بعد مرور ثمانية أعوام على اندلاع ثورات الربيع العربي.. 3 مقاربات مختلفة لفهم الشرق الأوسط

محرر 25 مارس 2019
بعد مرور ثمانية أعوام على اندلاع ثورات الربيع العربي.. 3 مقاربات مختلفة لفهم الشرق الأوسط

بعد 8 سنوات من اندلاع سلسلة من الانتفاضات في جميع أنحاء الشرق الأوسط، هناك جدل حول ما إذا كان النظام في الشرق الأوسط (القديم أو الجديد) قد استقر، أو ما إذا كانت المنطقة لا تزال غير مستقرة، وبالتالي، سوف تستمر في إنتاج موجات من الاضطرابات.

ويعكس هذا الجدل في جوهره تقييمات متضاربة لقدرات الأنظمة على إدارة المشاكل الاقتصادية الأساسية والأزمات المتعلقة بالهوية التي لم تحل إلى حد كبير، والتي ساءت في بعض الحالات.

بالنسبة لصانعي القرار في (إسرائيل)، يعني هذا أن التخطيط الاستراتيجي لا يمكن أن يستند فقط إلى افتراض أن الاتجاهات الإقليمية الحالية ستستمر.

ورغم مرور 8 سنوات على الانتفاضات، يواصل المحللون وواضعو السياسات التعامل مع الأسئلة الأساسية المحيطة بالطبيعة الحالية للمنطقة؛ هل الثورات مستمرة؟ ما الذي يحدد النظام الإقليمي؟ كيف تطورت الثورات؟ وما هي تداعيات الاستقرار أو عدم الاستقرار الإقليمي على (إسرائيل)؟

يتناول هذا المقال 3 طرق لفهم الشرق الأوسط اليوم، يفترض أحدها أن الشرق الأوسط قد استقر في “نظام جديد” يختلف بشكل مميز عن شكله قبل عام 2011، وسيبقى ثابتًا نسبيًا.

ويؤكد نهج ثانٍ أن المنطقة لا تزال في حالة من الاضطراب وستتسم بعدم الاستقرار وعدم اليقين في السنوات القادمة.

بينما تؤكد وجهة نظر ثالثة أن الشرق الأوسط قد عاد إلى حد كبير إلى نظامه قبل عام 2011، ومن المرجح أن يبقى هناك في المستقبل المنظور.

الخيار الأول: نظام جديد للشرق الأوسط

ووفقاً لهذه المدرسة الفكرية، فإن الاضطرابات قد ولدت بالفعل نظامًا جديدًا يضم ميزانًا إقليميًا مختلفًا للسلطة، وأشكالًا بديلة للحكم، وديناميكيات جديدة للعلاقات بين الدول.

يمكن توقع أن تظل الدول والحدود هي المبادئ المنظمة للمنطقة، لكن العديد من الدول ستضطر إلى قبول حالة من السيادة المحدودة، والتي تنعكس في ظهور مناطق فوضوية ومتنازع عليها وغير خاضعة للحكم على حدودها، أو ستقتنع بضرورة مشاركة السيادة مع الدول الأخرى.

في الوقت نفسه، ترسخت ترتيبات جديدة لمشاركة القوة العظمى في المنطقة، ومن المحتمل أن تستمر مكونات هذا الترتيب الجديد.

فالدولة العراقية، على سبيل المثال، ربما تكون قد نجت من الاحتلال الأمريكي والحرب الأهلية اللاحقة، لكن حكومتها المركزية لا تزال ضعيفة مقارنة مع الجهات الفاعلة من غير الدولة العاملة على أراضيها، وهي معرضة للتأثير الإيراني الثقيل.

في مصر، لم تؤد الانتفاضات في النهاية إلى قلب النظام العسكري القائم منذ عام 1952، ولكن منذ عام 2011 ناضل هذا النظام لفرض سلطته على شبه جزيرة سيناء، علاوة على ذلك، أدت الاضطرابات إلى إضعاف الهيمنة التقليدية لمصر وسوريا، في حين أن الجهات الفاعلة الأخرى – بشكل رئيسي إيران و(إسرائيل) – استخدمت الاضطرابات لتوسيع نفوذها.

وتتمتع إيران اليوم بوجود عسكري وسياسي أقوى بكثير في سوريا واليمن ولبنان والعراق مقارنة بما كانت عليه في الماضي.

