لماذ استقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف؟ وهل كانت الاستقالة مفاجئة؟ ولماذا ترافقت مع زيارة لرئيس النظام السوري بشار الأسد إلى إيران؟ وهل سيتراجع ظريف عن الاستقالة، لتكون مجرد مناورة لتقوية موقفه بعد العدول عنها؟ أسئلة أثيرت طيلة يوم الثلاثاء، وربما تظل معلقة تبحث عن مزيد من النقاش والتحليل.
القشة التي قصمت ظهر البعير
استقالة ظريف المفاجئة بالنسبة لمتابعي الشأن الإيراني كانت لأسباب لا تبدو مفاجئة بالنسبة لظريف نفسه، الذي ألمح إلى ما يمكن أن يعد “القشة التي قصمت ظهر البعير”، والتي دفعته إلى الاستقالة، حيث نشرت وسائل إعلام إيرانية صوراً لاجتماعات المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، وكذا للرئيس حسن روحاني مع بشار، تغيب عنها وزير الخارجية الإيراني. وعلق ظريف في رده على سؤال لمراسل موقع “انتخاب” الرسمي الإيراني، حول الصور: “بعد نشر الصور المتعلقة بلقاءات اليوم فإن جواد ظريف لم تعد له مكانة في العالم كوزير للخارجية”، وهو التصريح الذي يكشف عن علاقة ما بين الاستقالة وتغييب الوزير عن لقاءات رسمية يفترض أن يكون أول الحاضرين فيها.
وكانت وسائل إعلام إيرانية ركزت على غياب ظريف عن مراسم استقبال رئيس النظام السوري، خلال اجتماعاته مع المرشد، وكذا مع الرئيس روحاني في طهران.
وكتب ظريف في رسالة نشرها على حسابه على انستغرام “أعتذر لعدم قدرتي على الاستمرار في منصبي، وعن أي تقصير خلال أدائي مهامي”.
ومع وجاهة الربط بين استقالة ظريف وزيارة بشار، إلا أن البحث في أسباب الاستقالة يمكن أن يتجاوز مجرد “الغضب الشخصي” لتجاهل ظريف أثناء استقبال بشار الأسد، والتنسيق لزيارته، ليذهب إلى قضايا شائكة داخل إيران، تشكل نقاط خلاف جوهرية بين المحافظين المتشددين وظريف تحديداً.
لا يبدو أن التيار المحافظ المتشدد في إيران يكن وداً لوزير الخارجية، ولا يتفق مع سياساته، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الصفقة النووية مع طهران، والتي اعتبرت نجاحاً لوزير الخارجية، الذي كان أثناء محادثات فيينا كبير المفاوضين الإيرانيين، واستطاع بشكل لافت بناء علاقات وثيقة مع عدد من المسؤولين الغربيين، وعلى رأسهم حينها وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي طور معه ظريف علاقات شخصية متينة.
صراع الأجنحة والتيار الموازي
ويرى متابعون للشأن الإيراني أن الصراع بين أجنحة النظام الإيراني كان له دور كبير في تهميش متعمد لدور المؤسسة الرسمية المعنية بالسياسات الخارجية، وهي وزارة الخارجية التي يقودها ظريف، حيث يعتقد الكثير من الإصلاحيين أن هناك ما يشبه “التيار الموازي” داخل الخارجية، وهو تيار مرتبط مباشرة بالمرشد الإيراني الأعلى، ويقوده وزير الخارجية الإيراني الأسبق علي أكبر ولايتي المقرب من المرشد، ويرى البعض أن هذا التيار يعمل على العكس من إرادة ظريف في الخارجية، دون أن يتمكن ظريف من التصدي له بسبب الغطاء الذي يقدمه له المرشد علي خامنئي.
ويأتي التفاوض مع الغرب والولايات المتحدة في مقدمة نقاط الخلاف بين هذا “التيار الموازي” ومؤسسة الخارجية الرسمية، حيث يرى هذا التيار أن التفاوض مع الولايات المتحدة يعد “خيانة” لمبادئ الثورة الإسلامية، وقد تحدث المرشد نفسه قبل أيام عن أن التفاوض مع أوروبا يعد “مضيعة للوقت”، محذراً من خديعة الأوروبيين لإيران فيما يخص الالتزام ببنود الاتفاق النووي، أما التفاوض مع واشنطن فقد أصبح من المحرمات، لأنه “خيانة” لمبادئ الثورة الإسلامية، حسب التيار المحافظ في طهران.
وفي إشارة إلى عمق الخلافات بين ظريف وهذا التيار قال بيان لتيار “ولايتي” المحافظ المتشدد في مجلس الشورى (البرلمان) معلقاً على الاستقالة: إن “تجنب المحاسبة لا يعد فروسية سياسية (…) على ظريف أن يبقى”.، وهو ما يعني-من وجهة نظر المحافظين-أن ظريف قدم استقالته هرباً من المساءلة حول سياسته الخارجية، وعلى نتائج المفاوضات بين إيران ودول 5+1 الموقعة مع إيران على الاتفاق النووي، على وجه الخصوص.
وسبق أن شكى ظريف من عمق الخلافات الداخلية، واصفاً تصرفات المتشددين إزاءه بأنها “طعنات في الظهر”، فيما وصف في حديث سابق لصحيفة ـ”جمهوري إسلامي” الخلافات الداخلية بشأن السياسات الخارجية بـ”السم القاتل”.
وفي المقابل، انتقد نائب رئيس مجلس الشورى علي مطهري الرئيس روحاني لإفساحة المجال “للتدخل في السياسة الخارجية” ودعاه إلى إثبات سلطته عبر الدفاع عن ظريف والوزراة، فيما عبر ظريف في تصريح لـ”إرنا” عن أمله في أن “تشكل استقالتي تنبيهاً لعودة وزارة الخارجية الى مكانتها القانونية في العلاقات الخارجية”.
الخلاف حول “القناة المالية” مع أوروبا
حاول ظريف مع الدول الموقعة على الاتفاق النووي باستثناء أميركا إيجاد “قناة مالية” للالتفاف على العقوبات الأميركية، التي قرر الرئيس دونالد ترمب فرضها منتصف العام الماضي، غير أن مقربين من المرشد اعتبروا تلك القناة إهانة لإيران، حيث قارنوها بآلية “النفط مقابل الغذاء” التي فرضت على العراق بعد حرب الخليج الثانية 1990، رافضين شروطاً أوروبية لتطبيقها مقابل التزام إيران بمكافحة عمليات غسيل الأموال، وهو الأمر الذي يلح عليه ظريف فيما يرفضه التيار المتشدد المحيط بالمرشد، ومما زاد الأمر صعوبة أن الدول الأوروبية فرضت عقوبات على إيران، على خلفية محاولات طهران تنفيذ “عمليات إرهابية” في بعض دول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى اتفاق أوروبا وأميركا في التحذير من “البرنامج الصاروخي” لطهران، وكذا دورها الإقليمي، الأمر الذي عضّد معارضة المحافظين في إيران لآلية “القناة المالية” المقترحة لتجنب عقوبات واشنطن، وأضعف-بالتالي-موقف جواد ظريف.
استقالة عبر انستغرام
تعمد وزير الخارجية جواد ظريف –فيما يبدو-إعلان استقالته عبر حسابه على انستغرام، وهو تصرف نادر في الدبلوماسية الإيرانية. ويرى مراقبون أن ظريف رد-بطريقته-على تجاهل دور وزير الخارجية في التنسيق لزيارة بشار الأسد، وعلى عدم دعوته لحضور لقاءات بشار في طهران، وأن هذا الرد جاء متجاهلاً الأطر الرسمية لتقديم الاستقالة بشكل رسمي، وذلك بإعلانها مفاجئة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وربما أراد ظريف من تصرف كهذا أن يبلغ رسالة يقطع بها طريق التراجع عن الاستقالة، بإعلانها مباشرة عبر انستغرام، متجاهلاً الأطر الرسمية لتقديم الاستقالات، وربما أراد أن يخاطب بها الشباب (عبر وسيلتهم المفضلة انستغرام)، أو لعله أراد أن يقدم الاستقالة للشعب الإيراني مباشرة لا للمسؤولين الذين شكا من أدوارهم السلبية في السياسة الخارجية للبلاد، حسب متابعين للشأن الإيراني.
ومع أن غالبية أعضاء البرلمان الإيراني حضوا- في رسالة لهم إلى روحاني- على رفضها، ومع رفض الاستقالة من قبل روحاني، الذي رفضها-كذلك-على انستغرام، يظل السؤال مفتوحاً حول أسباب الاستقالة وتداعياتها على ملفات شائكة داخل إيران وخارجها، مع أنباء عن تهديد وزراء باستقالات جماعية، حال قبل روحاني استقالة ظريف، كما أن الاستقالة تفتح تساؤولات حول مستقبل ظريف الذي يعد شخصية محورية في السياسة الخارجية الإيرانية، رغم التحديات الكبيرة التي تواجهه داخلياً وخارجياً.
*إندبندنت عربية