تثير الأحاديث المتكررة لمسؤولين إماراتيين حول جزيرة سقطرى (جنوب اليمن)، عواصف من الغضب والاحتقان لدى اليمنيين، في ظل ما يتردد حول مساعي أبو ظبي لبسط سيطرتها على الجزيرة المصنفة كأحد مواقع التراث العالمي.
وقبل أيام، قال المؤرخ الإماراتي حمد المطروشي، خلال مقطع فيديو نُشر على مواقع التواصل يجمعه بعدد من شيوخ وأفراد من أرخبيل سقطرى الموالين للإمارات، “أؤكّد لكم بإذن الله بأن أهل سقطرى سيكونون جزءاً من الإمارات، ويستحقّون الجنسية بدون طلب”.
وأشار إلى أن “ثلثي مواطني إمارة عجمان الإماراتية يعود نسب آبائهم وأجدادهم إلى سقطرى”، مضيفا “بالنسبة للجنسية فهو أمر مفروغ منه” وذهب المطروشي إلى أن “هناك علاقة قديمة تجمع الإماراتيين بأبناء سقطرى”، موضحاً “كان بيننا وبينهم ملحمة وتاريخ وحياة”.
إلا أن مصدرا مطلعا أفاد لوكالة الأناضول التركية أن حديث المطروشي جاء عندما كان في ضيافة رجل أعمال إماراتي يعود أصل والدته لسقطرى، بحضور شخصيات سقطرية، وتحدث عن مجموعة من سكان سقطرى ذوي الأصول الإماراتية.
وأضاف المصدر الذي كان حاضراً اللقاء مفضّلاً عدم الكشف عن هويته، أن الحديث لا يشمل السقطريين كلهم، بل من يعود أصلهم للإمارات.
ويسكن سقطرى عدد من الأسر الإماراتية منذ خمسينيات وستينيات القرن الماضي، كانت قد قدمت من إمارة عجمان للعمل في صيد اللؤلؤ واستقرت في الجزيرة، وتكوّنت مع مرور الزمن علاقة مصاهرة ونسب مع السكان المحليين.
لكن نسبة كبيرة من الإماراتيين عادوا إلى عجمان، وفق محمد سالم وهو زعيم قبلي في الجزيرة، تحدث للأناضول.
ويضيف سالم “خلال الآونة الأخيرة بدأت الإمارات بتجنيس من بقوا في سقطرى وهم نحو 60 أسرة، يسكن أغلبهم في منطقة ديحم القريبة من مطار الجزيرة، وهم من كان يعنيهم المؤرخ الإماراتي حمد المطروشي”.
ومنذ أن بدأت الحرب في اليمن مطلع العام 2015، تعاني جزيرة سقطرى من التهميش وتراجع كبير في البنية التحتية والخدمات رغم كونها واحدة من أهم الجزر العالمية التي تحتل موقعاً جيوسياسياً مهماً.
ويتعهد الإماراتيون للسكان المحليين بأنهم سيعملون على بناء وتطوير الجزيرة، وجعلها في مصاف الجزر السياحية الكبرى التي تتمتع بخدمات عالية، في خطوة يرجعها مراقبون إلى محاولة أبوظبي كسب ود سكان سقطرى، تمهيداً لإحكام سيطرتها على الجزيرة.
ووفق مصدر حكومي في الجزيرة، تحدث للأناضول، مفضّلاً عدم الكشف عن هويته، كونه غير مخوّل بالحديث للإعلام، فإن أبوظبي قد فشلت في الانقلاب على محافظ سقطرى رمزي محروس، الموالي لحكومة الرئيس عبدربه منصور هادي في أغسطس/آب الماضي، حيث نظم الموالون للإمارات احتجاجات واسعة في الجزيرة، طالبت برحيله.
لكن الآلاف من سكان الجزيرة خرجوا في مظاهرات داعمة للمحافظ، وأعلن الأخير حينها بأن عدداً من الشخصيات بينهم مسؤولون أمنيون وعسكريون (موالون للإمارات) كانوا يخططون لإشعال الفوضى في الجزيرة.
وانتهت الأزمة بوقوف ساكن الجزيرة إلى جانب المحافظ الذي أحبط عملية الانقلاب، وفق ذات المصدر.
وبعد شهرين أقال الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر، الذي كان يعده مراقبون نداً قوياً للإمارات، ووقف مراراً ضد مساعيها للسيطرة على الجزيرة، ليضعف موقف المحافظ محروس بشكل كبير.
لكن الإمارات عادت للغة الترغيب مرة أخرى، وبعثت مجدداً العقيد في القوات الإماراتية خلفان المزروعي إلى الجزيرة للقاء المحافظ، لبدء علاقة جديدة بين السلطات المحلية في كلا الجانبين.
كما قدم المزروعي طلباً لمحروس بزيارة الإمارات، وهو ما رفضه الأخير، لكنه وبعد إلحاح الإماراتيين توجه إلى أبوظبي مطلع العام الجديد 2019، برفقة مدير عام شرطة الجزيرة، في زيارة رسمية هي الأولى له منذ تعيينه العام الماضي.
وقال المصدر للأناضول إن “اللقاء بين الطرفين سيبحث طبيعة العمل لمؤسسة خليفة الإنسانية”، وهي المؤسسة المدعومة من الإمارات ويرأسها المزروعي، وتُتهم من عدة أطراف بأن لها دوراً استخباراتياً في الجزيرة من خلال غطاء المشاريع الإنسانية.
وتمتد جذور الأزمة بين الإمارات والحكومة في سقطرى إلى عام 2015، لكنها أخذت طابع الاتهامات الإعلامية المتبادلة، قبل أن تتفجّر فعلياً في مطلع مايو/آيار من العام الماضي، بعد إنزال الإمارات قوات عسكرية لها في الجزيرة.
لكن رئيس الحكومة السابق بن دغر طالب بسحب القوات فوراً، وألمح إلى أن ما تمارسه الإمارات في سقطرى هو احتلال، وهدد باللجوء لمجلس الأمن، قبل أن تتدخل السعودية لحل الخلاف وسحب الإمارات لقواتها.