تواجه الحكومة البريطانية ووزارة الدفاع اتهامات بالتستر على ارتكاب القوات البريطانية جرائم قتل مدنيين ترقى إلى جرائم الحرب في أفغانستان والعراق قبل سنوات.
وأجرت بي بي سي بانوراما وصحيفة التايمز تحقيقا استقصائيا والتقيا مع 11 محققا بريطانيا أكدوا جميعا العثور على أدلة موثوقة تشير إلى ارتكاب القوات البريطانية جرائم حرب.
و من جانبها رفضت وزارة الدفاع البريطانية الاتهام “الذي لا أساس له” بوجود اتجاه لديها بالتستر على هذه الجرائم.
وصرح وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب، لبي بي سي بأنه “يجري النظر في جميع الاتهامات التي تحتوي على أدلة”.
وقال إنه تم انتهاج حالة من “التوازن الصحيح” بشأن اتخاذ القرارات المتعلقة بالتحقيق في جرائم الحرب المزعومة من عدمه، حتى لا نثير شكوكا حول من خدموا الوطن.
جاءت الأدلة الجديدة من داخل فريق الاتهامات التاريخية في العراق (IHAT)، الذي شكلته الحكومة البريطانية عام 2010 للتحقيق في جرائم حرب مزعومة ارتكبتها القوات البريطانية أثناء احتلال العراق في 2003، وكان هناك أدلة أيضا من عملية نورث مور Operation Northmoor، التي حققت في جرائم حرب مزعومة في أفغانستان.
وكانت الحكومة البريطانية قد قررت إغلاق فريق الاتهامات التاريخية في العراق وعملية نورث مور في أفغانستان، بعد إيقاف عمل محامي حقوق الإنسان البريطاني فيل شاينر، الذي قدم أكثر من ألف حالة انتهاك وقتل من العراق إلى فريق التحقيق في الاتهامات التاريخية.
وجاءت إجراءات الحكومة البريطانية ضد المحامي شاينر بعد مزاعم عن تورطه في دفع أموال لوكلاء في العراق للعثور على زبائن يوكلونه لرفع قضايا لهم في بريطانيا.
واتهم المحققون السابقون في فرق العراق وكذلك في عمليات نورث مور الحكومة البريطانية باستغلال تصرفات شاينر كذريعة لإغلاق التحقيقات الجنائية. ولم تسفر أي من الحالات التي حقق فيها الفريقان عن مقاضاة المتهمين.
وقال محقق من فريق التحقيق في العراق لبي بي سي بانوراما: “لا تعتزم وزارة الدفاع مقاضاة أي جندي مهما كانت رتبته، ما لم تكن هناك ضرورة ملحة لهذا ولا يمكنها الهروب من مثل هذا الإجراء.”
وقال محقق سابق آخر إن ضحايا جرائم الحرب تعرضوا لخذلان شديد: “أنا أستخدم كلمة مثير للاشمئزاز. وأشعر بهذه العائلات التي لم تحصل على العدالة. إذا كيف يمكن أن ترفع رأسك و تعتز بأنك مواطنا بريطانيا؟ ”
أعادت بي بي سي بانوراما فحص الأدلة في عدد من حالات جرائم الحرب المزعومة. كان من بينها مقتل شرطي عراقي على يد جندي بريطاني كان في دورية في البصرة عام 2003، وحقق فيها فريق الاتهامات التاريخية في العراق.
وبحسب الأدلة تم إطلاق النار على الشرطي العراقي رائد الموسوي، في زقاق أثناء مغادرته لمنزله في البصرة وتوفي متأثرا بجراحه. وتم التحقيق في الحادث وقتها من جانب الميجور كريستوفر سوس-فرانكسن، القائد المباشر للجندي البريطاني الذي أطلق النار.
وخلال 24 ساعة فقط انتهى التحقيق، وخلص الميجور كريستوفر إلى أن إطلاق النار كان قانونيا نظرا لأن الشرطي العراقي هو من أطلق النار أولا مما اضطر الجندي البريطاني للرد دفاعا عن النفس.
وكتب في تقريره أيضا أن جنديا بريطانيا أخر شاهد الواقعة وأكد على أن الشرطي العراقي هو من بادر بإطلاق النار أولا.
قضى محققو الفريق عامين في التحقيق في القضية وأجروا مقابلات مع 80 جنديا بريطانيا، بمن فيهم الجندي الذي من المفترض أنه شاهد الواقعة وأدلى بشهادته حول إطلاق الشرطي العراقي النار أولا. لكنه اعترف للمحققين أنه لم يكن في الموقع وبالتالي لم يشاهد ما حدث.
وفي شهادته أمام فريق المحققين رفض الجندي البريطاني الشاهد ما جاء في تقرير الميجور كريستوفر، وقال “هذا التقرير غير دقيق ويعطي انطباعا بأنني كنت شاهد عيان. هذا غير صحيح”.
وقال الجندي في شهادة جديدة إنه سمع طلقة واحدة فقط، ما يشير إلى أن الشرطي العراقي لم يطلق النار على الإطلاق وأن الرصاصة الوحيدة أطلقها الجندي البريطاني، وهو ما أكده أيضا شهود أخرون التقى بهم المحققون.
وخلص المحققون إلى أنه يجب محاكمة الجندي الذي أطلق النار على رائد الموسوي لأنه قتل شرطيا عراقيا، كما يجب إدانة الميجور كريستوفر بتهمة التستر على ما حدث. لكن النيابة العسكرية لم تقدم أحدا إلى المحكمة.
وقال محامي الميجور فرانك سوس-فرانكسن: “لم يطلع موكلي على الأدلة الجديدة لفريق المحققين ولا يمكنه التعليق على جودة أو موثوقية الأدلة التي جمعها هذا الفريق أو حتى سبب عدم كفايتها لمحاكمة أي جندي بموجب قوانين المملكة المتحدة.”
جرائم في أفغانستان
أنشأت الحكومة البريطانية عملية نوث مور في عام 2014، وحققت في 52 عملية قتل غير قانونية مزعومة قام بها جنود بريطانيون في أفغانستان.
وأعلنت الحكومة إغلاق هذه العملية قبل أن يتمكن محققو الشرطة العسكرية الملكية حتى من مقابلة الشهود الأفغان الرئيسيين.
قال أحد المحققين في نورث مور: “لا يجب أن ألغي مهمة تحقيق حتى أتحدث إلى الطرفين. إذا كنت تلغي مهمة وكل ما حصلت عليه هو تقرير بريطاني فقط عن ما حدث، فكيف نطلق على هذا مسمى تحقيق؟”
وأضاف “رأيي هو أن كل واحد من هؤلاء القتلى يستحق أن يتم التحقيق في حالته وأن تتم الإجراءات القانونية الواجبة”.
وقالت وزارة الدفاع إن العمليات العسكرية تتم وفقا للقانون وكان هناك تحقيقا واسع النطاق في هذه المزاعم.
وقال متحدث باسم الوزارة لبي بي سي إن “التحقيقات وقرارات الملاحقة القضائية مستقلة تماما عن الوزارة وكان هناك إشراف خارجي ومشورة قانونية.”
وأضاف “بعد دراسة متأنية للحالات المحالة، قررت هيئة النيابة العامة للخدمة العسكرية في وزارة الدفاع وهي مستقلة وقف التحقيق وعدم تقديم أحد إلى المحاكمة”.
وأكد المتحدث البريطاني أن الاتهامات التي خلصت إليها بي بي سي، تم نقلها إلى شرطة الخدمة بوزارة الدفاع وسلطة النيابة العامة وهما منفتحتان على التحقيق في هذه المزاعم”.
وردا على سؤال حول ما أثارته بي بي سي بانوراما، قال وزير الخارجية دومينيك راب، إن بريطانيا تريد “إجراء محاسبة متى كان هناك مخالفات”.
وقال راب: “ما نقوم به بحق هو التأكد من أن الادعاءات الزائفة أو تلك التي بدون دليل لا تؤدي إلى إثارة الريبة، وإلقاء غمامة من الشكوك حول هؤلاء الذين خدموا بلادهم لسنوات متتالية، وقد توصلنا بالفعل إلى حالة التوازن الصحيح”.
وقد رفض وزير الخارجية الكشف عن ما إذا كانت هذه الادعاءات جديدة بالنسبة له أم لا، وقال إن سلطات الملاحقة القضائية للقوات المسلحة البريطانية تعد واحدة من “أكثر الجهات صرامة في العالم”.
على صعيد أخر، رفضت محامية تمثل العديد من الجنود الذين خضغوا للتحقيق في ارتكاب جرائم جميع الاتهامات ووصفتها بأنها “معيبة ولا أساس لها ومنحازة”.
وقالت هيلاري ميريديث، رئيسة مكتب محاماة هيلاري ميريديث، إن هذه المزاعم تشوه سمعة “جنودنا الشجعان”، وإنها محض افتراء.
وأضافت: “لقد تم استبعاد المحامي فيل شاينر، الذي كان العقل المدبر للمزاعم الكاذبة التي لا حصر لها، وحرمانه من ممارسة المحاماة لسبب وجيه، لقد أُدين بتهم منها خيانة الأمانة بشأن روايات زور زائفة عن تصرفات جنود بريطانيين”.
يعرض برنامج بانوراما استقصائي “فضيحة جرائم الحرب” على بي بي سي وان في الساعة 21:00 بتوقيت غرينتش يوم الاثنين 18 نوفمبر/تشرين ثاني.