لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع أن تطول الحرب التي تخوضها الحكومة اليمنية بإسناد من مقاتلات التحالف العربي بقيادة السعودية ضد جماعة التمرد الحوثي المدعومة من إيران، حتى تجاوزت خمسة أعوام وها هي تدخل عامها السادس دون أي أمل بحسم قريب في مجريات القتال.
ودخل التحالف العربي في 26 مارس 2015م في حرب لنصرة الحكومة الشرعية بعد تمرد عسكري نفذته جماعة الحوثيين، وأفضى في 21 سبتمبر 2014م إلى احتلال صنعاء وإسقاط حكومة التوافق الوطني، ومغادرة رئيس الجمهورية البلاد متوجهاً صوب العاصمة السعودية الرياض.
وبعد مرور أكثر من خمس سنوات على الصراع، لم تحقق الحكومة والتحالف الأهداف المرجوة من الحرب، بل على العكس فقد تمكنت جماعة الحوثي مؤخراً من تحقيق انتصارات عسكرية لافتة، خاصة على الجهة الشمالية الشرقية لليمن، ووصلت إلى مشارف محافظة مارب، المعقل الرئيس للشرعية.
وفي خضم الصراع المحتدم، فوجئت الشرعية بانقلاب عسكري ثانٍ عليها، في عاصمتها الثانية عدن، نفذه ما يسمى بالمجلس الانتقالي بإيعاز من دولة الإمارات، وذلك في أغسطس من العام الماضي.
وبعد قتال مستميت حول محافظة شبوة النفطية، استطاعت قوات الحكومة الشرعية من بسط سيطرتها على شبوة شكل كامل، بالإضافة إلى حضرموت وأجزاء واسعة من أبين، فيما يفرض الانتقالي سيطرته على عدن ولحج والضالع ومدينة زنجبار بأبين.
وأحدثت هذه التطورات على الأرض هزة كبيرة للشرعية وللتحالف العربي المساند لها، وعلى وجه الخصوص السعودية.
وسعياً منها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتفادياً للدخول في صراع مباشر مع شريكها الثاني في التحالف (الإمارات) رعت السعودية اتفاق شراكة بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي في نوفمبر الماضي. وكان من المقرر أن يتم الانتهاء من تنفيذ آخر بند في الاتفاقية بعد مرور 3 أشهر من تاريخ توقيعها، ولكن مراوغات الانتقالي حالت دون الشروع في تنفيذها حتى الآن.
* تطورات على تخوم عدن
“اندلاع الحرب بات وشيكاً”.. بهذه الكلمات وصف مجلس الانفصال الوضع المتأزم مؤخراً مع الحكومة الشرعية وجيشها الوطني في محافظة أبين، وعلى وجه الخصوص مدينة شقرة القريبة من العاصمة زنجبار.
وتقع زنجبار بأطراف أبين، ويحدها من الناحية الغربية العاصمة المؤقتة عدن.
ومطلع الشهر الجاري (إبريل) أرسلت السعودية قوات عسكرية كبيرة إلى مدينة شقرة. وتزامن ذلك مع تعزيزات عسكرية لافتة وانتشار واسع للآليات العسكرية التابعة للجيش الوطني في شقرة، فيما وصف هذا التحرك بأنه تحضير لإعادة تحرير عدن من عناصر الإنفصال، بعد أن وصلت التفاهمات مع الإنفصاليين فيما يخص تنفيذ اتفاقية الرياض إلى طريق مسدود.
تلا ذلك رد فعل مفاجئ للمجلس الانتقالي الموالي للإمارات، إذ قام بقطع إمدادات عسكرية سعودية مرسلة لمقاومة آل حميقان في محافظة البيضاء، بالإضافة إلى تهديدات علنية أطلقتها قيادات عسكرية إنفصالية من بينها القيادي المليشياوي (أبو همام اليافعي)، والذي توعّد بطرد أي جندي تستقدمه المملكة إلى عدن.
وحينما كانت المؤشرات تقول بأن الأوضاع تنجرف نحو مواجهة محتومة، وهو ما أكده مجلس الانفصال في بيان نشره قل أيام، فوجئ المتابعون للمشهد بوفد عسكري رفيع أرسلته الشرعية إلى عدن، وبتنسيق مع السعودية، وذلك للتفاهم مع الانتقالي حول تنفيذ الملحقين العسكري والأمني لإتفاق الرياض.
