“مع غروب شمس السابع من يوليو 2015م اجتمع ثلة من قادة معسكر العبر في مبنى القيادة العامة، فيما وقف مرافقوهم بالخارج. كانت الأنباء تشير إلى تحشيد حوثي كبير قادم باتجاه المعسكر، وكان القادة يناقشون خطة المواجهة معهم. صدح أذان المغرب وكان شهر رمضان. انفض الاجتماع وذهب القادة ليتناولوا وجبة الإفطار. وفجأة ودون سابق إنذار ضجّت السماء بدوي صاخب. كانت مقاتلات حربية. صاح أحد العساكر: لا تقلقوا هذا ليس هجوماً حوثياً.. هذه مقاتلات التحالف العربي وهي الآن متوجهة حتماً لدك تجمعات الحوثيين القادمة. وفيما تقترب هذه المقاتلات هلل الجنود في المعسكر ولوحوا بأياديهم ترحيباً بها. حتماً رأى الطيارون ذلك المشهد وهم يضغطون الزناد لتنطلق صواريخهم باتجاه مواقع محددة بعناية داخل المعسكر: مبنى القيادة حيث لا يزال القادة في الداخل، ومبنى مخازن السلاح، وضربة ثالثة استهدفت تجمعات لجنود في ساحة المعسكر، حيث كانوا متجمعين للإفطار. كان هجوماً فجائياً من الحلفاء المزعومين أودى بحياة أكثر من سبعين ضابط وجندي، كان على رأسهم العميد أحمد يحيى الأبارة، أحد مؤسسي النواة الأولى للجيش الوطني”.
بهذا الهجوم المأساوي قصّت الإمارات شريط الغدر الدامي ضد الحكومة الشرعية والجيش الوطني، وقد أسس هذا النهج لما بعده من خراب طال الدولة اليمنية التي كانت في خضم معركتها المصيرية مع غبار التاريخ “جماعة الحوثي”.
وطوال أربعة أعوام مارست الإمارات كل أساليب الخيانة بحق أقدس معركة عربية ضد المشروع الفارسي الإيراني، توجتها بغرس سرطان مليشياوي إنفصالي في العاصمة المؤقتة عدن.
ولهذا كان من الضروري لنا في (عدن نيوز) أن نرصد حصاد سنوات الغدر الإماراتي في الحرب اليمنية.
- مدخل
باستعراض مختلف الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها الإمارات أو وكلاؤها على الأرض وعلى رأسهم المجلس الانتقالي الإنفصالي على الأرض اليمنية، تتبلور صورة شديدة القتامة عن طبيعة النظام الحاكم في أبوظبي؛ إذ أنه وبخلاف كل النظم الديكتاتورية المماثلة، يتفوق هذا النظام في مدى “الخسة الإجرامية” إذ تصنّف انتهاكاتها على الأرض اليمنية تحت بند “جرائم حرب”.
ولهذا فإن الانتهاكات التي يقوم بها ضباط إمارتيون أو بمباركة منهم موغلة في البشاعة والوحشية.
الصحفي أحمد المحيا يتحدث حول هذه الجزئية قائلا: ” لا يمكن أن ترتكب الإمارات كل هذه الجرائم المروّعة وبهذه الوتيرة المستمرة طوال أربعة سنوات كاملة دون إيمان راسخ لدى قيادتها بأنهم في مأمن من أي مساءلة دولية”.
ويضيف: “لقد طوّرت أبوظبي من مفهوم الجريمة إذ لم يعد هناك بالنسبة لدى ضباطها أو مرتزقتها من داعٍ أو حافز لارتكابها. لقد صار الأمر ببساطة كالتالي: يستيقظ الضابط الإماراتي. يشرب قهوته ثم يبحث عن جريمة لارتكابها وهكذا.. وكأنه صار آلة للقتل فقط”.
وهنا يمكن القول أن المكانة المميزة لأبوظبي، وبالذات ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، في واشنطن، بالإضافة إلى علاقاتة المتينة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي قد أعطت حافزاً هائلاً للإمارات لتنفيذ إجنداتها وارتكاب فظاعاتها في كل موطن عربي يدخل دائرة اهتماماتها، مطمئنة بأن لا أحد يستطيع أذيتها.
