الأزمة الاقتصادية في دبي تتفاقم.. سياسات خاطئة وهروب مستثمرين

محرر 22 أكتوبر 2019
الأزمة الاقتصادية في دبي تتفاقم.. سياسات خاطئة وهروب مستثمرين

تعيش إمارة دبي، بوابة دولة الإمارات على مدار السنوات الماضية، وأشهر مدنها عالمياً، أسوأ أيامها الاقتصادية؛ بسبب تدخلات أبوظبي في سياسات عدة دول في المنطقة العربية، تزامناً مع انخفاض أسعار النفط، ما جعل دبي تواجه مشكلات متصاعدة.

خوف المستثمرين نتيجة السياسات الخاطئة في البلاد جعل خسائر دبي ليست في مجال اقتصادي واحد، بل تعددت ليخيم الركود على الأسواق العقارية والبورصة والمصارف وبناء المشاريع العملاقة والمهرجانات الدولية.

انكماش عقاري

وتعيش الإمارة، القائمة على اقتصاد الأبراج وناطحات السحاب، معاناة من حالة الانكماش المستمرة منذ قرابة خمس سنوات دون انفراجة تبدو قريبة، في ظل تحذيرات من حركة تصحيح قد تضر بالمطورين الأصغر حجماً في السوق.

وذكرت وكالة “فرانس برس” أن مطوري العقارات في الإمارة لجؤوا إلى تخفيض الأسعار وتقديم تمويل سهل للغاية لجذب المشترين، في الوقت الذي تعمل فيه حكومة دبي على تقديم الحوافز والقوانين لمحاولة إنعاش القطاع الحيوي.

وقالت الوكالة، في تقرير لها نُشر الاثنين (30 سبتمبر 2019): إن “حكومة دبي تعول قبيل معرض إكسبو 2020 لتحقيق مكاسب اقتصادية، وخلق نحو 300 ألف فرصة عمل، لكن الإعلان عن مئات المشاريع العقارية في السنوات الأخيرة أدى إلى زيادة في العرض وتراجع في الأسعار”.

وأضافت أن السلطات سارعت إلى اتخاذ خطوات لدعم هذا القطاع بداية من عام 2018؛ عبر الإعلان عن سلسلة إجراءات من بينها شروط سهلة للتأشيرات وتأشيرات إقامة دائمة للمستثمرين الكبار، كما أسست هيئة رفيعة للعمل على إعادة التوازن إلى السوق التي تعاني من فائض في المعروض.

من جانبها قالت وكالة “ستاندار أند بورز” للتصنيف الائتماني: إن “قطاع العقارات، الذي يشكل 7.2% من اقتصاد دبي، قد لا يحقق مرحلة الاستقرار قبل حلول عام 2021”.

فيما اعتبر بي إن سي مينون، رئيس مجلس إدارة مجموعة “شوبا” العقارية، أنه “على مدار فترة من الزمن سيحدث بعض التصحيح” الذي سيكشف عن الأقوياء والضعفاء في مجال العقارات، مؤكداً أن هذه العملية ستترك فقط الشركات الأقوى موجودة ثلاث أو أربع سنوات، بحسب “أ ف ب”.

ولم تكن مجموعة “شوبا” هي الوحيدة في ذلك، فقد عرضت العشرات من شركات العقارات المحلية والدولية المشاركة في مؤتمر “سيتي سكيب” العقاري في دبي، شروطاً غير مسبوقة للدفع من أجل تعزيز العمل؛ حيث يطلب من المشترين دفع 5% من إجمالي قيمة العقار مقارنة بـ 25% منها في السابق، ويتاح لهم دفع الباقي على مدار 10 سنوات أو أكثر بشكل مباشر إلى المطور، دون الحاجة إلى رهن بنكي.

ويكشف حجم اليأس في سوق دبي أن المطورين يعرضون أيضاً تغطية رسوم التسجيل في البلدية، والتي تبلغ 4% من سعر العقار، خصوصاً أن ملكية العقارات في دبي متاحة أمام الأجانب من الزوار والمقيمين لأهداف سكنية أو استثمارية.

ومنذ منتصف عام 2014 انخفضت أسعار العقارات والإيجارات في دبي فاقدة نحو ثلث قيمتها، كما انخفضت قيمة التبادلات العقارية بنسبة 21.5%، إلى 60.7 مليار دولار العام الماضي، بحسب أرقام حكومية.

وكشف البنك المركزي الإماراتي عن انخفاض أسعار العقارات بنسبة 5.8% في الربع الثاني من عام 2019، في تراجع للربع الحادي عشر على التوالي، وفق الوكالة الفرنسية.

وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني ذكرت أيضاً، يوم الثلاثاء (24 سبتمبر الجاري)، أن “بعض المشاريع العقارية التي بدأت قبل انخفاض الأسعار تواجه تأخيرات كبيرة؛ حيث تتم إعادة هيكلة القروض بشكل متزايد، معظمها من خلال تمديد الأجل، في حين قام بعض المطورين بتعليق المدفوعات للمقاولين”.

وتابعت: “لم تتعاف البنوك تماماً من الأزمة العقارية التي ضربت دبي في 2010″، مشيرة إلى أن “قروض البنوك في المرحلة الثانية والمرحلة الثالثة مرتفعة بالفعل (التي أعيدت هيكلتها)؛ حيث بلغ متوسطها بين 15 و20% من إجمالي القروض، ومن المرجح أن تزداد”.

