دبي تسيطر على قناة السويس فهل تسعى لتنميتها أم للهيمنة عليها؟

محرر 216 أغسطس 2017
دبي تسيطر على قناة السويس فهل تسعى لتنميتها أم للهيمنة عليها؟

انطلقت شراكة جديدة بين مصر والإمارات على درجة كبيرة من الأهمية سعت لها الإمارات منذ فترة طويلة، حيث أسّست حكومتا دبي ومصر شركة مشتركة لتنمية قناة السويس، بين مجموعة “موانئ دبي العالمية” و”الهيئة العامة الاقتصادية لمنطقة قناة السويس”.

وأطلق الرئيس السيسي عليها، شركة تنمية رئيسية مشتركة، في اجتماع عقده في القاهرة مع رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي لمجموعة “موانئ دبي العالمية” سلطان أحمد بن سليم، ورئيس هيئة قناة السويس رئيس الهيئة العامة الاقتصادية لمنطقة قناة السويس، الفريق مهاب مميش.

ماذا ستتولى موانئ دبي في الشركة الجديدة؟

بالنسبة لدبي فقد أكدت حكومتها في بيان لها عقب توقيع اتفاق تأسيس الشركة، أن الحدث “يتوّج مسيرة التطوير الشامل لمنطقة قناة السويس التي تُعد من أهم المناطق العالمية لتطوير خدمات الموانئ والمناطق التجارية واللوجستية، ومن أكثر المناطق تميزًا في العالم على الصعيد الاقتصادي، نظرًا إلى قربها من الأسواق العالمية، واستحواذها على جزء كبير من حركة التجارة العالمية العابرة للقناة، التي تمثل عمودًا فقريًا للنقل البحري على الصعيد الدولي”.

وأرجعت سبب دخولها في هذه الشركة “لدعم خطط الأشقاء في مصر لتنمية الاقتصاد وتطويره، من خلال مشروع المنطقة الاقتصادية لقناة السويس”. وكذلك “العمل على مساندة هذا المشروع الحيوي عبر نقل تجاربنا وخبراتنا الإقليمية والدولية في تطوير الموانئ والمناطق الحرة في مناطق العالم وقاراته” كما ذكر بن سليم رئيس مجموعة موانئ دبي. ومن المقرر ان تبني الشركة الجديدة، منطقة صناعية ولوجيستية وتجارية متكاملة، تشمل كل الخدمات والمناطق السكنية والترفيهية في منطقة قناة السويس الاقتصادية.

كما ستتولى موانئ دبي، تشغيل ميناء العين السخنة المصري القريب من المدخل الجنوبي لقناة السويس على البحر الأحمر، ما يمنحه ميزة استراتيجية للتعامل مع البضائع العابرة لأكثر الممرات المائية التجارية استخدامًا في العالم. كما يُعد ميناءًا رئيسيًا لعبور البضائع إلى الموانئ المصرية الأخرى، وإلى وسط القارة الأفريقية.

ويضم مشروع المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، تطوير منطقة غرب القنطرة وميناء الأدبية وميناءي العريش والطور ومنطقة شرق الإسماعيلية. وتشمل المنطقة الاقتصادية للقناة أيضًا، تطوير ميناءي شرق بورسعيد ومنطقته وغربه، إذ يقضي التوسع المقترح لميناء شرق بورسعيد بإضافة 26 كيلومترًا مربعًا، توفر مجموعة واسعة من الفرص الاستثمارية والتنموية لتصل المساحة الكلية للميناء إلى 70 كيلومترًا.

تنمية أم هيمنة؟!

في الواقع وقبل البدء بتفنيد الشراكة الجديدة في قناة السويس بين دبي ومصر، يجب التنويه إلى إدارة شركة موانئ دبي العالمية لميناء العين السخنة في مصر، الذي يعد من أكبر وأهم الموانئ على البحر الأحمر، وفق عقد إدارة تم توقيعه في العام 2008 حيث تمتلك موانئ دبي بموجب الاتفاق 90% من أسهم شركة تطوير ميناء السخنة، صاحبة الامتياز والمسؤولة عن تشغيل ميناء السخنة، مقابل 670 مليون دولار. ونص الاتفاق على أن تقوم موانئ دبي بتوسعة طاقه ميناء العين السخنه المصري لتبلغ 2 مليون حاوية في العام، وأن تستثمر في مصر 1.5 مليار دولار في خلال 5 أعوام.

من ينظر إلى النتيجة المتحصلة من إدارة موانئ دبي العالمية لميناء العين السخنة سيجد أنه لم يتحقق شيء بعد مرور نحو 9 سنوات على عقد الإدارة الموقع مع الشركة. فمقارنة طريقة إدارة إدارتها وحجم أعمالها في ميناء السخنة ومقارنتها بباقي موانئها العالمية، سيظهر الفرق الشاسع في كل شيء، فبحسب المهندس محمد حمادي، خبير بحري متخصص في الملاحة البحرية وإصلاح وبناء السفن، فيقول أنه لم تنفذ موانئ دبي أي شيء من الاتفاقات المتفق عليها، ولم يحاسبها أحد، رغم أن هذا يوجب فسخ العقد دون الرجوع إليها، وهو ما لم يحدث.

بل إن طاقه ميناء العين السخنة انخفضت منذ عام 2010 والتي كانت تقدر بـ 570 ألف حتى وصلت بمقدار 511 ألف حاوية، وحتى الآن لم تصل حجم استثمارات موانئ دبي العالمية إلى مليار دولار، رغم وعودها وبنود التعاقد التي تقول إن حجم استثماراتها سيتجاوز خمسة مليارات دولار عام 2015، ولم تصل إلى 2 مليون حاوية التي وعدت بها، ووقعت التعاقد على أساسها.

منح مصر لتطوير قناة السويس يعد بمثابة السيطرة الكاملة لدبي على مشروع كان من المفترض أن ينافس جبل علي بالإمارات، لتستكمل بهذا الإمارات سيطرتها على المنطقة كما يرى المهندس محمد حمادي، وإضافة قناة السويس وموانئها إلى مجموعة ما تديره موانئ دبي ضمن 78 ميناء بحريًا وبريًا تتولى إدارتها في 40 دولة في مختلف أنحاء العالم تحت شعار الاستثمارات البحرية.

كما أن هذه الشراكة تعد شهادة وفاة لطموحات المصريين بتطوير قناة السويس كما يرى المهندس حمادس، الذي أنشئ أساسًا لمنافسة مشروعات جبل علي بالإمارات، حيث تقوم المشروعات العملاقة بجبل علي بخدمة السفن العابرة لقناة السويس، التي تشكل 89% من حجم أعمالها، وقد أنشئت المنطقة المحورية واللوجستية لقناة السويس لخدمة هذه السفن والاستفادة منها والتي تشكل عائد ربح أكبر بكثير من عائد مرورها بقناة السويس التي لا تقدم أي خدمات باستثناء مرور السفن بها، وتستفيد من هذه السفن دول أخرى.

فخدمات السفن تدر أكثر من 100 مليار دولار كما أشار الخبير حمادي، فميناء جدة مثلًا يقدم خدمات تدر 20 مليار دولار، والإمارات والفجيرة ودبي تقدم خدمات تقدر أرباحها  بـ20 مليارًا، لمجرد خدمات سفن من تموين وقود، فكل السفن المارة تقوم بأخذ خدماتها من جبل علي بالخليج، تليها السعودية، بينما الدولة التي بها أهم ممر ملاحي دولي في العالم لا تستفيد من هذه الخدمات.

وبالنظر إلى الخريطة الملاحية، سيظهر أن جميع السفن تقريبًا القادمة من الهند والصين تتجه إلى جبل علي بالإمارات أولا، للحصول على خدماتها المختلفة، ثم تعود من الخليج إلى مدخل البحر الأحمر ثم قناة السويس، دون الذهاب مباشرة إلى القناة رغم أنه سيوفر لها المسافة والوقت وهما مكلفان جدًا، ولكن بسبب عدم توفر تلك الخدمات في قناة السويس أو أي خدمات صناعية ولوجستية لذا لا تجد تلك السفن بديلًا من الذهاب إلى جبل علي.

