لانفراط عقد النظام مع تتالي هزاته الاقتصادية والسياسية وأجنداته الإقليمية التي تغدق الأموال على ميليشيات الخارج مقابل تفقير الداخل