غارات الغدر
مستعينة بمقاتلات حربية حديثة الطراز ومتخفية بجلباب تحالف دعم الشرعية في اليمن نفذت الإمارات عدداً واسعاً من الغارات الجوية الغادرة بحق قوات الجيش الوطني التابع للحكومة الشرعية. وباستخدام هذا السلاح الفتاك سعت الإمارات لتحقيق هدفين رئيسيين: تعطيل وتيرة الحرب التي يشنها جيش الحكومة الشرعية ضد التمرد الحوثي في الشمال قدر الإمكان. ويتمثل الهدف الآخر في إسناد جيوش مرتزقتها على الأرض في حال نشب أي قتال بينها وبين القوات الحكومية.
وفيما كانت هذه الغارات في شهورها الأولى تعزى لأخطاء جوية بسبب إحداثيات مغلوطة قادمة من غرفة عمليات التحالف، أصبحت حجج أبوظبي في الوقت الراهن “مفضوحة” وباتت غاراتها محل تنديد وغضب محلي وإقليمي غير مسبوق.
كان هذا بارزاً خلال غاراتها الأخيرة التي استهدفت الجيش الوطني في عدن وأبين وسقط إثرها عشرات الشهداء والجرحى، حيث انفجر اليمنيون غضباً وهبوا من كل حدب وصوب للتنديد بأبوظبي والمطالبة بالقصاص من القتلة.
أما على المستوى الإقليمي فقد تلقّت الإمارات تقريعاً غير مسبوق. وفي جلسة عقدت مؤخراً لمجلس العموم البريطاني وقف أحد البرلمانيين مندداً بغارات الإمارات. قال بلهجة تلفح غضباً: هل كان القرار الأممي 2216 ينص على إن تقوم إحدى دول تحالف دعم الشرعية (الإمارات) بقصف قوات الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي؟ إذا كان الجواب لا فهل هذا يعني أن هذا القرار لم يعد له معنى وأنه بات علينا العمل على تبني قرار أممي جديد في اليمن؟
لقد كانت الضربة التي استهدفت قوات الجيش الوطني في معسكر العبر قبل أربعة أعوام أولى مسارح القصف الإماراتي الغادر، تلتها غارات أخرى كان أبرزها:
-
في 26 فبراير/ شباط 2018، استهدفت طائرة إماراتية، اجتماعا لقيادات اللواء 133 في الجيش الوطني بمديرية نهم بصنعاء، ما أدى إلى مقتل وإصابة أكثر من 20 قائداً عسكرياً من قيادات الجيش، بينهم مسؤول عمليات اللواء العميد محمد الحاوري، القائد العسكري الأبرز في الجيش الوطني.
-
في 20 أغسطس/آب 2018 استهدفت طائرة إماراتية كتيبة من الجيش الوطني في محافظة الجوف شمالي اليمن، ما تسبَّب بمقتل 10 جنود وإصابة عشرات آخرين.
-
في 14 مارس/آذار 2019 استهدفت طائرات تابعة لأبوظبي موقعاً عسكرياً تابعاً لقوات الجيش الوطني، في منطقة برط العنان بمحافظة الجوف شمال شرقي اليمن، وتسبَّبت بمقتل 7 جنود وإصابة نحو 30 آخرين، بعد يومين فقط من تمكُّن الجيش من استعادة ذلك الموقع من قبضة جماعة الحوثي.
-
في 29 أغسطس 2019 استهدفت مقاتلات حربية إماراتية تجمعات عسكرية للجيش الوطني في مدينتي عدن وأبين، وأوقعت أكثر من 300 بين قتيل وجريح في صفوف الجيش.
وكلاء الإمارات.. تركة ثقيلة
لطالما استعانت الإمارات في إنفاذ أجنداتها بوكلاء على الأرض، محليين وأجنبيين. وفي اليمن استعانت الإمارات بشكل رئيسي بمجلس الإنفصال الإنتقالي. والانتقالي هو مظلة جامعة يضم تكوينات مليشياوية عدة لقطاع واسع من القتلة واللصوص وقطاع الطرق، يقودهم فاسدون لفظتهم الحكومة الشرعية بعد أشهر من تعيينهم.
يشبّه اليمنيون الإنتقالي بأنه “قفاز” ترتديه أبوظبي لإبعاد الدم المسفوك عنها. بينما يبتدع آخرون توصيفاً أكثر إثارة: ورق تواليت لإزالة قذارات بن زايد.
ولم يتورّع الفصيل المسلح لهذا المجلس (قوات الحزام الأمني) عن ارتكاب جرائم فادحة ترقى لجرائم إبادة جماعية بحق المعارضين للتواجد الإماراتي في اليمن. وقد ارتفعت وتيرة هذه الجرائم بشكل كبير منذ انقلاب عدن في العاشر من أغسطس الماضي.
-
شلال الدم .. إعدامات ميدانية وقتل بالهوية
في أحدث تقرير للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الانسان، اعتبر المرصد أن العمليات الانتقامية التي شنتها مليشيات الحزام الأمني في عدن ترقى إلى “جريمة حرب”.
كانت تلك الجرائم قد وقعت خلال أحداث العنف الأخيرة وما بعدها في عدن وعدد من المدن اليمنية الجنوبية.
وأشار المرصد إلى “إعدامات ميدانية صادمة” نفذتها قوات الحزام في عدن وأبين، ومن بينها إعدام أربعة عسكريين كانوا يتلقون العلاج في أحد مشافي زنجبار وكذا عدد آخر من العسكريين في أحد مستشفيات مدينة جعار.
وعلى الصعيد الرسمي قالت وزارة حقوق الإنسان أن “11 جنديا جريحا تعرضوا للتصفية الجسدية في مستشفيات عدن، ومستشفى الرازي بمحافظة أبين، وأضافت أنها تلقت فيديوهات وصور لمشاهد إعدامات وتعذيب وتصفيات واهانات ترتكبها ميليشيات الانتقالي لأسرى جنود، وجميعها انتهاكات صريحة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الانسان”.
وتداولت منصات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر عمليات تعذيب وحشي وإعدامات جماعية بحق عسكريين ومدنيين كانوا أسرى لدى المليشيات الإنفصالية.
https://twitter.com/ghaze_almhy/status/1167255295552380928
وفي مقطع آخر يظهر مسلحون إنفصاليون وهم يطلقون وابلاً من الرصاص من المسافة صفر على عدد من المدنيين بعد اعتقالهم. وتظهر في المقطع مدرعات الإمارات.
https://twitter.com/TawfikAlhamidi/status/1172915413522538496
الأرقام القادمة من المحافظات المحررة مفزعة للغاية، فخلال شهر واحد فقط (أغسطس الماضي) وثق المرصد اليمني الأمريكي لحماية حقوق الإنسان نحو 7000 انتهاكاً لحقوق الإنسان في محافظات (عدن، أبين، وشبوة) من قبل مليشيا المجلس الانتقالي المدعوم من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة.
وسجلت الفرق الميدانية للمرصد اليمني الأمريكي (289) حالة قتل شملت مدنيين وعسكريين، منها (48) حالة قتل طالت المدنيين بينهم (6) نساء، و(8) أطفال و(33) مدنياً، منها (16) حالة نتيجة طلق ناري، و(10) حالات نتيجة رواجع المقذوفات، (12) حالة تصفية للمعتقلين في سجون سرية تابعة للأمارات، و(6) حالات نتيجة أعمال القنص، (4) حالات نتيجة للقصف العشوائي على المنازل السكنية.
كما وثق المرصد (241) حالة قتل شملت العسكريين من بينها (132) حالة تصفيه لمصابين عسكريين داخل المستشفيات في العاصمة المؤقتة عدن. كما وثق التقرير (109) حالة إعدام لجنود أسرى تابعين لقوات الحماية الرئاسية.
