قبل نحو شهرين عقد رئيس الوزراء معين عبدالملك اجتماعا لمناقشة ما قال انه كسر احتكار المشتقات النفطية وتوفير الاحتياجات الكافية منها للمواطنين ومحطات الكهرباء، ورافق الاجتماع حملات إعلامية ممولة تشيد بجهود رئيس الوزراء في مكافحة الفساد.
انقضى الاجتماع واستمرت الحملات الاعلامية المرافقة تتحدث عن معين عبدالملك الذي يواجه لوبيات الفساد ومراكز القوى لكن ما لم يتم الحديث عنه هو ان معين ذاته وجه خلال الشهرين بالشراء المباشر للمشتقات النفطية أربع مرات لتموين الكهرباء في عدن.
والشراء المباشر عادة ما يكون في حالة الضرورة ولكميات قليلة تغطي العجز الحاصل والطارئ لكن الكميات التي تم شراءها من قبل الحكومة كبيرة وتثبت حالة الارتباك والتخبط التي يدور في فلكها رئيس الوزراء الذي يعيش تحت الإقامة الجبرية المفروضة عليه من قبل الانتقالي.
ولأن معين عبدالملك فشل في كافة الملفات الملقاة على طاولته كرئيسا لمجلس الوزراء ذهب للبحث عن انتصارات وهمية وفتح معارك جانبية لإشغال الرأي العام وإلهائه، فقد جمع وزيري المالية والكهرباء والطاقة ومديرة شركة النفط في عدن والتقط الصور برفقتهم -وهذا هو الأهم- وذهب للحديث عن تشكيل لجان من الجهات ذات العلاقة للرقابة على المناقصات وإتاحة الفرصة لجميع التجار، بما يؤدي إلى إنهاء الاحتكار القائم والتلاعب بأسعار الوقود وافتعال الأزمات التي يعاني منها المواطنين حد زعمه، وما لم يدركه رئيس الوزراء أن سوق المشتقات النفطية محرر مرتين، مرة من بعد الانقلاب بحكم الأمر المواقع ومرة أخرى بتوجيهات رئيس الجمهورية في مارس 2018.
الاجتماع الذي حشدت له الكاميرات وهيء له الرأي العام كان يستهدف بدرجة رئيسية الشيخ احمد العيسي ومجموعته التجارية العاملة في مجال النفط منذ عقود، وقد سبق ونفت مجموعة العيسي أي استحواذ على سوق النفط وأبدت استعدادها للخضوع للمساءلة متحدية أي جهة إثبات أي تهمة من تلك التهم التي تسوقها المطابخ الإعلامية القذرة.
ويركز رئيس الوزراء اهتمامه على القضايا التي تقربه من الانقلابيين في عدن والتي من خلالها يقدم نفسه للسفراء والمهتمين بالشأن اليمني بأنه رجل المرحلة، وفي المقابل يستهدف رأس المال الوطني الذي انحاز للشرعية منذ الطلقة الأولى، ويأتي هذا الاستهداف خدمة للمشاريع المشبوهة ومحاولة لبناء مراكز قوى انتهازية تسخر امكاناتها لمشاريع الهدم والتمزيق.
وبالعودة الى الشراء بالأمر المباشر يكون رئيس الوزراء قد عطل عمل لجنة المناقصات وآلياتها المتبعة وهذا يتنافى مع معايير الشفافية والنزاهه التي تغنى بها معين عبدالملك ناهيك عن ادعاءه تحرير سوق المشتقات النفطية المحرر مرتين مرة بحكم الأمر الواقع منذ ٢٠١٥م والأخرى بحسب توجيهات فخامة رئيس الجمهورية في عام ٢٠١٨م.
ومنذ عام ٢٠١٥م وشركة مصافي عدن -المسؤولة عن المناقصات- تعلن عن مناقصات لسد احتياجات الكهرباء وتغطية السوق المحلية بالمشتقات النفطية، لكن معين عبدالملك وجه في ٢ ديسمبر ٢٠١٩م بشراء مشتقات نفطية بالأمر المباشر وتعتبر المرة الأولى منذ ٢٠١٥م التي تتم فيها شراء المشتقات النفطية بالأمر المباشر والتي تعد مخالفة لقانون المناقصات
واستمرت توجيهات رئيس الوزراء خلال أقل من شهرين بحسب ( صور العقود المرفقة) حيث كان الأمر الأول بتاريخ 2\12\2019م بشراء كمية 12 الف طن متري من مادة الديزل وبسعر 690 دولار أمريكي للطن الواحد من شركة تنهالة.
وكان الأمر الثاني بتاريخ 11\12\2019م بشراء كمية 15 الف طن متري من مادة المازوت بسعر 394 دولار أمريكي للطن الواحد وكذا كمية 18 الف طن متري من مادة الديزل وبسعر 630 دولار امريكي للطن الواحدمن شركة ASA.
والأمر الثالث بتاريخ 29\12\2019م بشراء كمية 25 الف طن متري من مادة الديزل وبسعر 625 دولار أمريكي للطن الواحد من شركة ASA.
والأمر الرابع بتاريخ 16\1\2019م بشراء كمية 10 الف طن متري من مادة الديزل وبسعر 680 دولار أمريكي للطن الواحد و 5 الف طن متري من مادة المازوت وبسعر 380 دولار امريكي للطن الواحد من شركة ASA.
وتسبب التوجيه بالشراء بالأمر المباشر في تكبيد خزينة الدولة خسائر بالعملة الصعبة فعلى سبيل المثال تسبب الشراء في 2 ديسمبر الماضي لكمية 10 الف طن من شركة تنهاله لاستيراد وتصدير المشتقات النفطية في تحمل الخزينة العامة مبلغ 600 الف دولار فارق السعر بين العرضين المقدمين من شركة تنهالة وشركة عرب قولف حيث قدمت الأولى عرض ب 690 دولار للطن الواحد وبفارق 60 دولار عن العرض التي تقدمت به شركة عرب قولف.
كما وجه رئيس الوزراء بتوقيف لجنة المناقصات وتشكيل لجنة جديدة تضم نفس الجهات الحكومية السابقة واستغرقت اللجنة الجديدة وقت طويل لاعداد آلية للمناقصات الجديدة حتى استنفذت الكهرباء الكميات وكذلك السوق المحلية.
وحاول رئيس الوزراء خلال شهري ديسمبر ويناير بإدخال شركات بديلة لسوق المناقصات النفطية لكنه فشل وكبد خزينة الدولة مبالغ طائلة، وتفاجأت لجنة المناقصات بوجود شركة جديدة من ضمن الشركات المتقدمة لمناقصة الكهرباء رقم ٨ لعام ٢٠١٩م، وهذه الشركة هي في الواقع شركة مواد غذائية ولم يسبق لها ان استوردت مشتقات نفطية وهي تابعة للتاجر طارق بازرعة الذي ينتمي لمحافظة رئيس الوزراء وقد تحدث بازرعة بصراحة مع لجنة المناقصات ان شركته مدعومة من رئيس الوزراء معين عبدالملك وفارس الجعدبي رئيس المكتب الفني باللجنة الاقتصادية، الأمر الذي يؤكد كلامه ضغوط رئيس الوزراء على اللجنة من أجل ارساء المناقصة على الشركة المذكورة.
وبالفعل رضخت اللجنة لضغوطات معين عبدالملك وقبلت عرض هذه الشركة بشرط توريد ٢ مليون دولار لضمان كون الشركة قادرة على توفير المشتقات النفطية وبالمواصفات المطلوبة، وتم إعطاء مهلة للشركة المذكورة لمدة يومين لتوريد مبلغ الضمان، وتم الضغط من قبل معين لزيادة المهلة خمسه ايام وبعد انتهاء المهلة تم اعلان فشل الشركة المذكورة وادخالها القائمة السوداء وارساء المناقصة على شركة عدن جولف.
وبحسب الوثائق فقد أوصت لجنة المناقصات في اجتماع عقدته بتاريخ 22 يناير الجاري بشراء المشتقات النفطية من شركة عرب قولف التابعة لمجموعة العيسي بعد فشل شركة ESC التي فازت بالمناقصة من توريد الشحنة المطلوبة في الوقت المحدد والإيفاء بالمواصفات المطلوبة.
وأقرت اللجنة الانتقال بإرساء المناقصة على شركة عرب قولف ووضع شركة ESC في القائمة السوداء نظرًا لإخلالها بالتزاماتها ولعدم تقديمها ضمان حسن تنفيذ في المهلة المعطاة لها وهذا يعد حسن سيرة وسلوك لشركة عرب قولف التابعة لمجموعة العيسي.
وكانت المناقصة رقم 8 لعام 2019 بخصوص توفير وقود محطات الكهرباء لمادتي الديزل والمازوت أرسيت على شركة ESC مقرها بدبي ويملكها تاجر مواد غذائية، وقد قدم عرضا للمازوت بسعر 255 دولار للطن، وهو يقل عن البلات ريت المحدد ب 331 دولار، وقدم الديزل Gas Oil بسعر 555 دولار للطن بينما سعر البلات ريت حوالي 588 دولار.
ويتحاشى معين عبدالملك الذي يتواجد بعدن بموجب اتفاق الرياض الحديث عن تمرد الانتقالي ورفضه الالتزام ببنود الاتفاق ومحاولاته تمييع النصوص والقفز الى الأمام، كما يتجنب الخوض في الملفات الحيوية والخدمية التي تمس حياة الناس ويشكل تواجده غطاء سياسي يستفيد منه الانتقالي في تثبيت تمرده وانقلابه على الدولة.
كما أن مواقف رئيس الوزراء باهتة في القضايا الرئيسة التي تمس حاضر ومستقبل اليمن ومنها على سبيل المثال ما تتعرض له جبهة نهم من هجوم شرس يستعدي احتشاد الحكومة لمواجهة هذا العدوان الغاشم.