ماذا تعرف عن صراع الرئيس روحاني والمرشد خامنئي؟ السحر ينقلب على الساحر

4 يوليو 2017
ماذا تعرف عن صراع الرئيس روحاني والمرشد خامنئي؟ السحر ينقلب على الساحر

بعدما أعيد انتخابه في التاسع عشر من مايو (أيار) الماضي، أمام السيد إبراهيم رئيسي المدعوم من المرشد الأعلى للثورة، خامنئي، تعرض الرئيس روحاني لسيل من الانتقادات، تكشف عن بالغ الحنق بينه وبين المرشد الأعلى للثورة ورأس الدولة الإسلامية الأكبر.

بدأت التوترات سريعًا بعد الانتخابات الرئاسية، ولم يكد يتنفس روحاني الصعداء بعد سباق انتخابي كان صعبًا، حتى اتهمه ممثل الإمام الخميني لدى الحرس الثوري، علي سعيدي، بعدم الولاء للولي الفقيه، إمام الثورة، وذلك في كلمة ألقاها الاثنين الخامس من يونيو (حزيران) الماضي.

اتهامات سعيدي لم تكن بمعزل عن حالة الشقاق العام بين مؤسسات الثورة ورئيس الإصلاحيين، وريث حجة الإسلام الراحل هاشمي رفسنجاني، وأعقبتها انتقادات حادة من المرشد الأعلى نفسه في اجتماعٍ له مع ممثلي الهيئات الطلابية الإسلامية في الجامعات الإيرانية، وأشار على الطلاب برفضه التام لخطة التعليم 2030 التي يتبناها روحاني، والتي تقتضي مساواةً بين الرجل والمرأة، في حديثٍ استمر ثلاث ساعات لم يتجاوز في تعليقه عن الحادث الإرهابي الذي هز العاصمة الإيرانية الدقيقة الواحدة.

جاءت انتقادات المرشد في ظروفٍ صعبة تمر بها الجمهورية الإسلامية، نظرًا لتعرضها لحادث إرهابي في السابع من يونيو (حزيران) الماضي، استهدف مبنى البرلمان وضريح الإمام الخميني، خلافًا للجوار الخليجي المستعر والذي تأمل الدبلوماسية الإيرانية في استثماره لصالحها في حرب باردة مع السعودية، ما يعني اهتمامًا من السيد خامنئي بمعركة الداخل وأولويتها على الخارج، بعد خسارةٍ مُني بها مرشحه المُفضل للرئاسة إبراهيم رئيسي، بفارقٍ كبيرٍ في الأصوات عن منافسه الفائز، بلغ حوالي ثمانية ملايين صوت.

الشيخ الأمريكي

كتقليد إيراني متبع، يخرج كبار المسؤولين مع عوام الناس، في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان من كل عام، إلى الشوارع للتنديد بقيام دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، فيما يُسمى بيوم القدس العالمي، حتى كان هذا العام شاهدًا على استغلالٍ للحدث داخليًا، إذ اقترب عددٌ من رجال الدين المتشددين من الرئيس روحاني هاتفين بعبارات مسيئة له ولسياساته، وصفوه خلالها بـ«الشيخ الأمريكي»، وشبهوه تارةً بالرئيس الإيراني الأول بعد الثورة أبو الحسن بني صدر، والذي فر إلى فرنسا بعدما أزاحه الخميني إبان حرب العراق بحجة ضعف الأداء السياسي وعمله ضد رجال الدين في الحكومة، وتارةً أخرى ربطوا بينه وبين مجاهدي خلق.

الأمر الذي استفز أنصاره من الإصلاحيين لتدشين حملات دعم على شبكات التواصل الاجتماعي، وحاول بعضهم ربط الهجوم على الرئيس روحاني بتصريحات المرشد المحرضة، بينما حاول بعض رجال الدين التبرؤ من الحادثة، معتبرين ما حدث ضربًا من الفوضى لا يمكن إلصاقه برجال الدين، والإمام، وهو ما أكد عليه أسد الله إيماني، إمام جمعة شيراز.

محاولات الفصل بين حديث المرشد الأعلى وهجوم جمعة القدس لم يُكتب لها النجاح، إذ سبقت كلمة المرشد في عيد الفطر وصلة من الإنشاد الناقد لسياسات الرئيس روحاني، ولغرابة المفارقة أن المنشد الذي ألقاها كان منشدًا خاصًا لحملة رئيسي الانتخابية، وتصدره للمشهد، وحضوره بجوار الإمام بعد الانتخابات يشي بأن الهجمة الحالية على الرئيس روحاني مستمرة انطلاقًا من اصطفافات الانتخابات.

الإرهاب أداة سياسية

في السابع من يونيو (حزيران) استيقظت طهران على حوادث هجمات متفرقة وعميقة لم تعتدها منذ عقود، تحديدًا مذ قُطّعت أواصر تنظيم مجاهدي خلق داخل إيران، ولم يكد يمر الحادث الذي تبناه «تنظيم الدولة الإسلامية – داعش»، والذي راح ضحيته العشرات من أبناء إيران من المدنيين، حتى استغله فرقاء السياسة لكسب بعض النقاط على حساب بعض.

حاول الإصلاحيون من مؤيدي الرئيس روحاني استغلال الحادث لإصلاح ما أفسدته الانتخابات الرئاسية من فُرقة، وانقسام بين أبناء الشعب الواحد، وكذلك حاولوا التغلب على مشكلات المعيشة التي تقض مضاجع إدارة روحاني، الذي ما فتئ خامنئي يذكره بها في كل مناسبة، والتي شكلت وحدها غصةً في حلْقه أثناء الحملة الانتخابية. يقولون إن على الشعب أن يتوحد لمحاربة الإرهاب الداعشي الذي للمرة الأولى يصل إلى داخل إيران لينال منها، وكان أبرز هؤلاء السياسيين على سبيل المثال، عبد الله رمضان زاده، ومحمد علي أبطحي، ومحمد رضا عارف، لكن يبدو أن مسعاهم لم يُكلل بالنجاح إذ أضيفت لمثالب الرئيس روحاني أزمة جديدة تتعلق بالإرهاب والأمن الداخلي.

بيضة أخرى أضيفت لسلة المحافظين الناقمين على إدارة روحاني، إذ يعتقدون أن الحادث أثبت بما لا يدع للشك مجالًا صحة موقفهم وسلامة رأيهم حين قرروا التدخل في سوريا، وأنهم إذا لم يكونوا قد فعلوا كانوا سيضطرون لقتال داعش في شوارع طهران بحسبهم، لكنهم على ما يبدو وجدوا ما يوبخون به الإصلاحيين، الذين للتو ربحوا الانتخابات الرئاسية بفارق كبير.

ولتحقيق أكبر مكاسب ممكنة من الحادث، وجه أحمد توكلي، وهو عضو سابق بالبرلمان الإيراني محسوبٌ على المحافظين،انتقادًا شديد اللهجة لعمدة طهران السابق (الإصلاحي) يوبخه فيها على انتقاده للمشاركة الإيرانية العسكرية في سوريا بديلًا عن دعم الحلول السلمية للأزمة.

ماذا بين المرشد وروحاني؟

على الرغم من علانية الخلاف بين أجندتي الرجلين، مرشد الثورة ورئيس البلاد، إلا أن العداوة بينهما بقيت في هدوئها النسبي حتى جاء موعد الانتخابات الرئاسية، وحينها لم يستطع مرشد الثورة إخفاء حنقه على روحاني، الذي تارةً ما يصفه معارضوه بـ«الرئيس السابق خاتمي»، وتارةً أخرى يرون فيه أبو الحسن بني صدر، غير أن التشبيه الأخير أبعد ما يكون عن الحقيقة، فلا هي الأيديولوجيا بين الرجلين تشابهت ولا الممارسات السياسية تلاقت.

أما ما كان من تشبيهٍ بين روحاني وخاتمي فربما فيه من الاعتبار ما يستحق تسليط الضوء، غير أن العديد من إصلاحيي إيران يأملون ألا يتوحد مصير الرجلين على صخرة المصالح الأمريكية.

كانت بوادر انفراجة في العلاقات الأمريكية الإيرانية قد بدأت بين الرئيسين، محمد خاتمي وبيل كلينتون، غرد الأول بعيدًا بالاعتراف بأن حادثة الرهائن الأمريكيين بُعيد الثورة لم تكن ضمن المسار الثوري الصحيح، وعليه فإنه يعتذر عنها، وزار، في محاولته إعادة دمج إيران في المجتمع الدولي، كلًا من طوكيو ومدريد وروما وموسكو وباريس، وفي المقابل قلل كلينتون من حدة الحظر الاقتصادي المفروض على إيران بعد الثورة، لكن جاءت رياح التغيير برحيل كلينتون بما لا تشتهي سفن خاتمي، وجرت شيطنة بلاده والحديث عنها ضمن محورٍ للشر أسماه الرئيس بوش بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001.

الأمر ذاته يتكرر اليوم مع الرئيس روحاني، الذي وقع اتفاقًا في يوليو (تموز) قبل الماضي مع الدول الخمس الكبرى برعاية الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، تعهدت فيه بلاده بوقف نشاطها النووي مؤقتًا مقابل انفراجة في أسواق المال والأعمال الإيرانية، أملًا في أن تلمس هذه الانفراجة المواطن الإيراني البسيط، وهو ما لم يحدث أو لنقل كانت الطموحات أبعد ما يمكن عن الواقع.

تأخُّر النتائج أو فشلها كذلك تقاذفته الاتجاهات المختلفة في إيران، فهذا الاتفاق باعتباره الإنجاز الأكبر للرئيس روحاني كان مصدر قوته ونقطة ضعفه في التوقيت ذاته، وقاد مرشد الثورة ورجال الدين المتشددون حملةً لتشويه الاتفاق الذي لم يؤت ثماره بعد، غير أنه عطّل الحلم النووي الإيراني، كما يراه رجال الدين المحافظون، وهو الانتقاد الذي لم يكد يتورط فيه روحاني حتى أدار حربه على مؤسسة الحرس الثوري باعتبارها الفاعل الأكبر في تأخر النتائج وتعطل بنود الاتفاق وليس إدارة روحاني، وشهدت الانتخابات سجالًا بين المرشح المدعوم من المرشد وبين روحاني، وامتد الجدال الانتخابي لما بعد ذلك، إذ اتهم ممثل الإمام الخميني لدى الحرس الثوري، علي سعيدي، الرئيس روحاني بعدم الولاء للولي الفقيه، إمام الثورة، بحسبه.

وسرعان ما ألقت الحادثة الإرهابية الأخيرة بظلالها على الدور المثير للجدل لحرس الثورة، إذ انتقد بعض الإصلاحيين ما أسموه تقصير الحرس الثوري في مهمته بحفظ الأمن الداخلي للبلاد، على حساب مشاركاته في الخارج وانغماس قادته في الاقتصاد الوطني، لكن على العكس من ذلك خرج نائب قائد الحرس الثوري ليتهم المملكة العربية السعودية بالضلوع في الحادث برغم تبني تنظيم الدولة للهجوم.

لم تفلح محاولات إبعاد الحرس الثوري عن اقتصاد البلاد وقرارها السياسي، وهو التحدي الذي فشل فيه الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، ويبدو روحاني رهينةً لطموحاته في هذا المسعى هو الآخر، لكنه لا يحرز تقدمًا فيه.

الخطاب المحافظ.. منذ الخميني لم يذق طعم النجاح

يواجه الخطاب الثوري المقدم من جانب التيار المحافظ في إيران أزمة وجودية في ظل الحداثة ومحاولات الانفتاح المتتابعة في أعقاب الثورة، ودليل هذا أنه لم يفز مُذ وفاة الإمام الخميني واحدٌ من أبناء هذا الخطاب ومُتبنيه، فكان رفسنجاني وتلاه خاتمي، وروحاني أخيرًا، وحتى أحمدي نجاد حين أتى للسلطة جاء من باب الشعبوية الاقتصادية، وساعده على ذلك نسبته لعموم الطبقة الوسطى الدنيا والمستضعفين من الإيرانيين، وكما هو معروف فأبوه كان حدادًا، كما كان كاوه في أساطير الفرس، المدونة في الشاهنامه.

أدرك المتشددون من رجال الدين أن الخطاب الثوري لم يعد مجديًا في تعبئة الناس للتصويت لهم، فحاولوا في الانتخابات الأخيرة التي فازها روحاني استخدام أساليب مساعدة، فنجد رئيسي وقاليباف (عمدة طهران، والمرشح الرئاسي المنسحب) يستندان في حملاتهما الدعائية إلى الحديث عن كشف وثائق فساد تضر بسمعة روحاني وحكومته، وهو الأسلوب المفتقر للأيديولوجيا كأساس للصراع بين الجناحين.

كذلك الحديث المتزايد عن معدلات الفقر المتفاقمة في ظل حكومة روحاني، وفشل المساعي الاقتصادية أو تأخر ثمارها؛ جميعها كانت أساسًا للخطابات الدعائية والمناظرات الرئاسية بديلًا عن خطابات التعبئة الثورية ومعاداة الإمبريالية الأمريكية ومقاومة الاستعمار، وأضفى الحادث الإرهابي الأخير بُعدًا جديدًا للخطاب المحافظ الذي يعاد تأطيره اليوم على يد مجموعةٍ من رجال الدين المتشددين، وهو بُعد الأمن القومي.

يحاول المرشد ألا يواكب إعادة تشكل الخطاب المحافظ المتهالك نوعًا ما، لكنه يبدو عاجزًا عن الإضرار بروحاني، غير أن بيده عرقلة مساعيه بورقة الحرس الثوري، ويبدو أن الأيام القادمة ستشهد مزيدًا من الصراع الخطابي (على أقل تقدير) بين المرشد وروحاني.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق