سلّطت الاستقالات التي قدمها وزيران في الحكومة اليمنية مؤخراً الضوء على الأداء الكارثي والحالة المزرية للحكومة، منذ تعيين معين عبدالملك رئيساً للوزراء قبل عامين، خلفاً لرئيس الحكومة السابق أحمد عبيد بن دغر.
وقدم كل من وزير النقل صالح الجبواني، ووزير الخدمة المدنية والتأمينات نبيل الفقيه، استقالتيهما، إلى رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي، يوم السبت الماضي، احتجاجاً على الإنحراف الخطير في سياسات الحكومة وأدائها على الأرض تحت قيادة معين.
وكان معين قد أوقف وزير النقل (الجبواني) عن أعماله، وكلّف نائب رئيس الوزراء سالم الخنبشي بمهامه، معللاً ذلك بعبارة مطاطة “الإخلال الجسيم بأداء مهامه”، وذلك في مذكرة بعث بها إلى الخنبشي يوم الخميس الماضي.
وبعد أن خرجت الأنباء لوسائل الإعلام بساعات تطورت الأحداث دراماتيكياً: وزير النقل يقدّم استقالته مباشرة إلى رئيس الجمهورية، على الرغم من أن قرار وقفه كان مخالفاً للقانون، ليفجّر بذلك “قنبلة مدوية” في وجه حكومة معين، بحسب توصيف مراقبين، تلاه في نفس اليوم بلاغ من الوزير الآخر في الحكومة (الفقيه)، معلناً استقالته من الحكومة.
ويقول مراقبون الاستقالتين قد تشكل بداية لانهيار حكومة معين، مرجحين أن تشهد المرحلة المقبلة سقوطاً متتابعاً لأحجار الدومينو الحكومي باستقالات جماعية ومتوالية لوزراء آخرين في الحكومة اليمنية، خاصة في ظل ما يلاقيه رئيس الوزراء من سخط واسع داخل أعضاء حكومته أو حتى على المستوى الشعبي، بسبب الكثير من الاختلالات التي وصمت أداءه خلال فترة قيادة للحكومة.
ويرى هؤلاء أن السلطة الشرعية تعيش أعقد مرحلة لها، وأن بقاء معين في منصبه كرئيس للوزراء برغم ملفات الفساد الكبرى التي تواجهه، وبرغم ما يواجهه من اتهامات بالعمالة وإدارة علاقات سرية مع التشكيلات المليشياوية المناوئة للدولة، سيكون له أثر تدميري كبير على السلطة الشرعية، وسيعجل بتفتيتها وانهيارها في المحصلة النهائية.
وفي هذا الصدد يقول الصحفي محمد العماري: “على رئيس الدولة أن يتصرف بسرعة ودون تأخير.. مسألة إقالة معين أصبحت أمراً ضرورياً لبقاء السلطة الشرعية، خاصة وأن علاقة معين بوزراء حكومته قد وصلت لنقطة اللاعودة”.
ويري الكاتب والمحلل السياسي جلال الحلالي أن إقالة معين أصبحت أمراً محسوماً، وأن وصول الرجل إلى منصب رئيس الوزراء كان “خطاً استراتيجياً فادحاً”.
وتابع: “معين غير مؤهل بالأساس لقيادة الحكومة لأنه يفتقر إلى أهم صفة : صفة رجل الدولة”.
ويشير أحد الناشطين إلى الشخصية الساذجة لمعين بالقول: ” نحن أمام رئيس وزراء بلغت به السذاجة حد تسويق صورة التقطها لنفسه وهو يأكل في أحد المطاعم الشعبية، في محاولة للادعاء بأنه واحد من عامة الشعب وبأنه قريب من الشعب”.
وبغض النظر عن هشاشة شخصيته، يواجه معين الكثير من قضايا الفساد التي قد تكون سبباً في الإطاحة به خلال الفترة القادمة، خاصة مع تزايد التكهنات بمناقشات مكثفة تعقدها رئاسة الجمهورية مع عدد من أرفع قيادات الدولة للوقوف على الوضع وتحديد من سيقود الحكومة اليمنية في الفترة المقبلة.
* رئيس وزراء منبوذ من حكومته
بات من المحسوم وجود توتر كبير بين رئيس الوزراء معين وبين أعضاء حكومته، لكن الاستقالات المتتالية تكشف بشكل واضح عمق الهوة بين معين وبين حكومته. أضف إلى ذلك الاستقالة التي كان قد لوّح بها وزير الشباب والرياضة، نايف البكري أسوة بزميليه الجبواني والفقيه، قبل أن يتراجع بعد ضغوط أشارت عليه بتهدئة منسوب التوتر في أروقة الحكومة الشرعية.
وبحسب مصادر رفيعة في رئاسة الجمهورية فقد تحصّل الوزير البكري على معلومات تفيد بأن الرئيس هادي عازم على إقالة معين بعد تعاظم فضائحه، وبأن القرار قيد الدراسة والبحث، وهو ما دفع بوزير الرياضة للتراجع عن قرار الاستقالة.
وبمطالعة خطابات الاستقالة التي قدمها الجبواني والفقيه والبكري، تتكشف معلومات خطيرة متعلقة بمدى انحراف أداء رئيس الحكومة، ومدى العبث الذي طال أداء الحكومة في عهده.
وعلى سبيل المثال، يصف الوزير نبيل الفقيه سياسات رئيس الحكومة بـ “السياسات العقيمة”، ويقول معللاً أسباب الاستقالة: معين أصاب الحكومة بالشلل التام جراء سياساته العقيمة وعدم اكتراثه للاختلالات التي تشوب الأداء، بالرغم من تلقيه تنبيهات من الوزراء”.
وزاد من حدة النقد اللاذع قائلا: رئيس الوزراء تحول إلى ما يشبه أمين صندوق مهمته صرف المرتبات لبعض الفئات فقط، كما أنه منشغل بعقد لقاءات هامشية بغرض الترويج الإعلامي لنفسه. مؤكداً أن رئيس الوزراء “لا يتحلّى بأدنى شعور من المسئولية”.
ويقول الصحفي أكرم السماوي: “معين منبوذ من الجميع.. من الشعب ومن القيادة السياسة، حتى أنه منبوذ من أعضاء حكومته، وعلى الرغم من ذلك ولأن الرجل يتحلّى بقدر من (الفجاجة) لا يحسد عليه فهو مصر على التشبث بمنصبه”.
* فساد يزكم الأنوف
يقول مراقبون ضالعون في الشأن اليمني أن اسم معين عبدالملك صار قرينا لمسمى الفساد، نظراً لحجم عمليات الفساد التي تورّط فيها، على الرغم من قصر فترة قيادته للحكومة اليمنية (أقل من عامين حتى الآن).
وبحسب تقارير صحفية فقد ارتكب معين خلال الفترة الماضية – ولا يزال – جرائم جسيمة متعلقة بالنزاهة وفي مختلف المجالات دون استثناء: النفط والاتصالات وأوراق البنكنوت وغيرها.
هذا بالإضافة إلى العمولات الطائلة التي تلقاها من الإمارات أو حتى من جماعة الحوثي، بغرض تأمين مصالح الطرفين وتحقيق هدفهما المشترك (إسقاط الشرعية)، أو على الأقل إضعافها.
ونُشرت العشرات من الوثائق التي تثبت انخراط معين في شبكة فساد واسعة، مستغلاً منصبه لتمرير مخالفات جسيمة وإرساء مناقصات بالمخالفة للقانون، ما دفع كثيرين لوصفه بـ “السمسار”.
واستغل معين حالة الاحتراب الداخلي في تحقيق أرباح مالية طائلة، متغافلاً عن القضايا الجوهرية التي كان يفترض عليه التركيز عليها والتي قال أنه جاء لحلحلتها: الأزمة الخدماتية والأزمة الاقتصادية.
ومع هذا الكم المهول من الفساد الذي اقترفه معين كان من الطبيعي أن يعلن فريق الخبراء الدوليين المعني باليمن إدراج رئيس الوزراء ضمن قائمة العقوبات. وبنت اللجنة الأممية قرارها على مخالفة جسيمة ارتكبها معين، بعد أن قام بتعطيل ومنع هيئة مكافحة الفساد من مسعاها في التدقيق على عمليات الفساد التي حصلت في بيع وشراء العملة خلال شهر نوفمبر 2018م وبمبلغ تجاوز 8 مليار ريال يمني.
هذا فضلاً عما كشفه الوزير الجبواني من مخالفات قام بها معين للتربح من قطاع النفط وتمرير سفن غير مصرح بها، عبر التحكم بتصاريح الدخول لميناء عدن، ومصادرة ذلك الحق من وزارة النقل.
كما قام معين بإلغاء العمل بقانون المناقصات لبيع النفط الخام واستخدم أسلوب العروض المباشرة عبر مراسلات بريدية، حيث يتم تسريب الأسعار لشركات تدفع عمولات مقابل إرساء المناقصة عليها، كشركة فيتول البريطانية.
* حلقة وصل بين الإمارات ومليشيات الداخل
عمل معين منذ سنوات على تمتين علاقته مع أطراف غايتها تخريب الدولة اليمنية، بعد شعوره بأن الدولة ضعيفة ولن تقوى على مجابهة حركات التمرد، بسبب الانقسام العميق في الأوساط السياسية، والناجم عن اندلاع الثورة الشبابية الشعبية في 2011م.
ووطّد معين من ارتباطاته محلياً مع جماعة الحوثي شمالاً ومع قيادات انفصالية جنوباً شكّلت لاحقاً المجلس الانتقالي. كما بعث برسائل ولاء للإمارات، طالباً من قيادتها الدعم والمساندة ليكون عميلهم المخلص في اليمن.
وقد كشف (عدن نيوز) في تقرير سابق عن معلومات تتعلق بكيفية التنسيق المشترك بين الحوثيين ومعين، عبر عمته (شفيقة الوحش) والتي كانت قناة الوصل بين الطرفين منذ ما قبل 2015م.
وبنى معين جسور التنسيق المشترك بين الإمارات والحوثيين عبره، لتقوم الأولى بتعبيد الطريق أمامه للوصول إلى منصب رئيس الحكومة.
وقد أثمرت العلاقة المزدهرة بين الأطراف الثلاثة على شكل انتكاسات مريعة للسلطة الشرعية، حيث سقطت عسكرياً في عدن والجوف، في مقابل شرعنة المجلس الانتقالي كطرف ند للسلطة الشرعية.
وتعزى هذه الانتكاسات إلى سياسة الإضعاف والتجويع الممنهج التي اتخذها معين ضد القوات العسكرية الموالية للشرعية والمرابطة في المناطق الشمالية، والتخاذل عن إسناد القوات العسكرية في عدن خلال معركة عدن.
ويلخص الصحفي أحمد الأشول معضلة الشرعية مع معين بالقول: “الشرعية باتت على الحافة.. حافة الإنهيار التام.. وعلى الرغم من تشعب الاختلالات إلا أن مكمنها واحد وهو معين. لذا فإن إرادت الشرعية انتشال نفسها من هذا المأزق التاريخي فالحل لن يكون إلا برؤية معين وراء القضبان”.