عدن.. مدينة اللون الواحد
بعد مغادرته عدن مؤخراً كتب الصحفي الجنوبي البارز فتحي بن لزرق كلمات وداعية قال فيها: “لم يتبقى في عدن إلا لون واحد وطيف واحد وصوت واحد وطقم واحد يدور على المنازل.. يؤسفني حال عدن اليوم.. وأسأل الله أن يحفظ أهلها من كل شر.. وصبرا وبالله المستعان”.
لقد شهدت عدن منذ تحريرها في أواخر 2015م جرائم فادحة وانتهاكات إنسانية صارخة لا مثيل لها في عموم محافظات اليمن.
اعتقالات تعسفية وتعذيب وحشي
في يوليو 2018م أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً عن الاعتقالات التعسفية والتعذيب الوحشي ضد مدنيين في معتقلات تديرها الإمارات أو مرتزقتها الإنفصاليون في عدن.
وجاء في افتتاحية التقرير: ” رصد التقرير الانتهاكات الصارخة التي تُرتكب بشكل ممنهج بلا محاسبة، بما في ذلك ممارسات الاختفاء القسري والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة التي تصل إلى مصاف جرائم الحرب”.
وأجرت منظمة العفو الدولية تحقيقا يتعلق بتفاصيل 51 حالة لرجال تم احتجازهم على أيدي تلك القوات خلال الفترة ما بين شهر مارس/ آذار 2016، ومايو/ أيار 2018 في محافظات عدن ولحج وأبيَن وحضرموت وشبوه. وتخلل معظمها حصول حالات اختفاء قسري، حيث لا يزال 19 رجلا منهم مفقودين حتى الآن. وأجرت المنظمة مقابلات مع 75 شخصا بينهم محتجزون سابقون، وأقارب المفقودين، وناشطون، ومسؤولون في الحكومة.
وفي ثنايا التقرير قال أحد المعتقلين إنه شاهد جثة أحد زملائه المحتجزين يتم نقلها في كيس للجثث عقب تعرضه للتعذيب بشكل متكرر. وقال آخر إنه احتُجز في حفرة ورأسه فقط أعلى من مستوى الأرض، وأُجبر على قضاء حاجته وهو في تلك الوضعية.
ورصد تقرير الخبراء البارزين السجون والمعتقلات التي أنشأتها عدن ومليشياتها في عدن منذ 2016م ولا تخضع لسيطرة السلطات الحكومية. وهذه المعتقلات هي: منشأة بير أحمد 1 ، منشأة بير أحمد 2، منشآت في قاعدة البريقة التابعة للتحالف في عدن، وقاعدة الريان الجوية التابعة للتحالف وسجن منورة بحضرموت. ومعسكر الشهداء وومخيم الحوظة وعزان وقاعدة التحالف بلحاف في شبوة.
بالإضافة إلى منشآت الحزام الأمني غير الرسمية في عدن ومن بينها مقرر شلال شايع.
وتملك الإمارات أيضاً مركز اعتقال في قاعدة عصب بإريتيريا.
انتهاكات جنسية واغتصاب
في تقريره الأخير كشف فريق الخبراء الدوليين البارزين المعنيين باليمن عن اعتداءات جنسية مريعة واغتصابات طالت معتقلين ومعتقلات في سجون تديرها الإمارات في عدن.
من بين الحوادث العديدة التي سردها التقرير تبرز حالة خاصة؛ حيث تعرّضت إحدى المعتقلات للاغتصاب من قبل السجانين. وبعد أن علمت أمها بالجريمة تقدمت بشكوى إلى قسم شرطة. وبسبب هذه الشكوى تعّرضت الأم للاغتصاب أيضاً.
وحقق الفريق الأممي في مزاعم العنف الجنسي من قبل أفراد من اللواء 35 المدرع في القوات المسلحة اليمنية في الشماتين، محافظة تعز.
ويقول التقرير في إحدى فقراته: “في الفترة ما بين حزيران/ يونيو 2017 و 2019 ، اغتصب أفراد من اللواء المدرع الخامس والثلاثون على الأقل امرأة واثنين من الصبية وحاولوا اغتصاب فتاة واحدة واعتدوا جنسيا على رجل وصبي. قامت القوات بخطف الضحايا وتعريضهم للعنف الشديد والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي. ارتكب هذه الحالات عدة افراد مسلحين، واستخدموا مركبات عسكرية. تم ارتكاب ست من الحالات السبع في سياق قيام الجنود بواجباتهم المزعومة”.
المهمشون واللاجئون.. مآسٍ تفوق الاحتمال
لقد كانت عدن وغيرها من المدن اليمنية المحررة والتي تقع ضمن سيطرة المليشيات الإنفصالية والقوات الإماراتية بمثابة الجحيم بالنسبة لفئة المهمشين واللاجئين من بلدان أفريقية.
وقد تحقق فريق الخبراء الأممي من 37 حالة من حالات العنف الجنسي المرتبط بالنزاع في الفترة من 2016 إلى 2019 ضد أفراد المجتمعات الضعيفة والمهمشة. وكان هذا يتألف من اغتصاب 19 امرأة مختلفة، وستة أولاد، وفتاة واحدة، ومحاولة اغتصاب فتاتين وامرأة، والاعتداء الجنسي على رجل وصبي، وخطف ست نساء كرهائن.
وتضمن ذلك الاغتصاب المهبلي والشرجي والشفوي، بما في ذلك الاغتصاب بالعضو الذكري. والاغتصاب بالأشياء، والاغتصاب الجماعي، واستخدام الأسلحة. وقد وقع عدد من هذه الأحداث في مرأى من الآخرين، بما في ذلك أفراد الأسرة.
” الجناة والمسئولون عن هذا العنف الجنسي ، هم أعضاء في الحزام الأمني المدعوم من الإمارات العربية المتحدة وافراد من اللواء المدرع الخامس والثلاثين، والذين كانوا سابقا ضمن ميليشيات المقاومة وتم ضمهم من قبل الحكومة إلى قواتها في الفترة بين 2016 – 2019 دون أي تدريب أو تدقيق أو إشراف داخلي وقامت الإمارات العربية المتحدة بوضع هؤلاء الاشخاص في مناصب السلطة والقوة ضد السكان الأكثر ضعفا “.
فيما قال تقرير آخر صدر عن هيومان رايتس ووتش في ابريل 2018 بأن حراس مركز احتجاز في عدن وموالون للإمارات قاموا بالاعتداء على المهاجرين والمهاجرات الأفارقة، واغتصبوا النساء والصبية، ورحّلوا المئات عبر البحر في قوارب مكتظة.
الجميع في مرمى البندقية
في يناير 2019م أصدرت منظمة سام للحقوق والحريات تقريراً موسّعاً يرصد فيه حالات القتل الممنهج والاغتيالات في عدن، ضد رجال الأمن وخطباء المساجد وأعضاء في الجماعات الموالية للسلطة الشرعية، عدا عن التجار ورجال السلطة والناشطين السياسيين.
وتقول المنظمة أنها رصدت خلال الفترة 2015 – 2018 ، عدد (103) عملية اغتيال في محافظة عدن فقط، يمكن تقسيمها علة خمس فئات: الأولى: رجال الأمن، وصل عددهم إلى 42 شخصا، يتوزعون على كل من البحث الجنائي، جهاز الأمن السياسي، وأمن مطار عدن. الفئة الثانية: الخطباء والأئمة، وبلغ عددهم 23 شخصا. الفئة الثالثة: العسكريون، وعددهم 8 أشخاص. الفئة الرابعة: أفراد وقيادات في المقاومة، 7 أشخاص. الفئة الخامسة: وتشمل نشطاء، رياضيون، أساتذة، قضاة، وأعضاء نيابة، وعددهم 14 شخصاً.
وتكمن أهمية التقرير في أنه أول تقرير نوعي تحليلي يسلط الضوء على موجة الاغتيالات التي ضربت مدينة عدن العاصمة المؤقتة للحكومة للشرعية، بعد استعادتها من يد مليشيات الحوثي بتاريخ 17 يوليو 2015.
التقرير يورد ملاحظات مثيرة، منها أن (18) حادثة اغتيال جرت في يناير 2016، عقب شهر واحد فقط من تعيين كل من عيدروس الزبيدي محافظا لمحافظة عدن واللواء شلال شائع مديرا للشرطة.
ونقلت المنظمة عن مراقبين أن ارتفاع وتيرة الاغتيال في هذا الشهر كان متزامناً مع تأزم الوضع السياسي في تلك الفترة بين دولة الإمارات، والرئيس عبدربه منصور هادي الذي كان مقيماً في عدن، قبل مغادرتها في13 فبراير، إضافة إلى أن الاغتيالات في هذه الفترة استهدفت اشخاصاً كانوا على صلة بملف مكافحة الإرهاب، سواء من رجال الأمن أو القضاة.
اغتيال الشيخ العيسي.. ضرورة إماراتية لإزاحة الرجل القوي
في ديسمبر 2018، وأثناء برنامج حواري على شاشة “الجزيرة” كشف القيادي في المقاومة الجنوبية عادل الحسني عن ضغوط مارستها عليه القوات الإماراتية بعدن للقيام بتنفيذ عملية اغتيال ضد رجل الأعمال الناجح والرجل القوي في السلطة الشرعية، الشيخ أحمد صالح العيسي.
ويشغل الشيخ العيسي حالياً منصب نائب مدير مكتب رئيس الجمهورية.
لقد كانت الخطة مبنية على تنفيذ الحسني لعملية الاغتيال عند حضور العيسي إلى عدن. وأشار الحسني بأن المشرف عن هذه العملية كان الضابط الإماراتي أبو خليفة المهيري، وبأنه قد زود الحسني بكافة الأدوات اللازمة لتنفيذ هذه العملية في مكتب العيسي.
لم تكن تلك أول مرة تفكر فيها الإمارات بالتخلص من العيسي. في الواقع، لقد بدأ استهدافهم له مذ سال لعاب القيادة الإماراتية طمعاً في السيطرة على جنوب اليمن، خاصة وأن الشيخ العيسي برهن بأنه كان “دولة” في غياب الدولة. وقف في لحظة زمنية فارقة كسد مارب الشامخ أمام كل مخططاتهم الاستعمارية.
ما يؤكد ذلك هو التقارير الصحفية التي نشرت قبل الحوار التلفزيوني للحسني. وبحسب تلك التقارير فقد قدمت جهات استخباراتية نصيحة للعيسي بأخذ الاحتياطات اللازمة والحذر الشديد لتجنب مخطط إماراتي يرمي لاغتياله. مشيرة بأن هذا العمل الإرهابي يديره ويخطط له الضابط الإماراتي أبو خليفة المهيري والعميد خلفان الكعبي، ويعاونهم أربعة من ضباط المخابرات الاماراتية وآخرون.
ولفداحة المخطط التآمري، فقد هبّ اليمنيون من كل حدب وصوب للتعبير عن تضامنهم مع الهامة الوطنية الاستثنائية (العيسي).
كما امتلأت الصحافة الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي ببيانات الشجب والتنديد من مختلف التكوينات السياسية والاجتماعية والقبلية، مستنكرة هذا العمل المشين، الذي لا يستهدف (العيسي) بشخصه بقدر ما يستهدف منظومة (الشرعية)، آخر قلاع اليمنيين في مواجهة الخراب والشتات.
المصادر:
- تقرير فريق الخبراء الدوليين البارزين المعني بالشأن اليمن سبتمبر 2019م.
- تقرير “القاتل الخفي” عن منظمة سام للحقوق والحريات يناير 2019.
- تقرير هيومان رايتس ووتش ابريل 2018م
- تقرير منظمة العفو الدولية ” ” الله وحده أعلم إذا كان على قيد الحياة ” يوليوم 2018م
- تقرير أسوشييتد برس (الحرب القذرة في اليمن) 2018م.
- تقرير المرصد اليمني الأمريكي سبتمبر 2019م.
- إرشيف الأخبار اليمنية.