يبدو مشهد وقوع أبطال فيلم «عبود على الحدود» المنتج في العام 1999 بحقل ألغام في الصحراء المصرية كوميديًا لدى العديد ممن شاهد الفيلم، لكن هذا المشهد يعكس واقعًا حقيقيًّا، وينجم عنه إلى الآن مصائب كبيرة في مناطق متعدّدة من الوطن العربي.
هذه الألغام التي يبلغ عددها في العالم أكثر من 110 ملايين، 40% منها في الدول العربية؛ تركتها الحقبة الاستعمارية بمخلفات الحرب التي يسقط ضحاياها إلى اليوم، ثم أضافت لها الحروب والنزاعات الداخلية أو الإقليمية الحالية المزيد من الألغام، حتى أن العام 2016 حسب أرقام مرصد الألغام الأرضية شهد سقوط 8605 ضحية من الألغام والمتفجرات، قُتل منهم ما لا يقل عن 2089 شخصًا، وكان من بين الضحايا 78% من المدنيين.
1-مصر.. خُمس ألغام العالم موجودة بها
الألغام اللي كنا بنلاقيها في الأرض كنا بنسأل عليها أفراد البعثة، وكانوا بيقولوا لنا إنها مخلفات حرب ارموها على جنب. لما كنا بنشتغل بالفاس وبنخبط في الأرض، لغم انفجر فينا، جاتلي 3 شظايا واحدة في البطن وصلت لحد الأمعاء، واتنين في دراعي.
هكذا لخصّ العامل المصري سعيد غانم حكايته مع الإصابة بأحد الألغام حين كان يحفر في منطقة أثرية تحت إشراف وزارة الثقافة المصرية.
ويواصل سعيد ابن قرية «الأماني» الواقعة بالإسماعلية الحديث لـ«التحرير» المصرية: «ماكنتش أعرف إن المكان فيه ألغام، لأنى مش معايا خرائط، والمفترض اللى يعرف ده المسؤول عنها، كنا شغالين حوالى من 45 إلى 50 شخص، كلنا أرزقية بنقبض 50 أو 100 جنيه يومية، المنظر اللي شافه العمال لو أدوا العامل منهم مليون جنيه علشان يخرج حاجة مش هيعمل كده».
ربما من المفاجئ العلم بأن مصر التي لا تعيش الآن حالة حرب، تأتي في مقدمة الدول التي تحتوي على كميات هائلة من الألغام غير المدمرة، ففيها ما يقارب 23 مليون لغم وجسم قابل للانفجار، أي أن لغمًا واحدًا من أصل خمسة في العالم يوجد في مصر، فحسب موقع «ليست فيرز» الأمريكي فإن هذه الألغام هي «حصيلة أربعة حروب بداية من الحرب العالمية الثانية والعدوان الثلاثي عام 1956، وحرب الخامس من يونيو 1967، إضافة إلى حرب أكتوبر 1973»، وتسببت هذه الألغام الأرضية التي يحتاج التخلص منها إلى أموال طائلة وقدرات بشرية هائلة في قتل وإصابة آلاف المدنيين المصريين، فـبعد مرور 76 عامًا على الحرب العالمية الثانية (عام 1936) زادت أخطار الألغام المغروسة في رمال الصحراء في العلمين (جنوب الساحل الشمالي) بسبب العوامل المناخية التي أثرت على أماكن تواجدها وعمقها في الرمال وزيادة حساسية انفجار الألغام.
جنود إيطاليون ينزعون ألغامًا للقوّات البريطانية في منطقة العلمين أثناء الحرب العالمية الثانية
وناهيك عن الخسائر البشرية التي تسبّبها ألغام «حديقة الشيطان» كما يسميها البدو بمصر، تقف الألغام باعتبارها أهم معوّق أمام مشروعات التنمية في المساحات الغنية بالثروة في مصر، ففي عام 2010 كشف النقاب عن وجود 21.8 مليون لغم، زرعت في شبه جزيرة سيناء وفي منطقة العلمين جنوب الساحل الشمالي وحتى حدود مصر الغربية، وهي بذلك تهدر ثروة تصل إلى 868 ألف فدّان من الأراضي الزراعية الخصبة، كما تحرم مخلفات ألغام الحرب العالمية الثانية (19.7 مليون لغم) في الصحراء الغربية مصر من الاستفادة من أكثر من 2 مليار برميل بترول، و9 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، و70 مليون متر مكعب من الثروات التعدينية، وتمكن المصريون من إزالة أكثر من سبعة ملايين لغم خلفتها الحرب العالمية الثانية في الصحراء الغربية في مصر، إضافة إلى مليون لغم من سيناء خلال السنوات الـ15 الماضية.
2-العراق.. من ألغام إيران لفخاخ «داعش»
قبل العام 2011، كانت الأمور واضحة لحد ما في مسألة انتشار الألغام على الشريط الحدودي بين العراق وإيران، وصولًا إلى الحدود مع الكويت فقط، إذ أظهرت الإحصاءات الرسمية العراقية أن «1700 كيلو متر مربع من الأراضي العراقية ملوثة بـ25 مليون لغم ومليون طن من المقذوفات غير المنفجرة بعد، هذه الألغام تهدد بشكل مباشر قرابة 2117 تجمعًا مدنيًا يعيش فيها قرابة 2.7 مليون مواطن عراقي».
الإحصاءات الحديثة للمنظمات العاملة في مجال إزالة الألغام، تظهر العراق في المرتبة الثانية بين الدول التي تحتوي كميات هائلة من الألغام غير المدمرة، ففيها 10 ملايين لغم وضعت خلال الحرب الإيرانية العراقية التي امتدت من 1980 إلى 1988، وقد أفقدت الألغام والعبوات المتفجرة لهذه الحرب المئات سكان قرية «جرف الملح» بجنوب العراق أطرافهم، وزاد من معاناة سكان هذه القرية اضطرارهم بعد العام 1991 مواجهة الفقر عقب فرض العقوبات الدولية على العراق بعد غزو الكويت، فقد وجدوا في عملية جمع المعادن الخردة والأسلاك الكهربائية من المعدات العسكرية القديمة مصدر رزق أفقدهم الكثير من الرجال، وزاد من عدد الناس مبتوري الأطراف في القرية.
ويعدّ القرويون في إقليم كردستان الأكثر تعرضًا لحوادث الألغام، فالمناطق الجبلية التي يرعون فيها الأغنام تكثر فيها الألغام العشوائية، وكانت واحدة من ضحاياها السيدة بروين ذكري سليمان التي تقطن في قضاء خابات التابع لمحافظة أربيل، فبينما هي طفلة في التاسعة من العمر ترعى الماشية انفجر بها لغم أرضي مخلفًا إعاقة دائمة في إحدى ساقيها، تقول بروين في حوار مع «دويتشه فيله» بأن الحالة المادية لعائلتها «لم تكن تسمح بإجراء عملية جراحية في ساقها المصابة، ما أدى في النهاية إلى بتر جزء كبير منها نتيجة لتفاقم حالتي الصحية». تزوجت بروين من رجل من ضحايا الألغام أيضًا في العراق، وهما يجتهدان في تلبية أمور منزلها وأطفالهما الأربعة، وفي تلقي العلاج في مركز لتأهيل ذوي الإعاقة التابع للصليب الأحمر في محافظة أربيل.
وقبل أن تنتهي معاناة العراقيين من ألغام الحرب العراقية الإيرانية، حلت الألغام التي زرعها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لصد تقدم القوات العراقية في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرته، وكانت هذه الألغام أبرز مكدرات عودة النازحين إلى المناطق التي تخلصت من «داعش»، فالموصل التي تخلصت من «داعش» في يوليو (تموز) 2017 لم تستطع التخلص من ألغام ومتفجرات وضعها التنظيم، إضافة إلى أخرى تعود للجيش العراقي وقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
لقد وضعت هذه الألغام بمختلف أنواعها في داخل المنازل، وفي شبكات توزيع المياه، والمستشفيات، يقول العراقي أحمد عبد الله سميع وهي نازح عاد إلى بيته في محافظة صلاح الدين: «العبوات والمنازل المفخخة تعتبر خطرًا حقيقيًا على النازحين، في بلدتنا قتل نحو 25 مدنيًا بسبب فخاخ داعش. يمكن أن تجد المتفجرات في أي مكان، حتى داخل دولاب المنزل، والشركات المختصة التي جلبتها الحكومة لم ترفع جميع الألغام»، ويضيف الرجل الذي فقد أربعة من أقربائه بعد أن عادوا إلى منزلهم لـ«العربي الجديد»: «قبل دخولهم إلى البيت كانت الأوضاع طبيعية، ساعة الدخول قام أحدهم بسحب أحد أغراض المنزل فانفجرت عبوة كانت موضوعة أسفله وتسببت في مقتله هو ومن معه».
وكغيره من الدول العربية تعتبر عملية التخلص من الألغام بالعراق أمرًا بالغ التعقيد، ففي فبراير (شباط) الماضي أكدت وكالة الأمم المتحدة لشؤون نزع الألغام (UNMAS) أن إزالة الألغام التي زرعها «داعش» قد تستغرق أكثر من 10 سنوات، وتحتاج لتكلفة تصل إلى 216 مليون دولار، ونقل عن مدير الوكالة الأممية في العراق، بير لودهامار قوله: «لسنوات طويلة عملت في أعمال إزالة الألغام والمواد المتفجرة بـ14 دولة مختلفة، إلا أنني لم أر ذلك الكم الكبير من التعقيد والكثرة والتنوع للمواد المتفجرة كما في الموصل (شمال)، ما شاهدته لا يمكن مقارنته مع أي مكان آخر».
3-اليمن.. ألغام الحوثيين «جذابة»
عاد الأطفال من خارج المنزل وهم يحملون كُتلًا من الحديد ولا يعلمون ما بداخلها، وأثناء اللعب بها داخل المنزل انفجرت، وتحول الأطفال الثلاثة مع والدهم إلى أشلاء، وتحطم جزء كبير من المنزل.
كان هذا ما قاله أحد أقارب الأطفال الذين استشهدوا بسبب لغم في نوفمبر (تشرين الثاني) العام 2017.
إذ انفجر لغم أرضي داخل منزل، فقتل سعيد حسن صالح بحيري (55 عامًا) وأطفاله إدريس (10 أعوام) ورياض (ثمانية أعوام) وطفل آخر هو عبدالله مدني ناصر بصيلي (12 عامًا)، وهؤلاء يقطنون في منطقة الخوخة الساحلية، التي كانت تحت سيطرة مليشيا الحوثي ثم سيطرت عليها القوات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة أواخر العام 2017.
لقد جدّد الحوثيين معاناة اليمنيين مع الألغام بزرعها بمعدل مرتفع للغاية على طول الساحل، وعلى الحدود مع السعودية، وحول المدن الرئيسية، وعلى طول طرق النقل المرتبطة بصنعاء من أجل إنشاء أُطُر دفاعية أو تمهيد الطريق للتراجع، وفي أواخر يونيو (حزيران) الماضي، قال وزير الخارجية اليمني خالد اليماني إن «الإحصاءات الأولية تشير إلى أن مسلّحي الحوثيين زرعوا حوالي مليون لغم في أنحاء متفرقة من اليمن، والأرقام المتعلقة بضحايا الألغام بالفترة الممتدة بين مارس (آذار) 2015 إلى الشهر نفسه من عام 2018، تشير إلى سقوط أكثر من 1194 قتيلًا و2287 مصابًا جراء الألغام، ومعظمهم من المدنيين».
ويؤكد تقرير منظمة سام الحقوقية أنه: «الألغام ومخلفات الحرب القابلة للانفجار شكّلت تهديدًا حقيقيًا لليمنيين، وعائقًا في طريق عودتهم إلى منازلهم ومزارعهم التي نزحوا منها، ومحاولات العودة إلى ممارسة حياتهم الطبيعية»، ويضيف التقرير الصادر في سبتمبر (أيلول) الحالي، والمعني بتوثيق حالة حقوق الإنسان في اليمن خلال العام الماضي 2017 أنه: «منذ بداية الصراع في اليمن، استخدم الحوثيون وقوات صالح الألغام بمختلف أشكالها، بما فيها المضادة للأفراد، وبصورة عشوائية، ويزيد من خطورة هذه الألغام، عدم وجود خرائط واضحة ودقيقة لأماكن زراعتها، إضافة إلى أن بعضها مصنوعة محليًا، وبطريقة مموّهة على شكل أحجار وأجسام جذابة، أو غير خطرة، مما يجعل التعرف عليها صعبًا».
ويتابع التقرير: «ازداد خطورة الإصابة بالألغام في صفوف المدنيين، بسبب زراعة مليشيا الحوثي لها في المدن ذات الكثافة السكانية العالية، كعدن، ولحج، وتعز، وتحديدًا في الطرق الحيوية والمزارع، حيث خلّفت مآسٍ مؤلمة، تسببت بموت مدنيين أو تركت كثيرًا من الضحايا بإعاقات دائمة، كما تسببت بخراب مناطق زراعية شاسعة».
وسجلت منظمة سام 314 ضحية للألغام خلال العام الماضي، منهم 137 قتيلًا، 21 منهم أطفال و10 نساء، وبلغت حالات الإصابة والتشوه 180 حالة، بينهم 19 امرأة و 29 طفلًا، تسببت تلك الإصابات بإعاقات دائمة ومؤقته لمعظم الضحايا. وتعود معاناة اليمن مع الألغام إلى ستينيات القرن الماضي، حين تم زرعها خلال نشوب الحرب الأهلية في شمال اليمن وخلال اندلاع الانتفاضة في جنوبها، كما تمّ زرع المزيد من الألغام خلال الصراعات التي نشبت في السبعينيات والثمانينيات، على الحدود بين شمال وجنوب اليمن قبل توحيد البلاد عام 1990، ومجددًا خلال الحرب الأهلية عام 1994.
4-ليبيا.. من ألغام القذافي إلى ألغام حفتر
كل شيء يمكن أن يحمل لغمًا، قد يكون علبة، تلفزيونًا، سريرًا، أريكة، لعبة، يمكن أيضًا أن تخفي الأرضية متفجرات عن طريق وضعها تحت قطع خشبية أو سجادة أو كومة من الحجارة، ولكن في كل مرة، يتم توصيل القنبلة إلى جهاز تفجير بواسطة سلك. هذا هو ما نبحث عنه.
هكذا حاول قائد وحدة الهندسة العسكرية المسؤول عن إزالة الألغام، الليبي عبد السلام المسماري أن يُجْمل معاناة المدنيين في مدينة بنغازي شرقي ليبيا مع الألغام.
هو عامل تمرّس في إزالتها، وشاهد على المآسي التي تسببت بها هذه الألغام، وقال المسماري أيضًا لمراسل صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية: «هذا كل ما لدينا، نتفحص الألغام بأعيننا وتجربتنا وبعون الله. إنها مهمة مجنونة، مهمتنا مهمة انتحارية»، وبالرغم من أن المسماري لم يبق من مجموعته في تفكيك الألغام سوى 13 شخصًا من أصل 135 شخصًا، فهو مستمرّ في التخلص من الألغام التي أودت بحياة مئات المدنيين الليبيين أيضًا.
وقد كشفت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن قوات معمر القذافي إثر اندلاع الثورة ضده عام 2011 استخدمت خمسة أنواع من الألغام الأرضية في ستّة مواقع، كذلك تم العثور على ثلاثة أنواع من الألغام المهجورة في عدة مواقع، وبعد الثورة لم يتم تسجيل استخدام ألغام أرضية من جانب قوات المعارضة، إلا أن اندلاع النزاع المسلح الذي شارك فيه تحالف الزنتان مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر وتحالف فجر ليبيا (الجماعات الإسلامية بليبيا) في يوليو (تموز) 2014، هو التاريخ الذي اكتشف فيها قيام جماعة مسلحة أو أكثر (لم يتمكن من تحديد هويتها) باستخدام ألغام أرضية مضادة للأفراد.
وحسب ما قاله ضابط متقاعد مسؤول عن الوحدة الهندسية منذ ثورة 2011 لـ«هيومن رايتس ووتش» فإنه «يعتقد أن الألغام زرعت في منطقة المطار القديم على نحو عشوائي عديم التمييز قبل الاستيلاء على المطار في 24 أغسطس (آب) بنحو 10 أو 15 يومًا، وقد اتهم مليشيات الزنتان، التي كانت تسيطر على المطار آنذاك، بزرع الألغام. ولم يكن معروفًا عن منطقة المطار القديم أنها ملغمة قبل القتال في 2014».
