يستخدم النظام الحاكم في دولة الإمارات العربية المتحدة موارد الدولة المالية الهائلة في لعب دورا تخريبيا يقوم على تقويض ثورات العربي.
وأدّت الإمارات بفضل مواردها النفطية وما يرافقها من فوائض مالية، دوراً لا يُستهان به في تحويل الثورات العربية إلى صراعات داخلية شرسة، ويتَّضح أنّ ذلك الدور كان مُصَمَّماً وفقاً لما تمليه القوى العظمى في العالم.
وكثيراً ما يعتاد المواطن العربي ما يراه من تناقض بين ثروات النفط والتخلُّف الشديد إلى حدّ عدم التساؤل عن أسبابه، ولم يعد بإمكاننا تجاهل هذا النوع من النقاش، ومن قبيل المشاركة بالرأي في هذا الموضوع البالغ الأهمية، دعونا نتساءل: هل تكرار النزاعات في الدول العربية الغنية بالنفط ناتج عن تشخيص خطأ لمشكلة إدارة تلك الثروات الطبيعية؟
يقف أغلب المحللين عند تحليل ظاهرة لعنة الموارد، متناسين ما خفي من أسباب أخرى كالهيمنة الأجنبية على النفط العربي. فقد عانت معظم الدول العربية الغنية بالنفط والغاز من نزاعات حادّة، زعزعت استقرارها وأمنها ولا سيَّما العراق وليبيا ومؤخراً الجزائر.
وأصل تلك النزاعات هو وفرة النفط الذي خلق العديد من الفرص لفساد النخب الحاكمة التي مكَّنت الأيادي الأجنبية من السيطرة على النفط العربي، بعدما كان ذلك شبه مستحيل في حقبة سابقة من الزمن.
وساهم الذهب الأسود في تأجيج جشع وطمع الحكام، ودفعهم إلى سلك مختلف الدروب للاستحواذ على الحكم وترسيخ الفساد، الذي يضمن بقاءهم في كراسيّهم لفترة أطول، ولا ننسَ الأطماع الخارجية التي تربَّصت بالنفط العربي، والتي منحت كذلك فرصاً للنخب الحاكمة للاستمرار في الحكم لم يتمكنوا من الحصول عليها فرادى.
وفي ساعة الغفلة، تمكَّنت الأيادي الأجنبية من عقد اتفاقيات مع الحكام العرب للحصول على النفط والغاز العربيين بالمجان لأجل غير مسمى، لذلك تقاعست أغلب الحكومات العربية الغنية بالنفط عن توفير العيش الكريم لمواطنيها، لأنّ نفطها وببساطة ليس ملكاً لها بالكامل وللدول الإمبريالية نصيب فيه أيضاً.
ﻨﺸﻭﺏ النزاعات ﻭتفجُّر الصراعات في تلك الدول، جاء نتيجة لوفرة النفط فيها وجشع حكامها وأطماع القوى الإمبريالية العظمى فيه، التي لها أيضاً مآرب أخرى في الدول العربية التي تمتاز بمواقع جيوستراتيجية بسبب قربها من إسرائيل كسورية، لبنان، الأردن ومصر.
وقد هزّ زلزال التغيير العديد من الدول العربية كتونس، مصر، ليبيا وسورية وأطاح أنظمتها، ودائماً يكون النفط العربي إما مُسبِّباً أو مُموِّلاً لهذه الثورات، وها قد وصل الدور الآن إلى الجزائر التي تفاقم فيها الجشع والفساد بسبب النفط والغاز اللذين تمتلك فيهما فرنسا وإيطاليا وحتى أميركا نصيب من جرّاء اتفاقيات الاستغلال التي تمّ عقدها في الماضي.
فرغم انتهاء الاستعمار الفرنسي ظلَّت أطماع فرنسا قائمة وبلا حدود في النفط والغاز الجزائري، ويبقى الحل متأرجحاً بين الاحتجاجات الشعبية الواسعة والمصالح الغربية والحكومة الجزائرية، التي استنزفت كل الموارد المالية والتي كانت أيضاً على يقين بقدوم اليوم الذي يعي فيه الشعب مدى خطورة السياسات التي تمّ انتهاجها ويرفض استمرارها.
ولنا أيضاً في الإمارات مثال حيّ على تسخير النفط لشراء الصمت الاجتماعي وتحقيق الكبت السياسي، وتغيير مسار الثورات التي اندلعت في العديد من الدول العربية وأهمّها اليمن.
كما استعملت الإمارات أيضاً مواردها النفطية في توجيه الثورة اليمنية نحو منطقة الصراع المزمن وتحويل اليمن إلى ساحة حرب مستباحة.
وإضافة للتدخُّل الإماراتي في الحالتين السورية والليبية، ما زال الانقلاب العسكري في مصر لصيقاً بمليارات الريع النفطي الخليجي.
شهادات حية بشأن دور الإمارات الإجرامي
شدّد الرئيس التونسي السابق محمد المنصف المرزوقي، على أن أموال الإمارات لن تنجح في وقف “موجات الربيع العربي الثانية” التي تجري في الجزائر والسودان.
وأكد المرزوقي أن أموال الأنظمة التي دعمت الدولة العميقة في دول الربيع العربي نجحت في إيقاف الثورة، لكنها لم تنجح في اقتلاع روحها من نفوس الشعوب.
وقال: إن “الشعوب العربية حيّة، وأنا قلت في أكثر من مناسبة إن الربيع العربي لن ينتهي، والموجة الثانية قادمة لا محالة، وقولي لم يأتِ من باب التنجيم أو قراءة الفنجان، إنما هو استقراء لواقع الشعوب التي أُرهقت من الظلم”.
وأرجع المرزوقي الأسباب التي تدفع الإمارات للوقوف أمام طموحات شعوب الربيع العربي في التحرّر إلى “الغباء السياسي” لهذه الدولة.
واستطرد بالقول: “لا تفسير لهذا الأمر؛ فلو كانت هذه الأنظمة واثقة من أنها تكتسب شرعيتها من شعوبها، وتقيم العدل فيهم، لما خشيت من ارتدادات الثورات عليها”.
يشار إلى أن كلاً من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، شهدت موجات احتجاج شعبي بدأت في 2011، وطالبت بإسقاط الأنظمة الاستبدادية فيها، أُطلق عليها تسمية ثورات الربيع العربي.
وقد أفرزت هذه الثورات تيارين؛ الأول يمثل الثوار الطامحين للتغيير والديمقراطية، والثاني تيار الثورة المضادة تجسّده أجهزة الحكم في النظم التي أُسقطت، والتي يطلق عليها تسمية “الدولة العميقة”.
وأدّت الإمارات دوراً بارزاً فيما عُرف باسم “الثورات المضادّة” في الدول العربية التي شهدت احتجاجات مطالِبة بإسقاط أنظمة تحكمها منذ 30 عاماً وأكثر، وهو ما تخشاه أبوظبي؛ خوفاً من صعود تيارات تهدد أنظمة الحكم هناك.
وظهر اسم الإمارات واضحاً في ليبيا من خلال دعمها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وفي مصر من خلال دعمها الرئيس عبد الفتاح السيسي، إضافة إلى تدخلها العسكري المباشر في اليمن تحت غطاء التحالف العربي.
وتشهد الجزائر مظاهرات تطالب بعدم التمديد للرئيس المنتهية ولايته عبد العزيز بوتفليقة، طالب الجزائريون خلالها الإمارات بعدم التدخل في شؤون بلادهم.
وتزامنت المظاهرات مع كشف اللواء المتقاعد في الجيش الجزائري، حسين بن حديد، أن قائد أركان الجيش، أحمد قايد صالح، يتلقّى أوامر من الإمارات، ويعمل على تأزيم الأوضاع في الشارع من خلال إخافة المتظاهرين.
وفي السياق قال أيمن نور النائب السابق بمجلس الشعب ومؤسس حزب “الغد” المصري، إن الإمارات ارتكبت جريمة بحق الشعب المصري، وستدفع ثمناً باهظاً بسبب دعمها لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وأضاف نور أن “نظام الإمارات ارتكب جريمة بحق الشعب المصري؛ بدعمه نظاماً دموياً قاتلاً مثل نظام السيسي”.
وتابع: “سيدفعان الثمن باهظاً. وأنا أتحدث هنا عن النظام لا عن الشعوب، لأنها مغلوبة على أمرها، وسيأتي اليوم الذي يحاسب فيه النظامان على جرمهما”.
وشارك النظام في الإمارات وعلى رأسه ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، في دعم السيسي للانقلاب على نظام الرئيس المعزول محمد مرسي، إبان ثورة خرج بها المصريون أسقطت الرئيس الأسبق محمد مرسي في يناير 2011.
*الامارات ليكس