في لقاء سابق لشقيق زعيم مليشيات الحوثي ” يحيى بدر الدين الحوثي ” وزير التربية والتعليم في ما يسمى “حكومة الإنقاذ” التي شكلها الحوثيون، مع قيادات في الوزارة التي تسيطر عليها جماعته في صنعاء، ذكر الحوثي أن الثقافة الإسلامية السائدة اليوم لدى المسلمين هي “الثقافة التي أسس لها المماليك، الذين حكموا العرب -إلّا اليمن- واستمر منهجهم إلى اليوم”، منوهاً إلى أن الإسلام الموجود اليوم هو إسلام العبيد والمماليك، وداعياً إلى إحداث تغيير في العملية التعليمية، وتغيير أسماء المدارس التي سميت بأسماء بعض القيادات التاريخية لدى المسلمين، مثل صلاح الدين الأيوبي.
تحذيرات من خطورة تغيير المناهج الدراسية
بعد تولي القيادي في المليشيات ” يحيى الحوثي ” حقيبة التربية والتعليم في حكومة الحوثيين، تعالت أصوات نشطاء وسياسيين بالتحذير من محاولات الحوثيين إحداث تغيير في المناهج التربوية والتعليمية، بخاصة إزاء ما يُعرف عن الوزير المذكور من نفَس طائفي واضح، وموقف سلبي لا يخفيه من التاريخ الإسلامي، وأن لديه -كأخيه حسين- إعجابًا كبيرًا بثورة الخميني في إيران.
وتمثلت ذروة المحاولات السالفة الذكر في إجراءات اتبعتها الحركة منذ اقتحام ميليشياتها العاصمة اليمنية صنعاء في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014.
وحذر نشطاء وسياسيون من محاولات الجماعة الحوثية إعادة تشكيل الوعي المجتمعي، عبر إعطاء الوزارات المهمة لوزراء يؤمنون بأفكارها وتوجهاتها الأيديولوجية، مثل وزارتي التربية والأوقاف، اللتين يحرص الحوثيون على إعادة صياغة مناهجهما بما يتواءم والتوجهات الجديدة.
يقول الدكتور عبدالله الحامدي، نائب وزير التربية والتعليم سابقًا في حكومة الحوثيين والمنشقّ عنهم منتصف يوليو (تموز) 2018، إن الحوثيين يعملون على تغيير مناهج التربية في البلاد “في شكل هادئ، ويعقدون اجتماعات بعيداً عن قيادات الوزارة التي لا تتفق وتوجهاتهم، ما ينذر بتفخيخ مستقبل الأجيال القادمة”.
تكتيكات تربوية طائفية
يعمد الحوثيون إلى وسائل متعددة لإحداث التغييرات المرجوة في المناهج التعليمية، حسب الدكتور الحامدي، الذي يقول: “هناك طريقتان يتّبعهما الحوثيون للتأثير في العملية التربوية: تتمثل الأولى في التغيير الوظيفي، الذي يشمل استبدال موالين لهم بالمعلمين والكادر الوظيفي ومدراء المدارس ومدراء مكاتب التربية في المحافظات”.
أما الطريقة الثانية المتبعة، فتتمثل في “العمل على تعديلات مبرمجة للمناهج، عبر دسِّ نصوص خفيفة تشير إلى معتقداتهم ضمن المقررات الدراسية”، مشيراً إلى أنهم يُصْدرون مقررات دراسية حديثة بتاريخ قديم، كي لا يتنبه أولياء الأمور إلى ما يدسونه ضمنها، وليخدعوا الناس بأنهم لم يُجروا أي تعديلات فيها”.
وزير التربية المعيّن في حكومة المليشيات يقول إن “الإسلام الذي نعرفه اليوم هو “إسلام العبيد”…وزير الأوقاف اليمني يتهمها بتفجير دور العبادة واعتقال “الدعاة”
وذكر الحامدي أنه على الرغم من أنه كان نائباً لوزير التربية والتعليم، لكنه لم يكن يعلم شيئاً عن مخططات الحوثيين في هذا الخصوص، لأن الحركة لم تكن تُشرِك في اجتماعاتها إلا من تثق بأنه مع أفكارها الطائفية، بحسب قوله.
من جهة أخرى، يشير الصحافي والناشط الحقوقي همدان العليي، إلى محاولات الحوثيين التأثير في قطاع التعليم الخاص، ويضيف أنهم يعملون في المدارس الخاصة على “غرس مفاهيمهم، كما يقومون بتحويل المدارس ساحة لعرض شعاراتهم، فيحرصون على طباعتها في كل زاوية، حتى داخل الفصول الدراسية”.
ويذكر العليي أنهم “يُخضِعون بعض مدراء المدارس لدوراتهم الثقافية، وهي عملية حادة للاستقطاب وتتمّ بوتيرة عالية”، مشيراً إلى استقطاب حتى الأطفال وتحويلهم إلى مقاتلين في جماعة الحوثي.
يعود الدكتور الحامدي ليضيف أن الحوثيين يقومون باستغلال الأنشطة الصفية واللاصفية، مؤكداً أن النشاط اللاصفي هو الأخطر “فقد وظفوا الإذاعة المدرسية في خدمة أهدافهم، إذ جعلوا مدتها في طابور الصباح تمتدّ ساعة كاملة بدلاً من 20 دقيقة”، وأن “طلبة المدارس يرددون خلال هذا الطابور قَسَم الولاية والصرخة الحوثية”.
ويفصّل نائب وزير التربية الحوثي السابق بالقول إن الحوثيين “ينشرون أفكارهم المذهبية من طريق الدورات والرحلات، ويسجلون الطلاب ذوي الـ12 عامًا من دون إذن أهاليهم، ويرسلونهم إلى دورات لمدة يومين، وأخرى تدوم أسبوعًا، وأخرى لشهر، ثم بعد ذلك يزجون بهم في الحرب”.
الخطاب الطائفي في المدارس
مع سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء وغيرها من المناطق، بدأت شعاراتهم الأيديولوجية والطائفية تغزو مدارس البلاد، ويُظهر العديد من الفيديوهات التي نشرتها قناة “المسيرة” وغيرها من وسائل إعلام الحركة، طلبةَ مدارس-صغاراً وكباراً- يرددون شعارات خاصة بالحركة بدلاً من النشيد الوطني اليمني الذي كان طلاب المدارس يرددونه قبل السيطرة الحوثية.
ومن أهم الشعارات الطائفية التي يرددها طلاب المدارس ما يسمى بـ”الصرخة”، ونصها: الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”. ومنها كذلك: “قَسَم الولاية”، ونصه كالتالي: اللهم إنا نتولاك ونتولى رسولك، ونتولى الإمام علي، ونتولى من أمرتنا بتوليه: سيدي ومولاي عبدالملك بدر الدين الحوثي، اللهم إنا نبرأ إليك من عدوك، وعدو رسولك، وعدو الإمام علي، وعدو من أمرتنا بتوليه: سيدي ومولاي عبدالملك بدر الدين الحوثي”.
ومن أبرز معالم التغيير التي يجريها الحوثيون-أو يحاولون إجراءها-في نطاق المناهج الدراسية، إضافة مواد تتعلق بسيرة مؤسس الجماعة الصريع حسين بدر الدين الحوثي، وإدخال نصوص من “ملازم” مؤسس الجماعة، وتدريس مواد عن تاريخ الأئمة في اليمن، وإحداث تعديلات في مناهج التاريخ والتربية الإسلامية بما يتماشى مع معتقدات الحوثيين الطائفية، كما قامت الجماعة بحذف بعض النصوص المتعلقة بالخلفاء الراشدين أو العشرة المبشرين بالجنة أو تخفيفها، والتحول من استعمال أسماء معينة في مناهج اللغة العربية، مثل حفصة وغيرها، بالإضافة إلى إدخال بنود جديدة عن “وجوب محبة أهل البيت”، كما أدخلت الجماعة شيئاً من أحداث الحرب الدائرة حالياً في اليمن، وضخت مصطلحات عسكرية في مناهج الرياضايت، واستعانت بمسميات عسكرية مثل لفظ “البنادق” في تعليم مسائل الجمع والطرح للصغار. وفوق ذلك، قامت بإجبار الطلاب على ترديد شعارت الجماعة الطائفية، وإحياء مناسباتها المذهبية.
نفي حوثي
ومع توافر شواهد كثيرة على وجود تغييرات في المناهج الدراسية اليمنية أحدثها الحوثيون، ترفض جماعة الحوثي التهم الموجهة إليها، ويؤكد القيادي الحوثي، ومدير مطابع الكتاب المدرسي في صنعاء، الدكتور همدان الشامي في تصريحات أن ما نشر حول تعديلات المناهج غير صحيح، وأنه عبارة عن فبركات وعمليات “فوتوشوب”، يقصد بها النيل من جماعته.
غير أن الجماعة تعترف بوجود بعض التعديلات في المناهج الدراسية، ويؤكد الشامي أن بعض التعديلات الفعلية المطروحة هدفها “محاربة العنصرية والتشدد المذهبي والطائفي، ويضيف أن هذه التعديلات “تمت بموافقة الجميع مثل وضع صورة تضم مسربلين وضامين”.
ويؤكد وجود تعديلات في بعض الألفاظ مثل عبارة “صلى الله عليه (وآله) وسلم”، بدلاً من “صلى الله عليه وسلم”، وكذا إزالة فتوى تحريم الاحتفال بمولد النبي، وإضافة “حديث الولاية” الذي أكد انه غير مبتدع، لأنه مذكور في صحيح البخاري واعترف الشامي أنه تم وضع اسم “محمود” بدلاً من اسم “عمر” في أحد مواضيع كتاب القراءة.
المساجد والخطاب الطائفي
في شريط فيديو لمؤسس جماعة الحوثيين الصريع حسين الحوثي ظهر فيه وهو يلقي محاضرة أمام جمهور من أنصاره، يتعرض بنقد حاد لبعض خلفاء المسلمين، تساوقاً مع الرواية الطائفية التي تتخذ موقفاً سلبياً إزاء الخلفاء والرواية الرسمية للتاريخ الإسلامي إجمالاً.
وبعد دخول الحوثيين صنعاء في سبتمبر (أيلول) 2014، سُجلت حالات متزايدة لخطباء جمعة ووعّاظ وظَّفهم الحوثيون في عدد كبير من مساجد العاصمة صنعاء وبقية مناطق سيطرتهم، يذكرون فيها أن الإسلام الذي يعتنقه اليمنيون اليوم لا يمتّ إلى الإسلام بصلة، وأنه تجب العودة إلى الإسلام الذي كان سائداً في البلاد قبل عام 1962، وهو العام الذي قامت فيه الثورة اليمنية التي أطاحت بنظام حكم الأئمة الزيديين الشيعة الذين حكموا شمال البلاد في فترات زمنية مختلفة تمتد إلى ما يقارب الألف عام، منذ تأسيس الدولة الهادوية الزيدية في اليمن على يد الإمام الهادي يحيى بن الحسين سنة 897، وحتى الإطاحة بنظام الأئمة عام 1962.
وعن الانتهاكات التي مارسها الحوثيون ضد المساجد والأئمة والمؤذنين، يقول الدكتور أحمد عطية وزير الأوقاف في حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي المعترف بها دولياً: إن جماعة الحوثي “عمدت إلى تفجير المساجد واحتلالها، واعتقال خطباء ودعاة ومؤذنين، وفرض خطباء جدد ينشرون الخطاب الطائفي والمذهبي، ويزرعون الحقد والكراهية من على منابر الجمعة”.
ويذكر أن الحوثيين فجروا جزئياً أو كلياً مئات المساجد، واحتلوا كثيرًا منها وحولوها مقرات ومعتقلات لهم ومجالس لتناول عشبة القات، كما انتهكوا حرمة مساجد كثيرة، عبر القيام بتفتيشها ونهب محتوياتها أو العبث بها.
تكتيكات الخطاب الديني الطائفي
يؤكد وزير الأوقاف اليمني أن تكتيكات الحوثيين لـ”تطييف” الخطاب الديني في اليمن تقوم على “فرض خطباء وأئمة ومؤذنين بقوة السلاح، وطباعة الشعارات الطائفية على الجدران، وتغيير أسماء المساجد بما يتناسب مع التوجهات الطائفية للجماعة”.
ويضيف: “تحولت المساجد ساحات لزرع الخطاب الطائفي، وتأجيج الطائفية، وفرض الأفكار بالقوة، وإجبار الناس على ترديد الشعارات الطائفية داخل المساجد”، مؤكداً أن جماعة الحوثي تعمل بموجب سياسة ممنهجة “لعسكرة المساجد، ووضعها تحت السيطرة الأمنية، وإقحامها في الصراعات، وفرض نقاط تفتيش للمصلين على بعض أبوابها، وإحكام السيطرة الإدارية والأمنية على أماكن العبادة، وإيقاف أي دور دعوي أو حلقات للتحفيظ أو أنشطة دينية تخالف هوى الجماعة”.
وتضم حزمة الإجراءات الحوثية في هذا الصدد “ملاحقة الخطباء والأئمة والمؤذنين، واعتقال الكثير منهم وتعذيبهم، وطرد بعضهم من مساجدهم مع أسرهم وعوائلهم، وقد ورد في تقرير الفريق الحكومي المفاوض في السويد أن هناك أكثر من 200 خطيب مختطَف من قبل هذه الجماعة”، حسب عطية.
ويتحدث الوزير عن استهداف كثير من المساجد بالقذائف والصواريخ، وقتل الناس وهم يؤدون الصلاة، “كما حدث في استهداف جامع كوفل صرواح في محافظة مأرب، الذي أودى بعشرات المصلين”.
وذكر عطية أن الحوثيين “منعوا قيام صلاة التراويح في رمضان، وفرضوا طريقة جديدة للأذان، وفرضوا خطبًا وشعارات تثير الفتنة وتزرع الحقد في قلوب المصلين”.
ويرفض الحوثيون التهم الموجهة لهم بإشعال الخطاب الطائفي، ويؤكدون أن ما يقومون به هو رد الاعتبار للمذهب الزيدي الذي يقولون إنه تعرض للتهميش خلال العقود الماضية.
*الاندبندت عربية