وفي السنوات القليلة الأخيرة تم زرع عشرات الآلاف من الألغام الأرضية في بنغازي ومصراتة والزاوية وسرت وزليتين والبريقة والجبل الغربي، وعلي سبيل المثال فإن سرت المدينة «تعيش فوق المفخخات» كما قال أحد الليبيين، حيث تنظيم «داعش» ترك خلفه ألغامًا ومفخّخات في البيوت والمدارس والمستشفيات والمزارع، ويتناقل سكان المدينة حكايا مؤلمة عن ضحايا الألغام، فعائلة كاملة انفجر بها لغم، ولم ينج منها إلا طفلة صغيرة تعاني من الإصابة، بالإضافة إلى مقتل رب أسرة كان يحاول تنظيف منزله قبل العودة إليه فانفجر فيه أحد الألغام، وكذلك انفجرت قذيفة في ثلاثة شباب وتقطعوا أشلاء.
5-سوريا.. ألغام النظام و«داعش» و«قسد» تحاصر السوريين
يسير السوري حامد الصالح ذو الثامنة والعشرين من العمر بالقرب من سور الرقة القديم، وعلى جانبي الطريق قد تناثرت مجموعة من الألغام المفككة، هذا المشهد أصبح عاديًا بالنسبة للصالح وغيره من سكان الرقة، بل إن المدنيين أخذوا بتعمير المنطقة بعد دحر «داعش» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فافتتحوا بعض المحال التجارية لبيع العائدين أساسيات الحياة.
يقول الصالح أن قوات سوريا الديموقراطية التي سيطرت على المدينة بعد «داعش» لم تف بمستلزمات إزالة الألغام، فاضطر الناس لدفع مبالغ مالية من جيوبهم للتخلص منها، وهو ما حوّل الأمر إلى مهنة مربحة، لكن هؤلاء المدنيين لا يملكون الخبرة الكافية لإزالة الألغام، ففي الرقة التي عادت إليها أكثر من 14.500 أسرة، صعق المدنيون بارتفاع مستوى التلوث بالألغام، حتى أنه ما بين 21 أكتوبر (تشرين الأول) 2017 و20 يناير (كانون الثاني) 2018، أصابت الألغام ما لا يقل عن 491 شخصًا، بينهم 157 طفلًا، وقتلت أغلبهم.
وبشكل عام ترك تنظيم «داعش» في المناطق السورية التي دحر منها أرقامًا صادمة من الألغام والمتفجرات، وفي ريف الحكسة الجنوبي وريف حلب الشمالي أيضًا تركت كميات معتبرة من الألغام، كما اتبعت «وحدات حماية الشعب الكردية» نفس أسلوب التلغيم، بعد بدء حملة عسكرية ضدها في عفرين، وتظهر صعوبة معرفة العدد الفعلي للضحايا، فهو أعلى بكثير مما يعلن عنه بسبب عدم توثيق هذه الحالات، ويذكر تقرير منظمة الصحة العالمية أن «ما يزيد على ثمانية ملايين سوري معرضون لأخطار مميتة بسبب الألغام ومخلفات الحرب، من بين العدد السابق يوجد ثلاثة ملايين طفل سوري معرّضين للموت أو التشوهات بفعل المتفجرات التي خلفتها الحروب في البلد»، وحسب بيان المنظمة الذي صدر في أبريل (نيسان) الماضي فإن ما لا يقل عن 910 أطفال قتلوا عام 2017 فيما تشوه نحو 361 آخرين، بسبب مخلفات الحرب في سوريا.
لكن «رأس الحربة» في تلغيم الأراضي السورية هو النظام الذي عجل بعد اندلاع الثورة بزرع الألغام على مقربة من الحدود مع لبنان وتركيا، فنشر ألغام مضادة للأفراد طراز (بي إم إن – 2) وألغام مضادة للمركبات طراز (تي إم إن – 46)، وهو ما أدى إلى مقتل العديد من المدنيين، كما أن النظام استخدم الألغام البحرية القديمة بإسقاطها فوق رؤوس المدنيين، فهذه الألغام التدميرية التي خصصت لتدمير السفن الضخمة والغواصات المعادية حوّلها النظام لألغام طرقية، فألقاها من المروحيات على المدنيين، وهي ذات قدرة تدميرية عالية جدًا، فوزن اللغم الواحد يكون بين 1000 و1300 كيلو جرام.
*ساسة بوست