قالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية إن زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني للعراق، والتي بدأت أمس الاثنين، تشير إلى أن طهران مستمرة في توسيع نفوذها بالعراق.
ونقلت الصحيفة عن محمود المشهداني، رئيس مجلس النواب العراقي الأسبق، قوله إن إيران جسم صغير له عقل كبير، والولايات المتحدة جسم كبير له عقل صغير، وذلك في سياق تعليقه على التنافس الإيراني-الأمريكي بالعراق، معتبراً أن لطهران في بغداد اليوم “اليد العليا على أمريكا”، بحسب رأيه.
من جهته قال عدنان الزرفي، العضو الشيعي في مجلس النواب العراقي، والذي عاش بالولايات المتحدة، إنه لا وجود أمريكياً في العراق، فقط الوجود العسكري، “على النقيض من ذلك، فإن إيران اندمجت في الحياة السياسية والعسكرية العراقية، وتسعى الآن إلى التوسع اقتصادياً وثقافياً”.
تقول الصحيفة إن إيران تدعم هيمنتها على العراق باعتبار ذلك جزءاً من طموحات إقليمية أوسع، فهي تهدف إلى تأمين الطريق إلى البحر المتوسط عبر الدول الصديقة، وذلك سيمكنها جزئياً من شحن الأسلحة ودعم حزب الله في لبنان، ومواصلة مساعدة جيش بشار الأسد في سوريا، وتهديد إسرائيل.
الآن، وقد وسَّعت إيران من نفوذ الجماعات الشيعية المسلحة لتصبح قوة سياسية بالعراق، تماماً كما فعلت مع حزب الله في لبنان، فإن الأولوية لطهران الآن هي زيادة العلاقات الاقتصادية لمواجهة العقوبات الأمريكية، بحسب الصحيفة.
السفير الإيراني في بغداد إيرج مسجدي، قال السبت الماضي، إن بلاده تعتبر العراق الوجهة الأولى للبضائع الإيرانية، وهي تسعى إلى التفوق على تركيا والصين، أكبر شريكَين تجاريَّين للعراق، وفق ما ذكرته “نيويورك تايمز”.
وعلى الرغم من أن إيران لديها بالفعل روابط اقتصادية واسعة مع العراق، فإنها ترغب في توسيع العلاقات، فلقد أعلن روحاني في مؤتمر صحفي مع نظيره العراقي، أمس الاثنين، أن بلاده تهدف إلى زيادة التبادل التجاري مع العراق ليصل إلى 20 مليار دولار بدلاً من 12 مليار دولار حالياً.
محاولة إيران هذه في ظل العقوبات الأمريكية عليها تجعل العراق عالقاً بين واشنطن التي لا يزال بحاجة لمواردها العسكرية والاستطلاعية، وطهران التي قدمت أيضاً دعماً عسكرياً ضرورياً في حرب العراق على الإرهاب، علماً أن الولايات المتحدة أعفت العراق من التزام العقوبات المفروضة على إيران مؤقتاً، حتى يتمكن من الاستمرار في شراء بعض المنتجات الإيرانية، وضمن ذلك الطاقة الكهربائية والغاز الطبيعي.
يقول جوست هيلترمان، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية ومقرها بروكسل، إن إيران اكتسبت نفوذاً على بعض مفاصل النظام السياسي في العراق، وهو ما يجعل من الصعب على السياسيين العراقيين الابتعاد عن مطالب طهران، “فالعراقيون يعرفون أن إيران جارتهم، وسيظل الإيرانيون دائماً جيراناً”.
وتابع حديثه للصحيفة الأمريكية، قائلاً: “إنهم بحاجة للحفاظ على علاقات جيدة مع إيران، ولا يمكنهم تحمُّل غضبها، لأن لديها قدرات هائلة”، في إشارة إلى قدرة طهران على استخدام قوتها العسكرية والسياسية لتقويض الحكومة العراقية الهشة.
إيران التي تدين بالمذهب الشيعي لديها تواصل ديني مع جزء من سكان العراق العرب الشيعة، غير أنها -رغم هذا التواصل الديني- لم تقتصر على ذلك، وإنما مدَّت يدها للتعاون حتى مع السُّنة في العراق، الذين كانوا ينظرون إليها على أنها عامل عدم استقرار ولديها مطامع هناك.
لم يسبق أن سعت إيران للتواصل مع العرب السُّنة في العراق كما يجري حالياً، وهو ما يؤكده كثير النواب السُّنة.
تقول الصحيفة الأمريكية إن إيران ترسل مسؤولين كباراً إلى العراق بانتظام، لمناقشة واقع العلاقات التجارية. وفي الأشهر الثلاثة الماضية، نفذ وزير خارجية إيران، محمد جواد ظريف، أكثر من زيارة للعراق. كما زار الرئيس العراقي، برهم صالح، طهران بعد تقلده منصبه، لمناقشة الروابط الاقتصادية بين البلدين والعقوبات الأمريكية، وأيضاً ذهب رئيس البرلمان العراقي، محمد الحلبوسي، إلى طهران خلال الشهر الماضي.
ورغم هذا التواصل مع إيران حتى من قِبل السُّنة، فإنهم لا يزالون يتخوفون من إيران ولا يثقون بها، بل حتى إن الشيعة العراقيين لديهم قلق من طهران، فهم يخشون من أن تعمل على تحويل العراق إلى نسخة أخرى من إيران.
يقول فاضل البديري، أحد المراجع الشيعية في العراق، إن إيران تسعى لسحب بغداد بعيداً عن هويتها العربية والوطنية، فـ”العراق له هوية خاصة؛ إنه بلد متنوع دينياً وله هوية عربية”.
أكثر من 20 فصيلاً شيعياً مسلحاً في العراق اليوم تدعمها إيران، وإن كان هناك اختلاف في طبيعة العلاقة بين هذه الفصائل وطهران.
وفي الآونة الأخيرة، شجعت إيران السُّنة على إنشاء نسخة مشابهة من الفصائل الشيعية، وذلك لمسك الأرض التي تمت استعادتها من قبضة تنظيم داعش.
الفصائل العسكرية الشيعية بات يُنظر إليها على أنها قوة موازية لقوة الدولة، ولكونها تتلقى دعمها وتعليماتها من إيران، فإنه ليس بإمكان الحكومة العراقية السيطرة عليها بالكامل، علماً أن من بينها اثنين من الفصائل التي صنفتها الولايات المتحدة على أنها فصائل إرهابية، وهما: كتائب حزب الله وحركة النجباء.
ليس هذا فحسب، تقول الصحيفة الأمريكية، فإيران تحاول أن يكون لها نفوذ ديني على مدينة النجف، التي تعد أهم المراكز الفكرية للتشيع حول العالم، وهي تعتبر مركزاً فكرياً شيعياً منفصلاً عن إيران.
يقول المرجع الشيعي فاضل البديري إن هناك غضباً بين رجال الدين الشيعة، بسبب هذه المساعي الإيرانية، “إنهم يحاولون تعزيز تأثير المرجعية الدينية الإيرانية وإضعاف الآخرين”.