وقد وسعت (إسرائيل) نفوذها الإقليمي من خلال تعزيز التعاون الأمني ​​والاستخباراتي مع الأردن ومصر وبعض دول الخليج، وهو تعاون نتج عنه تخفيض مرتبة القضية الفلسطينية على قائمة الاهتمامات الخاصة بهذه الدول.

ومن خلال تواجدها في سوريا في السنوات الأخيرة، حصلت روسيا على دور كقوة عظمى في الشرق الأوسط، إلى جانب الولايات المتحدة – التي انسحبت من المنطقة (بلاغيًا، إن لم يكن بالكامل في الواقع) – وبدرجة أقل، حصلت الصين على دور هي الأخرى.

ونتيجة لذلك، ظهر الانقسام بين الولايات المتحدة وروسيا في مجالات النفوذ، حيث حافظت الولايات المتحدة على هيمنتها في الخليج، وأحيت روسيا نفوذها في الهلال الخصيب، وإلى حد ما في شمال أفريقيا.

وهكذا تحول الشرق الأوسط من نظام إقليمي يتميز بهيمنة قوة عظمى وحيدة (الولايات المتحدة) إلى نظام يتسم بالمنافسة والتنافس بين قوى عالمية عديدة هي الولايات المتحدة وروسيا والصين.

الخيار الثاني: الربيع العربي لا يزال مستمرا

وفقاً لهذا الرأي، فإن انهيار نظام ما قبل 2011 لم ينتج بعد شرق أوسط (جديد)، وستبقى المنطقة في فترة انتقالية طويلة، تتسم بقدر كبير من عدم اليقين فيما يتعلق بالتطورات القصيرة الأجل والطويلة الأجل.

وينبع هذا التقييم في المقام الأول من ملاحظة أن الأسباب الرئيسية للانتفاضات وعلى رأسها العجز الاقتصادي (الذي يشمل على سبيل المثال، بطالة الشباب، والفساد، واقتصاديات الظل، وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، والاعتماد على النفط) وصراعات الهوية (الدينية أو العنصرية)، لم يتم حلها، وربما ساءت حتى منذ عام 2011.

ويمكن لهذه المشاكل أن تثير تفاعلات جديدة بين الأنظمة والجمهور يمكن أن تسبب موجات من الاحتجاجات الشعبية في المستقبل.

علاوة على ذلك، هناك صراع مستمر من أجل السلطة السياسية، سواء داخل البلدان أو بين المخيمات الإقليمية المختلفة.

ويستمر العنف في سوريا واليمن وليبيا، حيث السيادة السياسية الكاملة لا تزال بعيدة المنال.

وعلى الرغم من انتصار “بشار الأسد” في سوريا، لا يزال يجب عليه التعامل مع جيوب قتالية إضافة إلى تدخل أطراف ثالثة – إيران وروسيا وتركيا – تقوض سيادته بينما تتنافس فيما بينها من أجل التأثير.

وفي اليمن، لا يزال التدخل الخارجي من قبل إيران يغذي القتال مع عدم استعداد الأطراف المتحاربة للتوصل إلى حل وسط، والذي يعد بداية حاسمة لأي وقف للقتال.

وفي ليبيا، يستمر النزاع المسلح على الأرض في حين تتوزع السلطة بين الجهات الفاعلة (بما في ذلك حكومتين وعشرات المليشيات وبقايا تنظيم الدولة الإسلامية) دون أي علامة على وجود حل في الأفق.

هذه الصراعات العنيفة تمنع أو تعرقل على الأقل تقوية حكومة مركزية قوية يمكنها أن تزود هذه الدول بإمكانية استعادة السيادة، وتطوير المؤسسات الحاكمة وإنعاش الاقتصاد.

وفي ظل هذه الظروف، فإنها تظل مصدرا للاجئين والجريمة وحتى العنف للدول الأوروبية المجاورة.

أما في البلدان التي عاشت موجات الاحتجاجات في عام 2011 ولم تنحدر إلى صراع أهلي (على سبيل المثال الأردن ومصر ولبنان وإيران والجزائر)، فإن التجدد المستمر للاحتجاجات يلقي علامات استفهام حول مرونتها وتماسكها الداخلي.

ونظراً للمظالم التي لم يتم تلبيتها وشدة هذه النزاعات المستمرة، فقد تكون المنطقة عرضة لموجات صدمة إضافية في السنوات القادمة قد تؤدي إلى مزيد من التغييرات غير المتوقعة.

الخيار الثالث: عودة النظام القديم

وفقاً لأنصار هذا النهج، احتفظ الشرق الأوسط، على الرغم من الاضطرابات، بالخصائص المهيمنة لنظامه قبل 2011.

وبعد تغييرات محدودة في أعقاب الانتفاضات عادت الأمور مباشرة إلى طبيعتها المألوفة والمتوقعة.

ولا تزال المنطقة مؤلفة من نفس البلدان، والتي، باستثناء تونس، لم تخضع لترتيب داخلي كبير في هياكل القوة التقليدية، وبدلاً من ذلك، فقد واجهت هذه الأنظمة تحديات الفترة وعالجتها بطريقة مكنتها من الاحتفاظ بالسلطة.

ولم تُترجم مطالب المتظاهرين في عام 2011 في الحقوق الفردية والعدالة الاجتماعية إلى ثقافة سياسية جديدة في المنطقة.

ولا تزال المنطقة محكومة من قبل طبقة من الحكام المستبدين، مع السمات المعتادة للحكم مثل الروابط الوثيقة بين الثروة والسلطة، وتضخم البيروقراطيات الوطنية، والمشاركة العميقة للجيش والأجهزة الأمنية في السياسة والاقتصاد، وقد حولت الجماهير التي لعبت دورًا حاسمًا في الاحتجاجات تركيزها إلى الضروريات الأساسية وتخلت عن دعواتها إلى نظام جديد.

ووفقا لهذه الرؤية، ففي حين أن المشاكل الرئيسية التي ولدت الاحتجاجات لم يتم حلها، فإن القادة الإقليميين يدركون أكثر من أي وقت مضى التهديدات المحتملة للمواطنين الساخطين على حكمهم، ويعتقدون أن سياساتهم قد تمكنت من مواجهة التحديات وستستمر في القيام بذلك.

الدلالات

تمكن النقطة المركزية للجدل أعلاه في الخلاف الرئيسي بين من يرون أن نظامًا مستقرًا نسبيًا (قديمًا أو جديدًا) قد ترسخ في الشرق الأوسط، وأولئك الذين يعتقدون أن المنطقة ما زالت غير مستقرة، وبالتالي سوف تستمر في إنتاج موجات من الاضطرابات.

ويعكس هذا الجدل، في جوهره، تقييمات متضاربة لقدرات الأنظمة على إدارة المشاكل الاقتصادية الأساسية والأزمات المتعلقة بالهوية التي لم تحل إلى حد كبير، والتي ساءت في بعض الحالات.

كما يعكس هذا الخلاف التضارب في تقييم إذا ما كانت الأنظمة طورت أدوات كافية للتصدي لمشاكلها، أم أن بقاءها سيلقي بالمنطقة في خضم نوبات جديدة من الاضطرابات في المستقبل على غرار تلك التي شهدناها في السنوات الأخيرة.

كيف إذن يمكننا وصف طبيعة الشرق الأوسط اليوم؟

في ظاهر الأمر، تدعو البدائل الثلاثة المبينة هنا إلى استنتاجات مختلفة تمامًا، ومع ذلك، فإن تعقيدات المنطقة اليوم نتاج مزيج من الخيارات الثلاثة جنيا إلى جنب.

ويحوي الشرق الأوسط قوى مختلفة تدعم كل خيار من الخيارات الثلاثة: مؤيدو النظام القديم، دعاة النظام الجديد، وأولئك الذين يسعون إلى تقويض أي نظام.

وعلى هذا النحو، فإن تقييم الشرق الأوسط بشكل صحيح يتطلب على الأرجح إطار عمل تحليلي يضم جميع البدائل الثلاثة على أن يشمل هذا الإطار دراسة الفترات الانتقالية (أي الفترات التي تتسم بالدرجة الأولى بعدم الاستقرار وعدم اليقين والتقلب)، وإلمام عميق بتاريخ وتقاليد المنطقة، وفهم متطور لخصائص المنطقة كما ظهرت في السنوات الأخيرة.

بالنسبة لصانعي القرار في (إسرائيل) وغيرها، فإن هذا يعني أن التخطيط الاستراتيجي لا يمكن أن يعتمد فقط على افتراض أن الاتجاهات الإقليمية الحالية ستستمر حيث يبقى هناك احتمال بأن ينعطف الشرق الأوسط إلى مواجهة انعكاسات مفاجئة على المدى المتوسط أو الطويل.

*العربي الجديد

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق