شكّل هجوم الطيران الإماراتي على مواقع وتعزيزات للجيش اليمني بمحافظتي عدن وأبين في أغسطس/ آب الماضي لحظة فارقة في مسار التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن من حيث وضوح أجندة الإمارات التي تتهمها الحكومة اليمنية بأنها حرفت بوصلة التحالف عن هدف استعادة الدولة، ودحر الانقلاب الحوثي.
وبقدر ما أبانت الأحداث الأخيرة في جنوبي اليمن عن أهداف الإمارات، الداعمة للمجلس الانتقالي الجنوبي (انفصالي)، وما يتبعها من مجموعات عسكرية غير منضوية في إطار الجيش والحكومة، بقدر ما كشفت أيضًا عن شرخ كبيرة في العلاقة بين السعودية، قائدة التحالف، والإمارات، التي تمتلك أهدافًا خاصة بعيدًا عن التحالف.
واعتبرت الحكومة اليمنية ما جرى الشهر الماضي انقلابًا جديدًا على الدولة والشرعية في عدن، بعد انقلاب جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) بالعاصمة صنعاء، في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، الذي دفع الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى استدعاء التحالف.
ولا تجد الإمارات حرجًا في تمويل مجموعات عسكرية تسعى لفصل جنوب اليمن عن شماله، تحت ذرائع متعددة، منها إضعاف حزب الإصلاح الإسلامي، فيما ترى الحكومة أن هذه رغبة إماراتية.
ومنذ 26 مارس/ آذار 2015، ينفذ التحالف عمليات عسكرية في اليمن؛ دعمًا للقوات الموالية للحكومة، في مواجهة الحوثيين، المدعومين من إيران.
بداية الانحراف:
رأى وكيل وزراة الإعلام اليمنية، د. محمد قيزان، أن “انحراف الإمارات عن أهداف التحالف العربي بدأ مبكرًا وظهر عبر الفرز المناطقي ودعمها وإبرازها لعناصر محددة على الساحة، واتضح أكثر بإصرارها على إقالة وإبعاد قادة المقاومة الوطنية الحقيقيين من السلطة المحلية في عدن ومحاولة تصفيتهم”.
وتابع قيزان للأناضول أن “الإمارات منعت الرئيس هادي والبرلمان والحكومة من العودة إلى عدن (العاصمة المؤقتة) وممارسة صلاحيتهم، وتوجت ذلك باحتلال المطارات والموانئ ومنع تصدير النفط والغاز والزج بالعشرات من شباب المقاومة في سجون سرية وتعذيبهم”.
تقويض واغتيالات:
وفق عبد الرقيب الهدياني، صحفي يمني جنوبي، فإن “الإمارات جاءت إلى اليمن بأجندة خاصة بها تختلف تمامًا عن هدف مشروع استعادة الدولة ودحر الانقلاب، وبدأت تنفيذها منذ اليوم الأول لتحرير عدن، في يوليو (تموز) 2015، حين قامت ببناء أذرع أمنية وعسكرية خارج إطار الحكومة، وقوضت مؤسسات الدولة، وحاربت كل من ينتمي لمشروع الدولة”.
وأضاف الهدياني للأناضول أن “الإمارات عملت في ثلاثة اتجاهات هي: صناعة سلطات موازية (مجموعات عسكرية ومجلس انتقالي)، وتقويض مؤسسات الدولة ومحاربة وتجريف كل رموز الشرعية ومكوناتها، وإبعاد وإزالة كل المناوئين لمطامعها الذين يمكن أن يكونوا حجر عثرة في طريقها، وتنفيذ اغتيالات واستئجار مرتزقة من شتى بقاع العالم وفتح السجون، لتبني مشروعها الخاص”.
القرن الإفريقي:
متفقًا مع الهدياني، قال عبد السلام محمد، رئيس مركز أبعاد للدراسات والبحوث، إن “استراتيجية الإمارات تتركز في السيطرة على الموانئ والتواجد في الساحل الغربي على الضفة الأخرى من منطقة القرن الإفريقي، التي تمتلك فيها قواعدًا عسكرية”.
ومضى محمد قائلًا للأناضول إن “من أهداف الإمارات أيضًا إضعاف حزب الإصلاح وضرب القوى الحية للربيع العربي، ومنها الجيش الوطني”.
وتابع: “لدى الإمارات استراتيجية أبعد من ذلك، وهي إيذاء السعودية (جارة اليمن) والتواجد بالقرب منها ودفعها إلى صراعات، فهي ترى أن تفكيك السعودية يساعدها على السيطرة على سوق النفط والغاز بالمنطقة، لتكون الإمارات قوة إقليمية خاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب كحليف للولايات المتحدة”.
وتحدث محمد عن “موجات من دعم إماراتي للتمرد في عدن منذ 2015، وتصاعد الأمر بتمرد يناير (كانون ثانٍ) 2018، لتكتمل الموجة الثالثة في أغسطس (آب) 2019 بضرب الجيش بالطيران واتهامه الإرهاب”.
أطماع إماراتية:
كثيرًا ما تحدث ساسة وقادة يمنيون عن طبيعة الأجندة الإماراتية، غير أن وكيل وزارة الإعلام قيزان رأى أن “الهدف الواضح الذي تتبناه الإمارات وتعلنه عبر وسائلها الإعلامية الرسمية هو إعادة تشطير اليمن، ودعم العناصر الانفصالية بالسلاح والمال، واحتلال محافظات مثل سقطرى (جنوب في المحيط الهندي)، واتخاذها قاعدة عسكرية لها، والسيطرة على الموانئ البحرية وتعطيلها وتدميرها؛ فهي تعتقد أنها ستؤثر سلبًا على موانئها وحركتها التجارية”.
فيما اتهم الهدياني الإمارات بـ”تعطيل هدف استعادة الشرعية ودحر الانقلاب.. في السنة الخامسة لم تتمكن الشرعية حتى من (إدارة) المناطق المحررة (من الحوثيين)”.
واستطرد: “مشروع الإمارات وأهدافها هيمن وفرض واقعًا آخر ظهر في عدن ومحافظات أخرى، وعطلت الجبهات ومنعت التقدم نحو تحرير صنعاء، وضربت قوات الجيش بزعم أنها ضربات خاطئة”.
أما محمد فرأى أن “الإمارات تريد أن تتواجد في اليمن تحت عنوان مكافحة الإرهاب، وأوقفت العمليات العسكرية عند الحدود الشطرية، بعد تحرير المحافظات الجنوبية، وبدأت في تشكيل مليشيات تتبع المجلس الانتقالي ليكون لها جيشًا”.
وأردف بقوله: “كما دعمت طارق صالح (نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبد الله صالح) في الساحل الغربي، للسيطرة على الشريط ما بين ميناء الحديدة وميناء المكلا وحتى امتداد المهرة قرب عمان، لتتمكن من السواحل والجزر والموانئ والمطارات.. وهي بذلك أفصحت عن أهدافها ودخلت في مواجهة ليس مع اليمن فقط، وإنما أيضًا مع التحالف بقيادة السعودية”.
مواجهة التغول الإماراتي:
لفت قيزان إلى أن “الرئاسة اليمنية والحكومة والخارجية والأحزاب السياسية عبروا بوضوح عن رفضهم لممارسات الإمارات الداعمة لمشاريع تمزيق اليمن ونسيجه الوطني والمجتمعي، ودعوا الشقيقة السعودية إلى حل المشكلة، وتصحيح مسار التحالف، وإنهاء دور الإمارات التي لم تعد شريكًا، بل عدوًا”.
وتابع: “وفي حالة رفض الإمارات، فليس أمام الحكومة سوى خيار الدفاع عن السيادة الوطنية بقطع علاقتها مع الإمارات وإعلانها دولة محتلة يجب مواجهتها بكل السبل الممكنة، وأيضًا مقاضاتها في المحاكم الدولية، وفتح ملفات الانتهاكات والجرائم المرتكبة بحق أبناء شعبنا في المحافظات الجنوبية”.
ورأى أنه “بيد الحكومة الكثير من الأوراق لمواجهة تغول الإمارات، أولها الحالة الشعبية في المحافظات الجنوبية، التي أصبحت طاردة للإمارات وأدواتها.. لا شيء يمنع الجيش من دخول عدن سوى طيران الإمارات وعدم جدية السعودية في إنهاء التغول الإماراتي.. طردنا بريطانيا العظمى، فكيف بدويلة طارئة لا جذور لها (؟!)”.
الإمارات جنوبًا وإيران شمالًا:
وفق قيزان فإن “مستقبل اليمن في ظل بقاء الإمارات في التحالف أو خروجها منه غير واضح المعالم وتتنازعه أطماع متعددة”.
وأعرب عن أسفه لـ”التوقف غير المبرر للتقدم على جبهات القتال ضد جماعة الحوثي بعد خمس سنوات من انطلاق عاصفة الحزم (عملية التحالف)، وتحرير نحو 80 بالمئة من الأراضي اليمنية، لتطفو الأزمة مع الإمارات، إضافة إلى ظهور تصدع في الجبهة الداخلية المساندة للشرعية”.
وحذر من أن “هذه الأمور خطيرة ويجب وضع حلول عاجلة لها، لضمان تحقيق أهداف التحالف، وعلى رأسها استعادة الدولة والحفاظ على وحدة الأراضي اليمنية”.
وشدد على أنه “إذا لم يحدث ذلك فسيخسر الجميع، وسيستفيد الحوثي وإيران، وستتدخل عوامل أخرى في المنطقة ليست في صالح اليمن ولا دول الخليج العربي”.
وأفاد بوجود “خيبة أمل بين اليمنيين الباحثين عن مخرج لإنهاء معاناتهم.. يجب على قيادة الشرعية إعادة تقييم الموقف جديًا وإجراء إصلاحات شاملة في الحكومة، خاصة في المجالات العسكرية والدبلوماسية والإعلامية والحقوقية والخدماتية، ليتحسن الأداء، ولتتوحد الجبهة الوطنية لمقاومة الانقلاب الحوثي”.
وشدد الصحفي الهدياني على ضرورة خروج الإمارات من اليمن بقوله: “لن يكون الوضع أسوأ مما نحن عليه اليوم، بل سيؤدي إلى تماسك قوات الشرعية وترتيب عملياتها وتأمين المناطق المحررة، وهي مناطق الثروة والنفط والموانئ، وسيساعد ذلك أيضًا في تواصل مشروع التحرير حتى صنعاء.. ما يمد حياة الانقلاب الحوثي هو ضعف الشرعية وعدم جدية التحالف لحسم المعركة”.
وحذر من أن بقاء الإمارات سيرسم صورة ملخصها: “بقاء مليشيات في محافظات عدن ولحج والضالع تديرها أبوظبي، مقابل مليشيا الحوثي في صنعاء ومحافظات شمالية، تديرها إيران.. بقاء الإمارات في اليمن تحت لافتة التحالف لم يعد مقبولًا لدى الشرعية رسميًا وشعبيًا.. خروج الإمارات أصبح ضرورة ملحة”.
تفاهمات إماراتية إيرانية:
أما رئيس مركز “أبعاد” البحثي، عبد السلام محمد، فرأى في “استمرار الإمارات في دفع أهدافها إلى الواجهة تفكيكًا للتحالف العربي، وإنهاءً لهدفه الأساسي، وهو إسقاط انقلاب الحوثيين”.
وقال إن “ممارسات الإمارات تدعم الحوثيين في التمدد أكثر ونشر الفوضى باتجاه السعودية ودول خليجية، وهو ما يتضح في تحرك إيران في المنطقة عبر الحوثيين والضربات لشركة أرامكو (النفطية) السعودية، ودفع المنطقة إلى الحرب”.
وخلص محمد إلى “وجود تنسيق إيراني- إماراتي غير مباشر، في ظل تقارب دبلوماسي وتفاهمات، بعد ضرب إيران لناقلات نفط وتهديدها بشن حرب في الخليج.. والإمارات لن تتصرف في اليمن إلا وفقاً للمصالح الإيرانية بعد خضوعها لطهران”.