وعليه فإن المنطقة الصناعية اللوجستية التي ستعمل موانئ دبي العالمية على إنشائها في محور قناة السويس، ستشمل جميع الخدمات التي تطلبها السفن من تموين وقود وصيانة وأمور أخرى، وستعمل على خدمة السفن العابرة المتوجهة إلى جبل علي في دبي، والتي من المفترض أن تكون منافس ند لدبي. فكيف يمكن أن تعمل دبي على تطوير منطقة منافسة لها من الممكن أن يؤدي إضافة جميع الخدمات لها إلى طمس هوية دبي في مجال الموانئ بفضل الموقع الاستراتيجي لقناة السويس! وسحب المليارات التي تدخل إلى خزانة دبي لتدخل في خزانة مصر.

وللمقارنة ففي العام 2006 كادت شركة موانئ دبي تستحوذ على على شركة بريطانية متخصصة في إدارة الموانئ، ولديها امتيازات في إدارة 22 ميناء في الولايات المتحدة، يعد 6 موانئ ذو أهمية استراتيجية كما في نيويورك وفلوريدا. إلا أن الصفقة باءت بالفشل بسبب ما اعتبرته السلطات الأمريكية خطرًا على أمن الولايا المتحدة وموانئها في حالة إدارتها عن طريق شركة موانئ دبي المملوكة لحكومة دبي.

وبالعودة للسويس فإن مراقبين يرون أن موانئ دبي ستعمل على عدم تنمية القناة بشكل تضم الخدمات المتوفرة في جبل علي، لضمان عدم تأثيرها بدبي. فيما ستعمل على إقامة خدمات واستثمارات تضمن منها عوائد مجزية.

وتدرك دبي أهمية قناة السويس في مبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقتها الصين وتعتبر من أكبر المشاريع العالمية في القرن الحالي. لذا ومن منطلق استشراف المستقبل وتنفيذ المشاريع الاستراتيجية لاستيعاب متطلبات التطورات المقبلة على صعيد الاقتصاد الدولي والتجارة العالمية، حيث ستشكل المنصة العالمية الأكبر للتعاون التجاري الإقليمي، وستحدث تحولاً جذريًا في اقتصادات الدول الواقعة على امتداد طريق الحرير القديم. علمًا أن “موانئ دبي العالمية” تدير أكثر من 20 ميناء على هذه الطريق.

ميناء جبل علي

يعد ميناء جبل علي الأكبر في منطقة الشرق الأوسط الذي يديره شركة موانئ دبي العالمية، وهو محوري لأكثر من 90 خدمة ملاحية أسبوعية تربط أكثر من 140 ميناء في أنحاء العالم، وبطاقة استيعابية تصل إلى 22.1 مليون حاوية نمطية قياس 20 قدم، مع إنجاز مشاريع التوسع الحالية للميناء بحلول عام 2018. ويعمل في المنطقة الحرة لجبل علي أكثر من 144 ألف موظف. وسجلت “موانئ دبي العالمية” تحسنًا في دخلها عام 2016، وسجلت نموًا في العائدات نسبته 4.9%.

وتعد شركة موانئ دبي واحدة من أكبر مشغلي الموانئ البحرية في العالم، ومتفرعة من شركة دبي العالمية، حيث تحتوى على شبكة موانئ موزعة في 31 دولة، ويعمل بها 97 ألف موظف حول العالم. تخصصت في مجال المواصلات البحرية والبرية والجوية والخدمات اللوجيستية. وتعد خامس أكبر شركات العالم في إدارة الموانئ، ويبلغ نصيبها من السوق العالمية للشحن 9%. وللشركة مقرات إدارة لوجيستية في لندن والإمارات،

في الختام فقد نجحت شركة موانئ دبي في التأثر على أعمال قناة السويس وأهميتها الاستراتيجية العالمية والتأثير على الأمن القومي المصري بسبب استحواذ منافس ند لقناة السويس من قبل شركة مملوكة لحكومة دبي التي تدرك مدى أهمية موقع قناة السويس مقارنة بموقع إمارة دبي.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
Accept