وأشارت إلى ارتفاع وتيرة إعادة هيكلة القروض في القطاع العقاري والمقاولات والقطاعات الأخرى ذات الصلة؛ ما يدل على ضعف جودة الأصول، معربة عن توقعها بإعادة هيكلة نسبة كبيرة من القروض البالغة 23 مليار دولار المقدمة إلى الكيانات المرتبطة بحكومة دبي المالكة، التي تستحق حتى نهاية 2021.

ويبدو أن ارتفاع تكلفة المعيشة في دبي التي يعيش فيها نحو 3.3 ملايين شخص، أكثر من 90% منهم من الأجانب، من العناصر الأساسية في خفض الطلب.

في حين صُنفت دبي في المركز الـ26 بين أغلى الأماكن للإقامة عالمياً، خصوصاً بما يرتبط بالأجانب، حيث تأتي في المركز الثاني بعد تل أبيب (عاصمة دولة الاحتلال الإسرائيلي) في الشرق الأوسط، بحسب شركة “ميرسر” الأمريكية.

توقف مشاريع عملاقة

تلك المشكلات التي ضربت العقار ليست وحيدة، بل طالت مشاريع حكومية يتم التحدث عن أهميتها وفائدتها الاقتصادية منذ سنوات.

وفي نهاية أغسطس 2019، نقلت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية للأنباء عن مصادر مطلعة أن دولة الإمارات أوقفت العمل في بناء مطار “آل مكتوم” الدولي في إمارة دبي؛ من جراء تراجع أداء اقتصادها، مؤكدة أنه “تم تجميد التمويل حتى إشعار آخر”.

من جهتها قالت مؤسسة مطارات دبي، في بيان للوكالة، إنها تراجع الخطة الرئيسية طويلة المدى لمشروع المطار الذي كان من المفترض أن يكون من بين أكبر المطارات بالعالم، وإن “الجدول الزمني الدقيق وتفاصيل الخطوات التالية لم يتم الانتهاء منها حتى الآن”.

يشار إلى أنه تم تأجيل الموعد الذي كان محدداً لافتتاح المرحلة الأولى من المطار، والتي تصل تكلفتها إلى 36 مليار دولار، 5 سنوات إلى 2030.

يذكر أن أحدث مطار في دبي، والمعروف باسم “دبي وورلد سنترال”، افتُتح في 2013، لكنه يخدم 11 شركة طيران فقط حتى الآن، بحسب موقعه على الإنترنت.

ورغم أن طاقته الاستيعابية زادت خمس مرات إلى 26.5 مليون راكب في العام الماضي، بعد انتهاء العمل في مبنى الركاب، فإن عدد العملاء الذين يخدمهم المطار حتى الآن يبلغ 900 ألف راكب فقط سنوياً.

ركود السوق

انخفاض أسعار النفط، وضعف سوق العقارات، أسهما في معاناة اقتصاد تجارة التجزئة الذي يسهم في 27% من ناتج دولة الإمارات المحلي، والذي يتركز بشكل أساس في إمارة دبي.

وكالة “رويترز” قالت في تقرير لها بيوليو 2019، إن “متسوقي دبي الموسرين يشدون الأحزمة”، مشددة على أن مراكز التسوق الضخمة التي تحظى بالإقبال، مثل مول الإمارات، الذي يضم منطقة تزلج داخلية، ومول دبي، المعروف بنوافيره الراقصة، فيها الكثير من المتاجر الخالية، كما ترتفع معدلات تغير المستأجرين.

وتسبب تطبيق ضريبة قيمة مضافة بنسبة 5% العام الماضي، وضعف ثقة المستهلكين باقتصاد حقق نمواً بنسبة 1.94% في 2018، وهي أدنى وتيرة منذ 2009، في إلحاق الضرر بتجار التجزئة.

وقال باترك شلهوب، الرئيس التنفيذي لمجموعة “شلهوب” في دبي، التي لديها مشاريع مشتركة مع علامات فاخرة مثل “لويس فيتون” و”ديور وسواروفسكي”: إن الشركة أغلقت متاجر أكثر بـ30% عما فتحته في 2018 في الإمارات، مؤكداً أن “الدخل المتاح للإنفاق لدى الناس أقل”.

وفي يونيو، خفض تجار الجملة والتجزئة الأسعار للشهر الـ14 على التوالي، وفقاً لمؤشر بنك الإمارات دبي الوطني لرصد اقتصاد الإمارة. وتباطأت على وجه الخصوص مبيعات السيارات والحلي الذهبية والإلكترونيات.

وتشير تقارير صحفية إلى خروج أكثر من 180 شركة متوسطة وصغيرة من السوق الإماراتية منذ بداية عام 2017، بسبب التبعات والخسائر المتوقعة بعد فرض ضريبة القيمة المضافة في الدولة بداية عام 2018.

وأكد وكيل وزارة المالية الإماراتية، يونس حاجي الخوري، أن “التأثير المباشر سيكون على الشركات الصغيرة والمتوسطة”، نافياً استثناء أي قطاع منها، حسبما ذكرت صحيفة “الإمارات اليوم” (12 ديسمبر 2017).

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق