من جديد «تعز في الواجهة» واجهة المشهد الإعلامي والسياسي الذي لم تغب عنه من الأساس منذ اربع سنوات.
ظهر الأربعاء 20 مارس آذار ، هو تاريخ إعلان محافظ تعز الجديد “نبيل شمسان” رئيس اللجنة الأمنية قرار اطلاق حملة أمنية عقب وصوله الى تعز، بعد قرابة ثلاثة أشهر من تعيينه.
القرار الذي جاء غداة إغتيال ضابط كبير في الجيش، لملاحقة الخارجين عن القانون كما تسميهم السلطات في تعز ، وما تبعه من أحداث لثلاثة أيام، بات الى جانب الوضع في تعز هو حديث وسائل الإعلام والناشطين والأحزاب السياسية وحتى الحكومة والرئاسة، وهكذا كان يجري الحديث عن الوضع في تعز..
حرب إبادة.
“جرائم حرب، وإبادة جماعية بحق المدنيين العزل وانقلاب عسكري مصغر على قرارات المحافظ من قبل “مليشيات دينية راديكالية تتلقى أوامرها من الدوحة”
هكذا وصف محافظ تعز السابق الدكتور أمين محمود ما يحدث في تعز.
وغير بعيد عن ذلك يرى السكرتير الصحفي للرئيس السابق” ان الإخوان بتعز في إشارة الى حزب الإصلاح يشنون حرباً ضد المدينة القديمة وابو العباس – حد وصفه – تحت مبررات كانت هي نفسها مبررات الحوثي لتهجير دماج”.
اما القيادي البارز في الحزب الناصري “عادل العقيبي فناشد عبر صفحته الرئيس هادي للتحرك معتبراً ما يحدث في تعز بـ إعدامات خارج القانون وحرب إبادة ضد المدنيين.
تقصي الحقيقة.
تابعنا في الجند بوست معظم الآراء والكتابات، لكن ومن أجل الوصول الى حقيقة ما حدث كان لابد ان نصل الى شهادات حية من أرض الواقع، فما حقيقة ما حدث في تعز؟
استطاع الجند توثيق شهادات لمواطنين عايشوا الأحداث وهكذا كانت شهاداتهم.
«لقد عشنا ثلاث ايام من اسوأ الايام في حياتنا كلها، متحصنين بالجدران والمسلحين يقذفون نيرانهم من جوار منازلنا على الحملة الامنية»
هذه مقدمة لرواية القاضي “أحمد المجاهد” احد ساكني المدينة القديمة حول تفاصيل الرعب التي عاشها مع أسرته، يضيف القاضي المجاهد واصفاً احدى الوقائع:
يقول القاضي المجاهد أيضاً ان حفيدته الصغيرة “ليان” لا زالت مصابة بالرعب حتى الآن وذلك بعد ان كانت احدى شهود العيان على إطلاق المسلحين الخارجين عن القانون التابعين لأبي العباس صاروخ حراري من امام منزلهم الى حارة اخرى، – ما يؤكد امتلاك الجماعات الخارجة عن القانون لهذه الأسلحة هو خروج الفيديو المصور لقائد عمليات ابي العباس “محمد نجيب” وهو يهدد بإحراق تعز بالصواريخ الحرارية.
تراجيديا إعلامية
في تمام الساعة 12 من ظهر يوم الاثنين 25/3/2019 كان الناشط الإعلامي “صلاح نعمان” وهو أحد سكان مدينة تعز يخوض مغامرة معرفة الحقيقة، بعد أن أصابه الشك نتيجة الضخ الإعلامي في مواقع التواصل الإجتماعي والمواقع الصحفية والقنوات عن الوضع في تعز ، وبعد معاينة أحياء المدينة دون صلاح ما وجده كشهادة حية قائلاً :
«عبرت بوابة الباب الكبير للمدينة القديمة وبمجرد دخولي وجدت ازدحاماً خانقاً بسبب كثرة الباعة الذين يفترشون الرصيف والطريق ولا شي في هذه البوابة يدل على وقوع معركة هنا »
يضيف « تنقلت من حارة الى أخرى داخل المدينة القديم وفي كل حارة كنت اطرح هذا السؤال على السكان:
( كم بيت تم اقتحامها ونهبها في هذه الحارة..؟)
وياتيني هذا الجواب الذي تكرر في كل حارة اسال فيها:
(عندنا لم يتم اقتحام اي بيت لكن يقولوا في الحارة الثاني اقتحموا..) ومن حارة الى حارة نفس الجواب ولم نجد حارة يفصح قاطنوها عن كون بيوتهم قد تعرضت للإقتحام!
المظفر.. الحريقة والحقيقة
مستشفى المظفر للأمومة والطفولة، الواقع وسط المدينة القديمة أخذ حيزاً كبيراً من المشهد الإعلامي بعد تعرض جزء منه للحرق، تتبعنا تفاصيل ما حدث لمعرفة الحقيقة، طالعتنا شهادة حية لـ المحامية والناشطة الحقوقية “معين العبيدي” التي ظلت طوال 4 ساعات تطوي مساحات المدينة القديمة وأزقتها ، وتتفحص احيائها ومبانيها، من أجل الرصد والتوثيق.
على صفحتها بالفيس بوك كتبت معين شهاداتها بعد معاينتها مسرح الإشتباكات :
«الامور طيبه ليست كما هولها الاعلام والمفسبكين، طبعا لم يقتل اي طفل او مريض في مستشفى المظفر، الحريق للمستشفى طال الجهه الشماليه منه، غرفة العمليات ومولدات الكهرباء بجوار المستشفى، بقية المستشفى لم يحترق والمواطنون أطفأو النار التي كانت مشتعله بفعل كميه الديزل المخزنة »
موقف الأحزاب في تعز
بشيء من التحليل العميق يتناول الكاتب والمحلل السياسي “ياسين التميمي” موقف الأحزاب السياسية مما حدث في تعز ، والتي سارعت لإصدار البيانات حول ما يحدث، وعلى رأسها التنظيم الناصري ، والحزب الإشتراكي حيث علق التميمي على موقف الحزبين بالقول :
«يمكن تفهم أن يتم انتقاد الحملة لاسباب موضوعية عندما ترتكب أخطاء واضحة.. لكن هذا التحامل الذي يبدو أنه يتغذى من دوافع حزبية مريضة غير مقبول، فأي انحراف أكثر من هذه التغطية المستمرة التي يواصل هذان الحزبان تقديمها لكتائب ابو العباس التي أصبحت عنواناً للجريمة السياسية بتعز »
ويضيف التميمي ” كتائب أبو العباس ليست جزء من الجيش الوطني بل غطاء لهذا الخليط العنيف من المجرمين”
معتبراً ” إن الذي لا يهتم لأكثر من مائتي شهيد سقطوا غيلة في عمليات اغتيال إرهابية موجهة من الإمارات وعبر هؤلاء القتلة فليس من حقه أن يقدم دروساً في حقوق الإنسان، والتذرع بترويع المدنيين” حد قوله.
يستحقون الإحترام
في يوم الخميس الساعة الخامسة فجراً استيقظ الناشط الحقوقي والمجتمعي” مختار الحاج” على وقع استهداف للمنزل الذي يقطنه والواقع في حي المدينة القديمة، يشرح مختار ما حدث معه بعدها بالقول :
“بعد الضرب على المنزل فوجئنا بوجود أفراد من” قيادة المحور” بالدور الأسفل وبدأت الاشتباكات بقوة حوصرنا داخل المبنى فإذا بأحد الأفراد يطمئننا ويقول لنا: (لا تخافوش أهم شي عندنا حياتكم ارجعوا الجهة الأخرى من المبنى) ثم غادر.
يواصل “الحاج” تكملة الواقعة :
«استمر الضرب بقوة فعاد نفس الجندي في الساعة السابعة صباحاً وخاطر بحياته ليوصل لنا وجبة الصباح “صبوح عسكري” (وهي وجبة عبارة عن فاصوليا وروتي).
سألنا بعدها هل تحتاجون شيئاً؟
اخبرناه أننا نريد الخروج فقال لنا الجندي: ليس الآن، سنؤمن لكم طريق ثم سنخرجكم بعدها، وبالفعل عاد نفس الجندي الساعة التاسعة صباحاً ودق باب المنزل بكل أدب وقال لنا ” تستطيعون الآن الخروج بأمان”
بعد 3 أيام رن هاتف مختار على اتصال يبلغه بإمكانية العودة، وحال عودته الى منزله قال انه انصدم من وجود كل شيء في مكانه بنفس الرتابه ولم يتعرض شيء من مقتنيات المنزل للنهب”، علق مختار على هذا التعامل بالقول ان هولاء الجنود يستحقون الإحترام.
مطبخ القاهرة!
يستدل الناشط في مواقع التواصل الإجتماعي” عبدالخالق الجرفي” بأحداث المدينة القديمة لإثبات ما قال انها حقيقة اكتشفها العالم أجمع وهي “أن أكذوبة حرب إبادة ، وحرب ضد الانسانية ، و مجازر مروعة ، وانتهاكات بحق المدنيين، وغيرها من المصطلحات التي رددها البعض ليست سوى طبخة تم إعدادها في القاهرة” بحسب الجرفي.
متهماً المحافظ السابق “امين محمود ” بتدشين الحملة ضد تعز، ومشاركة بعض ناشطي الأحزاب الذين وصفهم بالحمقى.
في حين علق الصحفي ” ياسين العقلاني” قائلاً :
“حملات وفبركات الناصري المسيئة للجيش الوطني وتعز مستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، وما يجري هذه الأيام هو مواصلة لذلك النهج الانتهازي بعد أن استعانوا بأرامل الهالك، حتى أن قيادات الحزب والتي كانت توجه الحملات سابقا من وراء حجب؛ خرجت وألقت بغثاها”.
الخاسر الوحيد.
بالنظر الى ما تعرضت له تعز، منذ بداية الحرب وحتى اللحظة فإن الأمر يبدو لمحللين ومراقبين أشبه بمحرقة كبيرة لسمعة تعز ونضالاتها ومكاسبها، وأن ما حدث مؤخراً كشف عن اللوبي الذي زرع في احشاء المدينة للنيل منها.
وفي حين تغزو سياسة رمي التهم والتراشقات الوسط التعزي، في حرب الخاسر الوحيد فيها هي تعز، تبدو الحاجة ملحة للإلتفاف خلف مؤسسات الدولة، واليقظة لمخطط الإحراق الذي يراد اقحام المدينة فيه، فهل تنبه ابناء المدينة، ونخبها السياسية وقادتها لذلك؟!