سفكت الدماء، ونشرت الفوضى والقتل في المدن الجنوبية اليمنية، وأحيت الفتنة بين أهلها لإشغالهم بأنفسهم، وقدمت نفسها بأنها المنقذ والداعم للشرعية، كان ذلك مدخل الإمارات للسيطرة على اقتصاد وموانئ اليمن الاستراتيجية، والاستيلاء على خيراتها وثرواتها.
وتعلم الإمارات جيداً الأهمية الاقتصادية لموانئ اليمن، لذا وضعت يدها منذ الأيام الأولى للحرب التي بدأتها أواخر مارس 2015، على غالبية الموانئ اليمنية، خاصةً ميناء عدن المطلّ على باب المندب على ساحل البحر الأحمر والقريب من قناة السويس.
ويعتبر ميناء عدن من أكبر الموانئ الطبيعية بالعالم، وفي خمسينيات القرن الماضي صُنِّف باعتباره ثاني ميناء بالعالم بعد نيويورك من حيث تزويد السفن بالوقود.
وسيطرت حكومة أبوظبي على الميناء الاستراتيجي والمنطقة الحرة المحيطة به، بأسلوب المراوغة؛ إذ أوهمت اليمنيين بأنها ستعمل على تطوير الميناء، وزيادة طاقته الاستيعابية، ولكن ذلك لم يحدث، وتراجعت أعداد الحاويات التي تصل إليه وتخرج منه.
وطوال سنوات، كانت موانئ اليمن تردف خزائن الدولة بإيرادات تقدَّر بالمليارات، إضافة إلى حقول النفط والغاز بالمدن الجنوبية، كشبوة، وعدن، والمخا، والتي تسعى الإمارات إلى إحكام السيطرة عليها من خلال مليشياتها الانفصالية.
الحكومة اليمنية كانت على علم بأطماع الإمارات الحقيقية في خيرات اليمن، إذ أكد وزير الثقافة اليمني، مروان دماج، أن “أبوظبي بالفعل استغلت الأزمة التي تمر بها البلاد لبناء مليشيا محلية، من أجل السيطرة على الموانئ والسواحل اليمنية”.
وقال “دماج” في منشور على حسابه بموقع فيسبوك: “بناء وتسليح حركة انفصالية وتمكينها من الجنوب وتقويض الشرعية، تصرُّف إماراتي مناقِض لكل التزاماتها القانونية والدولية وكعضوة في تحالف استعادة الشرعية”.
وفي هذا الإطار، أكد الخبير الاقتصادي إبراهيم عبد الكريم، أن “ميناء عدن كان من أكثر الموانئ حيوية في منطقة البحر الأحمر خلال السنوات الماضية، إذ كان يصنَّف باعتباره أقوى من موانئ الإمارات المختلفة، خاصةً دبي”.
وقال عبد الكريم في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: إن “الإمارات من سنوات بعيدة كانت تريد السيطرة على ميناء عدن، فكانت خطوتها الأولى هي استئجار الميناء من الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح بصفقة تمت في 2007”.
وأشار إلى أن “الإمارات تعلم جيداً الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية لموانئ اليمن، خاصةً عدن؛ لذا فهي لن تتخلى عنها بأي ثمن، وممكن أن تدفع أكثر، وتقصف وتقتل الآلاف من أجل إبقاء سيطرتها على هذه المنشآت”.
وأوضح أن الحرب التي شنتها السعودية والإمارات من خلال تحالف عربي ضد اليمن، كانت “فرصة تنتظرها أبوظبي من أجل إعادة التموضع على الموانئ، التي فقدتها بسبب تدخُّل البرلمان اليمني في 2012، وثورة اليمنيين”.
وشدد على أن الإمارات “دولة اقتصادية هدفها جني المال والأرباح، لذلك هي تسخّر كل إمكاناتها من أجل الاستثمار، سواء بطرق قذرة أو بصفقات مشبوهة، كما حدث عندما سيطرت على ميناء عدن إبان حكمِ صالح”.
وكانت الإمارات ضمت ميناء عدن ضمن “موانئ دبي العالمية” من خلال عقد أُبرم عام 2008، ومُنحت الأخيرة بموجبه حق إدارة الميناء اليمني، بما يشمل ميناء “المعلا” ومحطة “كالتكس” للحاويات، مئة عام قادمة، ولكن البرلمان أوقف تلك الاتفاقية.
وتسيطر الإمارات على ميناء المخا بالبحر الأحمر، وحوَّلته إلى ثكنة عسكرية ومقر لقواتها، واستخدمت ميناء الضبة النفطي في محافظة حضرموت كمقر لقواتها ومعتقل سري تحت إشراف مليشيات تابعة لها، وحوّلت مطار الريان الدولي بمدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت، إلى معتقل سري أيضاً، كما سلَّمت مطار عدن الدولي إلى مليشيا موالية.
الكاتب السياسي اليمني منير قاسم يؤكد أن الإمارات تنظر إلى موانئ بلاده باعتبارها مصدر دخل وقوة كبيرة ومنافِسة لميناء دبي الكبير، حيث لجأت إلى الصين لتشغيل وإدارة الميناء جنوبي البلاد.
ويقول قاسم في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “ميناء عدن يجذب اهتمام بكين أيضاً، ويعد محورياً ضمن مبادرة الحزام والطريق الصينية التي ترفع شعار (طريق واحد حزام واحد)”.
ويصف “قاسم” الإمارات بـ”الشاب المراهق الذي يبحث عن كل ما يشبع رغباته، حيث تلك الدولة عمرها لا يتجاوز خمسة عقود، وحجمها صغير جداً، لذلك هي تبحث عن أماكن لتتمدد فيها ولتنفيذ رغباتها”.
ويوضح أن الإمارات مسيطرة على ميناء عدن منذ زمن وقامت بتدميره، وتعمل الآن للسيطرة على مصفاة، وكذلك ميناء المخا، وكل المواقع الاقتصادية والحيوية والاستراتيجية بالنسبة لليمن.
ويشير الكاتب السياسي اليمني إلى أن الإمارات لديها أطماع أخرى سياسية كالاقتصادية في حربها على اليمن.
ويوجد في اليمن 6 موانئ بَحرية دولية مجهّزة لاستقبال البضائع والسفن، وتقديم خدمات الشحن والتفريغ والتخزين، و3 موانئ نفطية، و8 موانئ محلية، كما تحمل أهمية استراتيجية؛ إذ يعدّ بعضها شرياناً لتوريدات نفط الخليج إلى العالم عن طريق قناة السويس.
وكان مسؤول يمني رفيع في نظام الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، كشف مؤخراً لـ”الخليج أونلاين”، أن أولى المحاولات الإماراتية الجادة للسيطرة على ميناء عدن تعود إلى بداية التسعينيات، وتحديداً عقب الوحدة اليمنية، عندما أقرت الحكومة آنذاك إنشاء منطقة التجارة الحرة في المدينة، وهو القرار الذي أثار مخاوف أبوظبي من أن ينعكس ذلك على حركة ميناء دبي.
ووفقاً للمسؤول اليمني، الذي رفض الكشف عن هويته، فإن الإمارات أسهمت في تعطيل المفاوضات مع عديد من الشركات العالمية لتطوير الميناء وتشغيل المنطقة الحرة، إلى أن خضعت الحكومة وسلَّمت الأمر لشركة موانئ دبي، التي تعمّدت المماطلة في تطوير الميناء والمنطقة الحرة.
*الخليج اونلاين