بقلم - عبدالإله هزاع الحريبي
كثيرة هي أخطاء المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، ولذلك سميتها خطايا لتعددها وكثرتها. ولعل أبرزها التبعية المطلقة لدولة الإمارات التي أفقدت المجلس استقلاليته وتمثيله مواطني المحافظات الجنوبية، فالتبعية المطلقة جعلته يتنازل عن كثير مما يعتبر سيادياً بالنسبة لأبناء الجنوب، أو اليمن عموماً. ظهر ذلك جلياً في ما حدث في جزيرة سُقطرى، وما حدث ويحدث في المهرة. كذلك تسليم أمر القيادة لأحزمته الأمنية، والنخب العسكرية للضباط الإماراتيين، مما يظهرهم غير قادرين على الإدارة العسكرية والأمنية. كذلك عدم توحيده القوى الجنوبية، كالحراك الجنوبي الذي يقوده حسن باعوم، والمجلس الأعلى للحراك الجنوبي الذي يحتوي على قياديين فاعلين في الميدان، منهم صلاح الشنفرة. وهنالك قوى جنوبية كثيرة وفاعلة، ولولا الحظر الإماراتي على خروجها في تظاهرات جماهيرية لفاقت تظاهرات الانتقالي في حشودها. هذا بالإضافة للقوى السياسية الفاعلة في الجنوب، مثل المؤتمر الشعبي العام، والحزب الاشتراكي اليمني، وحزب التجمع اليمني للإصلاح، والرابطة، وغيرها من القوى الفاعلة التي توجد بقوة في المحافظات الجنوبية.
ولكن، من غير المسموح إماراتياً خروج الرأي الآخر المؤيد للدولة، ولمخرجات الحوار الوطني، وهذا واضح منذ وقت مبكر، حيث يُمارس العنف ضد أي خروج يعبر عن الرأي الذي يقف مع وحدة اليمن، على أساس دولة اتحادية فيدرالية.
هنالك خطاب إقصائي يمارسه المجلس الانتقالي ضد المكونات الجنوبية الأخرى، وهذا الخطاب ترفضه غالبية الجنوبيين، والتظاهرات التي تخرج مؤيدة للمجلس الانتقالي هي كالتي تخرج في صنعاء مع الحوثي في مناسباته ومهرجاناته، تظاهرات يتم الحشد لها من كل المحافظات، وهذا يعبر عن عدم قدرة المجلس الانتقالي على حشد جماهير كبيرة في محافظة عدن نفسها، وبالتالي عدم جماهيريته في الجنوب. ولذلك يقوم بالتعبئة الخاطئة للجماهير بدعم إماراتي كبير جداً، مادي وإعلامي. وهذا ما أصبح الشارع الجنوبي يدركه، فالانقلاب على مؤسسات الدولة في عدن فضح العنصرية والمناطقية اللتين تسودان المجلس الانتقالي، كما تبين ذلك من الهجوم على البسطاء من الناس الذين يعملون في البيع والشراء، سواء في البسطات في أسواق المدينة، أو المحلات التجارية، وكذلك المطاعم والفنادق فقط، لأنهم من محافظات أخرى، وهؤلاء ليس لهم في السياسة، ولا الحرب التي تدور، وقد سجلت هذه الانتهاكات بالتفصيل منظمات حقوقية جنوبية، ووثقت من مسلحين تابعين للمجلس الانتقالي، عبر تصويرهم أعمالهم هذه تفاخراً بها في جوالاتهم وتناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي، ما أثر سلباً على تحركات المجلس الانتقالي في صفوف الجماهير، وكذلك ساهم في إحباط معاركه المستقبلية في المحافظات الأخرى، وأيضاً عدم إدراك قيادة المجلس الانتقالي تعدد رؤى الناس في الجنوب، واختلاف أمزجتهم في المحافظات الأخرى، مثل الضالع، ولحج، نوعاً ما، التي لهم فيها شعبية، وهو ما أدى إلى انتكاستهم في محافظة شبوة، على الرغم من الدعم الإماراتي الكبير جداً هناك، بسبب استيعاب شبوة لما دار في عدن، فوقفت مع الشرعية. والحديث هنا عن قبائل محافظة شبوة وأعيانها، الذين يرفضون عنصرية المجلس الانتقالي ومناطقيته. ومن خطايا المجلس الانتقالي عدم عمله مع الشرعية بشكل فعال، عندما كانت أغلب قياداته في مراكز القرار، هاني بن بريك كان وزيراً، وناصر الخبجي محافظاً، هذان وغيرهما لم يستطيعوا العمل في إطار مؤسسات الدولة، فكيف يمكن للجنوبيين أن يجعلوهم ممثلين عنهم، لو أنهم عملوا مع الرئيس عبد ربه منصور هادي بشكل صحيح، وصنعوا إنجازات في مواقع مسؤوليتهم لاستطاعوا تحقيق الأهداف التي يرفعونها، ولاكتسبوا حب الجماهير، ولعل أكبر خطاياهم اللجوء للعمل المسلح، والسيطرة بالقوة على المحافظات الجنوبية، ما سيولد ثارات جنوبية جنوبية، ويمزق النسيج الاجتماعي للجنوب، فمعلوم أن هناك تنافراً في الرؤى بين الضالع وغيرها من المحافظات، وبالذات شبوة وحضرموت والمهرة، وهم بهذا العنف يجعلون الآخرين يتحفزون للدفاع عن رؤاهم وعن محافظاتهم.
الإمارات ستخرج من اليمن، اليوم أو غداً، بفعل ظهور أطماعها الجنونية لتعطيل ميناء عدن، وموانئ اليمن بشكل عام، وبفعل عدائها الشديد لليمنيين، حتى قبل ثورات الربيع العربي، وكذلك محاولاتها المتكررة للسيطرة على جزيرة سُقطرى. وأتذكر هنا حادثة سردها سالم صالح اليافعي، الذي كان عضواً في مجلس الرئاسة بعد الوحدة، حيث قال في رسالة نشرتها الصحف اليمنية في حينها إن الإمارات تعامل اليمنيين في المطارات معاملة سيئة جداً، وتحتجزهم ساعات في مطاراتها، وقد مورس عليه هذا التمييز العنصري، فما بال أصحاب يافع اليوم يسبّحون بحمد الإمارات. ليعودوا إلى هذه الرسالة، فقد يفهمون استغلال الإمارات لهم في تنفيذ أطماعها.