لم تكن الأعوام الـ8 الماضية جيدة إلى حد كبير بالنسبة لداعمي الثورة المضادة في الخليج العربي، وكان النجاح الوحيد قد تحقق في مصر، لكنه أنتج واحدا من أقسى أنظمة القمع في تاريخ البلاد.
وفي اليمن نتجت أثار كارثية بعد اشتراك والإماراتي في التحالف العربي الداعم للشرعية وتسببت الامارات ومليشيا الحوثي بواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، وارزت السياسة الاماراتية في اليمن صورة مشوهة لهذا البلد الذي كان من افضل البلدان العربية في عهد زعيمها الراحل، فيما النظام الحالي بتدخله السئ في اليمن أتاح الفرصة لإيران لتوسيع شبكتها من الوكلاء الإقليميين.
وفي تطور مثير للسخرية، تدعم والإمارات العربية المتحدة، وهي الدول التي تمنع الحكومة اليمنية من العودة الى العاصمة المؤقتة عدن، بينما تدعي انها تعمل ضمن تحالف دعم الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا بقيادة الرئيس “عبدربه منصور هادي”، تدعم ايضاً القوات المتمردة بقيادة “خليفة حفتر” في ليبيا ضد حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.
وحاولت قوات “حفتر” الاستيلاء على طرابلس، مقر الحكومة الليبية المعترف بها دوليا، بعد أسبوعين من اجتماع “حفتر” مع الملك “سلمان” في السعودية.
وتحول القتال في ليبيا إلى حرب بالوكالة بين الخصوم في الخليج، حيث دعمت قطر حكومة طرابلس التي يهيمن عليها الإسلاميون.
عودة الربيع العربي
وتشير الاحتجاجات في الجزائر والسودان إلى أن المظالم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي غذت احتجاجات عام 2011 ما زالت تحوم فوق السطح، في مجموعة من البلدان التي تمتد من ساحل المحيط الأطلسي في أفريقيا إلى الخليج العربي في الشرق.
وكما كان الحال في عام 2011، لا تعد الاحتجاجات في الشرق الأوسط حوادث منعزلة، ولكنها الجزء الأكثر دراماتيكية من موجة عالمية ناجمة عن فقدان ثقة الجمهور في القادة والأنظمة السياسية، حيث اشتعلت المظاهرات المناهضة للحكومة في بلدان بعيدة مثل زيمبابوي وهاييتي.
وتأتي الاحتجاجات الجزائرية والسودانية بعد موجات من الاحتجاجات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الأصغر منذ عام 2011، ما يشير إلى أن الثورة المضادة في الشرق الأوسط ليست سوى غطاء يتم وضعه على وعاء يغلي وقد ينفجر في أي لحظة.
وقد اندلعت الاحتجاجات في الأعوام الأخيرة في مجموعة من البلدان، بما في ذلك العراق والمغرب والأردن ولبنان وتونس.
كما تشير الاحتجاجات إلى هشاشة آمال الحكام المستبدين في الشرق الأوسط في تحقق نموذج الصين لنمو الاقتصاد وخلق فرص العمل وتوفير المنافع العامة، جنبا إلى جنب مع زيادة السيطرة السياسية وقمع الحقوق.
وقد سيطر الجنرال المصري “عبدالفتاح السيسي” على السلطة والثقافة إلى أقصى الحدود، عبر السعي ليس فقط للسلطة السياسية المطلقة، ولكن أيضا إلى القدرة على تشكيل الثقافة وإملاء السلوك الشخصي.
وقد أمر “السيسي” مؤخرا مسؤوليه بإملاء موضوعات ونصوص “المسلسلات المصرية” التي سيتابعها الجمهور خلال شهر رمضان المبارك، وقد تولت شركة إنتاج مرتبطة بالجيش مسؤولية بعض أكبر وأنجح العروض في مصر.
وتم توجيه تعليمات لمخرجي الأفلام للتركيز على الأفكار التي تشيد بالجيش وتطبيق القانون، وتشوه جماعة “الإخوان المسلمون”، وهي جماعة استهدفها “السيسي” بوحشية، بدعم وإيعاز من الإمارات، التي دعمت انقلابه العسكري عام 2013.
وكان الانقلاب قد أطاح بـ”محمد مرسي”، الرئيس المصري الأوحد المنتخب ديمقراطيا في تاريخ مصر الحديث.
ويتوقع المحلل “جورجيو كافيرو” أنه في أعقاب استقالة “بوتفليقة”، من المرجح أن تدعم الامارات جهود الحفاظ على سيطرة ما يسميه الجزائريون “لو بوفوار”، أو السلطة، أو الدولة العميقة، وهي عصبة من المسؤولين العسكريين والأمنيين ورجال الأعمال تسيطر على البلاد.
وعلى نحو مماثل، تواصل الإمارات، إلى جانب مصر، دعم المجلس العسكري السوداني الذي تولى السلطة عقب الإطاحة بـ”البشير” في وقت مبكر من الشهر الحالي، رغم استياء المتظاهرين الذين يطالبون بتسليم السلطة لحكومة مدنية.
وربما يعتمد نجاح جهود الإمارات في الحفاظ على الأنظمة القمعية على الدروس التي يستخلصها المحتجون الحاليون في الجزائر والسودان من تجربة ثورات 2011.
ومثل المتظاهرين آنذاك، يحتاج المتظاهرون الجزائريون والسودانيون إلى تقرير ما إذا كانت استقالة “بوتفليقة” أو إبعاد “البشير” كافية لتخليهم عن قوتهم في الشارع، والعودة إلى عملية سياسية منظمة.
وتشير الدلائل إلى أن المحتجين تعلموا الدرس.
وقالت الأكاديمية الجزائرية “داليا غانم”: “يظهر الجزائريون واقعية كبيرة، ويعد انتصارهم جيدا كخطوة أولى ملموسة، لكنهم يعلمون أنه لا يزال يتعين عليهم القيام بالمزيد. إنهم غير راضين تماما، بل يريدون أن يرحل النظام القديم بالكامل.
ويطالب الجزائريون بتغيير جذري، تغيير في القيادة. إنهم لا يريدون بوتفليقة، ولا يريدون عائلة بوتفليقة، أو عشيرة بوتفليقة، ولا يريدون أن يبقى الحرس القديم في السلطة”.
ويبدو أن الحال نفسه ينطبق على السودانيين الذين يواصلون احتجاجاتهم ضد المجلس العسكري الانتقالي المدعوم من الإمارات.