ستمر الشهادات حول إعدام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في الخروج للعلن تباعا مع حلول ذكرى الإعدام كل عام، ورصدت العديد من الكتب، حادثة إعدام الرئيس العراقي الراحل ومن بينها كتاب (سجين في قصره)، و فيه تفاصيل تروى من منفذي إعدامه.
ويروي الكتاب، وهو من تأليف الضابط الأمريكي، ويل باردنويبر، وطرح في عام 2017، الساعات الأخير من حياة صدام حسين، فيقول “كان واحدا من أبرد الصباحات التى شهدها السوبر اثنا عشر فى العراق، مع انخفاض درجة الحرارة إلى 15 درجة مئوية فى ساعات ما قبل الفجر… بعد رحلة قصيرة بالمروحية فوق بغداد النائمة، تلتها رحلة سريعة أخرى على متن الراينو المصفحة، سلم الجنود المدججون بالسلاح، الذين تطلبت مهمتهم ضمان سلامة ورفاه الرئيس السابق صدام حسين إلى مصيره النهائي”
وتابع الكتاب: “من سخرية القدر أن الإعدام كان سينفذ فى مقر الاستخبارات العسكرية القديم، الذى يقال إنه كان يحوى غرف تعذيب عانى فيها “أعداء الدولة” المفترضين ألوان العذاب فى ظل حكم صدام، كانت الإجراءات الأمنية مشددة، مع طوق أمني محيط، أمنه لواء أمريكى، وبحر من رجال الأمن العراقيين، الذين كانوا يسيطرون على المنطقة المحيطة مباشرة بموقع المشنقة. أعطيت للأمريكيين أوامر صارمة بعدم دخول الموقع، لأنها اعتبرت عملية عراقية بحتة”.
وأضاف:”عند خروج صدام من العربة المصفحة الضخمة، بدأ تصميمه يشتد مع كل درجة ينولها، كما لو أنه كان يرغم نفسه على قبول مصيره برباطة جأش، متسلحا باعتقاده الراسخ الفخور بأنه كان يموت من أجل بلده”.
وأردف الكتب: “انتظر الحراس الاثنا عشر خارج مبنى المشنقة الضعيف المشيد من ألواح معدنية تشبه الصفيح، والمفتوح جزئيا إلى الخارج كالحظيرة، لم يكن باستطاعة الجنود رؤية المشنقة بشكل مباشر من موقعهم، ولكن كان بوسعهم رؤية ظلال شبحية للمنصة المرتفعة والحبل المتدلي منها”.
وأشار الكتاب إلى أن “موفق الربيعى، مستشار الأمن القومى للعراق، هو من تسلم صدام حسين، وهو من كان مسؤولا عن إدارة عملية الإعدام، كان ذات يوم عضوا في حزب الدعوة الشيعي العراقي، وهو نفس الحزب المسؤول عن محاولة اغتيال صدام في الدجيل، والتي أثارت الرد الفظيع الذي حوكم صدام وحكم عليه بالموت بسببه. وقيل إن الربيعى نفسه تعرض للتعذيب مرارا على يد أجهزة صدام الأمنية، قبل هروبه إلى العاصمة البريطانية لندن فى 1979، وبقائه فى المنفى حتى 2003”.
وتسلم “الربيعي” صدام حسين المكبل من الأمريكيين، وقاده إلى غرفة، حيث قرأ قاض بصوت عال لائحة الاتهامات عليه، وكان صدام يحمل قرآنه وبدا للربيعى “طبيعيا ومسترخيا”، ولم يبد أية علامات على الندم بينما كانت الاتهامات تقرأ عليه، ثم بعد ذلك قاده الربيعى إلى المشنقة.
وكشف كتاب “سجين في قصره” لويل باردنويبر، أيضا أن “حراس صدام حسين، كانوا يجلسون ويضحكون معه في زانزنته، عندما كان يروي قصصا لهم عن معاقبة ابنه عدي، بإشعال النيران في جميع سياراته الرياضية باهظة الثمن، وذلك لقتله الأخ غير الشقيق لصدام، إل جانب حشد من العراقيين الأبرياء”.
وقال مؤلف الكتاب، الضابط الأمريكي، ويل باردنويبر، إن صدام كان يستمتع كثيرا بالجلوس على كرسي صغير خارج الزنزانة وأمامه مائدة صغيرة عليها علم عراقي صغير، يكتب عليها، ويدخن السيجار الكوبي الفاخر، وأثناء ذلك كان يمازح الحراس، ويقول إنه يمارس الرياضة للقفز من على أسوار سجنه كالغزال، ويضحك على نكاتهم، ويبدي اهتماما بهم، ويستمع للراديو، وأغاني المطربة الأمريكية ماري بليج”.
ونقل أحد الحراس شهادته عن صدام، كما جاء في الكتاب، قائلا: “كنت على قناعة بأنه لو استطاع أنصاره الوصول إليه من أجل تحريره، فلن يلحق بنا الأذى، فقد كنا على علاقة جيدة معه”.
وأكد أن “صدام كان يذهب إلى مقر محاكمته ليس للدفاع عن نفسه، ولكن ليلقي الضوء على الإرث الذي تركه، وكأنه يوجه كلامه لمن سيأتي بعد ذلك ليكتب التاريخ، وكانت نتيجة المحاكمة شبه محسومة، والكل كان على يقين تقريبا بأنه يواجه الموت، لكن عندما كان يعود من جلسات المحاكمة كان يعود إلى شخصيته المعهودة، ويتصرف كأنه بمثابة جد للحراس”.
وأشارت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، في تقرير لها، إلى أن أصغر حراس صدام عمرا، آدم روجرسون، الذي كان يبلغ وقتها 22 عاما فقط، والذي أجرى مقابلة عام 2008، قال فيها: “كان يوما حزينا، بعد توقف الضجيج والصخب عرفنا أننا في المنطقة المحصنة الآمنة، وأنه لن يأتي أحد لأخذ صدام. وقبل أن يسير إلى غرفة الإعدام توجه إلينا وودعنا وقال: كنتم جميعا بمثابة أصدقاء. بكى بعض الحراس أما هو فقد كان حزينا. كانت لحظات غريبة، تعاركت مع الآخرين ونجوت من العبوات الناسفة، لكن لم أكن مهيأ لمواجهة وضع كهذا”.
وأضاف: بعد دخوله سمعنا بعض الضجيج وتلاه صراخ بعدها سمعنا صوت سقوط شيء على الأرض. بعدها شاهدته محمولا على الأكتاف، كما قام البعض بالبصق عليه وركله وسمعنا صوت إطلاق نار. كانت لحظات مشحونة للغاية، كانت مهمتنا حماية شخص وجرى تدريبنا على ذلك، وبعدها تقوم بتسليم الشخص الذي كنت تحميه كي يقتله الآخرون، ويتعرض للركل، ويبصق عليه بعد موته. شعرت بالاحترام نحوه بعد موته”.
ولفت في ختام مقابلته إلى أنه: “جرت محاكمة صدام على الجرائم التي اقترفها وصدر الحكم عليه ولا اعتراض لدي على ذلك ولا أقول إنه لم يستحق ذلك الحكم، لكن الأمر ليس سهلا بالنسبة لشخص في الثانية والعشرين من العمر فقط، ربما لم أكن مهيئا لذلك. ورغم أنني لم أكن الشخص الذي ارتطمت جثته بالأرض، لكن أحيانا أتخيل نفسي أعيش نفس التجربة حتى الآن”.
يشار إلي أن حكم إعدام صدام حسين نفذ فجر يوم السبت 30 ديسمبر 2006 في بغداد، الموافق لأول أيام عيد الأضحى، وتمت عملية الإعدام في مقر الشعبة الخامسة في منطقة الكاظمية.
ودفن صدام حسين في مسقط رأسه بالعوجة في محافظة صلاح الدين في مدينة تكريت، حيث قامت القوات الأمريكية بتسليم جثمانه لعشيرته من المحافظة، ودفن فيما يعرف حاليا بضريح صدام حسين، وأقام أهله وأقاربه عليه مجالس العزاء.