وبالرغم من أن عدم نجاح المشاورات في تحريك عجلة الاتفاق المتعثر، طلبت السعودية من الحكومة اليمنية تأجيل أي خيار عسكري حتى إشعار آخر.
* الضبابية تعمّق الكارثة على السعودية
يقول الصحفي أحمد المشرع إن السعودية تأزم الوضع أكثر على نفسها وعلى الحكومة الشرعية بانتهاجها موقفاً ضبابياً ضد الانقلاب في عدن، وعدم دعم الخيارات العسكرية التي تلوّح بها الشرعية كخيار استراتيجي لتصحيح البوصلة وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل انقلاب أغسطس.
ويضيف في حديث مع (عدن نيوز): “يماطل الانتقالي ولا يزال في تنفيذ اتفاق التزم به أمام السعودية منذ نحو نصف عام.. يشجعه على ذلك تراخي الموقف السعودي بشكل لم يعد مقبولاً”.
من جهته قال الناشط الصحفي عبدالرقيب أحمد فيرى أن المملكة هي المتضرر الأكبر من انقلاب عدن، وليس الحكومة الشرعية.
ودعا عبدالرقيب السلطات في المملكة إلى تدعيم موقف الحكومة الرامي لتحرير عدن من مليشيات الإنفصال. وقال إن على المملكة رمي الحسابات – فيما يخص الحليف الإماراتي – جانباً، خاصة وقد أثبتت الأيام أن الإمارات هي العدو الأخطر للمملكة.
* تحرير صنعاء يبدأ من عدن
وقال المحلل السياسي علي البيل إنه لا يوجد أي خيار أمام الحكومة اليمنية والسعودية لحسم المعركة مع الحوثيين إلا بعد تحرير العاصمة المؤتة عدن من مليشيات الإنفصال.
وفي حديث مع عدن نيوز، أكد البيل على أن انقلاب عدن هو الوجه الآخر لانقلاب صنعاء، وأن العلاقات بين مليشيات الشمال والجنوب وثيقة.
وأشار إلى التغريدات التي يكتبها قيادات الحوثي في صنعاء الدعمة لأقرانهم الانقلابيين في عدن، كلما تحركت عجلة الحسم العسكري ضدهم.
وحذر البيل السعودية من التعامل باستهتار مع المخطط الخطير للإمارات ومرتزقتها في عدن، والذي قد تصبح معه اليمن منطلقاً لتقويض الأمن والاستقرار في المملكة.
* معين.. الخائن في قلب الشرعية
وحذر مراقبون من خطورة بقاء رئيس الوزراء معين عبدالملك في منصبه الحساس على رأس الحكومة اليمنية، لما يربطه من علاقات وثيقة مع المليشيات شمالاً وجنوباً، وكذا مع النظام الإماراتي.
ويرى المراقبون أن بقاء معين على رأس الحكومة يشكّل ضربة قاضية لأي محاولات تقودها الشرعية للحسم ضد الحوثيين أو الإنفصاليين.
ومنذ توليه منصب رئيس الحكومة استهدف معين قوات الجيش الوطني ومارس ضدها سياسة تجويع وقطع للمرتبات، الأمر الذي تسبب بإضعاف المقاتلين في الجبهات، ومكّن الحوثيين من تحقيق انتصارات خطيرة في ظرف أسابيع، بعد أن عجزوا عن تحقيقها في السنوات السابقة.
وبحسب تسريبات خرجت من اجتماع حكومي عاصف عقد بمارب مؤخراً، صرف معين أكثر من نصف الميزانية المخصصة لوزارة الدفاع لصالح المنطقة العسكرية الرابعة، الرغم من كونها متمردة على الشرعية، ويقودها اللواء المتمرد فضل حسن العمري، والذي أعلن تمرده على الحكومة الشرعية واصطف مع الانتقالي والإمارات خلال المعارك العسكرية التي اندلعت في عدن في أغسطس الماضي.
وبحسب المصادر، فقد تم الصرف للعسكرية الرابعة بناءً على توجيهات من رئيس الوزراء معين، والذي أصدر تعليمات مشددة للمالية بتحويل هذه المبالغ للفصيل العسكري المتمرد.