اشترى العشريني اليمني أحمد سعيد بندقية “كلاشنيكوف”، من سوق حي الهاشمي في مديرية الشيخ عثمان الواقعة في الشمال الشرقي لمدينة عدن جنوب اليمن بسهولة كبيرة، رغم عدم تمكنه من الأمر قبل الحرب التي اندلعت في 26 مارس/آذار 2015، إذ لم يكن باعة السلاح منتشرين ويعملون علنا في المدينة كما يقول.
لكن بيع وشراء السلاح باتا اليوم ممكنَين، بعد تسربه من معسكرات الحزام الأمني الستة في محافظات عدن وأبين ولحج، المدعومة إماراتياً، ومعسكرات الحماية الرئاسية التي اقتحمتها قوات الحزام الأمني في يناير/كانون الثاني الماضي، وفق تأكيد النقيب محمد عمر، الضابط السابق في اللواء 35-مدرع التابع للمنطقة العسكرية الرابعة.
وساهم سلاح التحالف المقدم للمقاومة والحزام الأمني وألوية الحماية الرئاسية في نشر الفوضى الأمنية، كما يقول عمر لـ”العربي الجديد”، موضحا أن التحالف العربي قدم سلاحا لأفراد المقاومة الشعبية لمواجهة مليشيات الحوثي، في عمليات كانت تغلب عليها العفوية وعدم التنظيم، ما أفسح المجال لانتشار الاتجار بالسلاح في عدن.
سوق سلاح الشيخ عثمان
يقع سوق حي الهاشمي في منطقة مكتظة بالسكان والباعة الجائلين، ويشهد انتشارا لباعة السلاح الخفيف والذخائر بأنواعها المختلفة والقنابل المتنوعة، والتي تحظى بطلب أكبر في السوق، مع وجود طلب وعرض لأسلحة متوسطة، كرشاشات، من نوع kord 12.7 المضاد للآلات العسكرية غير المصفحة وتلك المصفحة الخفيفة، وفق ما وثقه معد التحقيق عبر جولة ميدانية واستطلاع آراء عدد من تجار السلاح، أحدهم العشريني شاكر فضل، والذي يعتمد على زملائه السابقين في الأمن والجيش لتوفير بضاعته، قائلا لـ”العربي الجديد”: “بعضهم لديه أكثر من قطعة سلاح كلاشنيكوف والذي يتراوح سعره بين 1000 و1500 دولار، وحصلوا عليها عقب مهاجمة معسكري اللواء الثالث واللواء الرابع حماية رئاسية”، مشيرا إلى أنه اشترى كمية من تلك الأسلحة والذخائر، وهو ما يؤكده تاجر السلاح نبيل حسين، قائلا لـ”العربي الجديد” بعض مسؤولي الأمن وقيادات عسكرية هم مصدر للسلاح المبيع في السوق. وتابع موضحا: “قيادات عسكرية وأمنية تمارس الاتجار بالسلاح بيعا وشراء عبر مندوبين، يترددون على أماكن بيع وشراء السلاح، وهؤلاء يوفرون الأسلحة المتوسطة التي يصعب أن يحوزها جنود عاديون أو مواطنون، لأن قيمة القطعة الواحدة من هذه الأسلحة تتراوح بين 3 آلاف دولار و4 آلاف دولار”.
ويتهم النقيب عمر قيادات في الحزام الأمني المدعوم إماراتياً والجيش الحكومي في مدينة عدن بالمتاجرة بالسلاح، من خلال تقديم التسهيلات لأعمال البيع والشراء بطرق مباشرة أو عبر وسطاء بحسب قوله، مضيفا: “أسلحة مقدمة من التحالف تم بيعها في الأسواق، ليس في عدن فقط، ولكن في عدد من المناطق المحررة، وهي التي سببت هذه الفوضى الأمنية”.
فوضى سلاح التحالف في عدن
يتهم المحلل السياسي اليمني عبدالرقيب الهدياني، نائب رئيس تحرير جريدة 14 أكتوبر، الرسمية الصادرة من مدينة عدن، التحالف العربي بالإسهام في إشاعة الفوضى الأمنية في المدينة من خلال توزيع السلاح على قيادات عسكرية وأمنية بعضها تابع للحكومة الشرعية وبعضها يعمل خارج سلطات الدولة تحت مسمى “المقاومة” وقوات “الحزام الأمني”، الأمر الذي أدى إلى انتشار أعمال النهب والاختطاف والاغتيال والعنف والسطو على بعض الممتلكات العامة والخاصة، بعد أن صار السلاح بحوزة الجميع كما يقول لـ”العربي الجديد”.
وتعرّض اثنان من معسكرات الحماية في اللواء الثالث والرابع حماية رئاسية، لأعمال نهب واسعة للسلاح من قبل مسلحين تابعين للحزام الأمني بعد سيطرتهم عليهما أثناء المواجهات بين قوات الحزام الأمني وألوية الحماية الرئاسية في يناير/كانون الثاني الماضي، بحسب ما أكده مصدر عسكري في “الحماية الرئاسية” التابعة للحكومة الشرعية، (فضل عدم ذكر اسمه لحساسية عمله)، قائلاً لـ”العربي الجديد”: “اللواء الثالث نهب منه ثلاثين قطعة من السلاح الخفيف، وقطعتين من السلاح المتوسط، عبارة عن رشاشات كورد من نوع 12.7 تم بيع القطعة منها بنحو 6 آلاف دولار أميركي”.
وطاولت معسكر اللواء الرابع حماية أعمال نهب أكبر مما طال اللواء الثالث، عقب تعرضه لقصف جوي من مقاتلات إماراتية، وسقوطه بشكل كلي في قبضة قوات الحزام الأمني بحسب المصدر العسكري الذي أكد أن المعسكر كانت فيه كمية كبيرة من الأسلحة المختلفة، منها الخفيف، والمتوسط وقذائف متنوعة، كقذائف الدبابات التي تم بيعها بالكامل من قبل مسلحي الحزام الأمني الذين استولوا عليها، واعتبروها مكافأة لمشاركتهم في القتال وغنيمة حرب حينها” كما يقول.
سلاح الحزام الأمني
انتقدت وزارة الداخلية التابعة للحكومة الشرعية، الدعم الإماراتي لقوات الحزام دون الرجوع إلى الوزارة، كما قال الوزير أحمد الميسري، خلال تدشين المرحلة الأولى للعام التدريبي 2018 في 6 يناير/كانون الثاني الماضي، مضيفا لوكالة الأنباء الرسمية “سبأ”: “إن أي دعم لقوات الأمن يأتي خارج سياق الوزارة والمؤسسات الوطنية لن يُقبل”. وهنا أضاف نائب وزير الداخلية التابع للحكومة للشرعية علي ناصر لخشع قائلا لـ”العربي الجديد” إن وزارة الداخلية بصدد الترتيب للبدء في الإجراءات الميدانية لتنفيذ توجيهات نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، في ما يخص العمل على توحيد وتنسيق الأداء الأمني تحت قيادة وزارة الداخلية وإشرافها.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي باسم الشعبي، رئيس مركز مسارات للإعلام والدراسات الاستراتيجية في عدن، إن عدم وجود مرجعية أمنية واحدة، وتضارب مهام الأجهزة أديا إلى حدوث هذه الفوضى، ومن نتائجها انتشار السلاح، مضيفا: “لا يوجد دور للجهات المسيطرة في عدن لمواجهة المشكلة، بل قد تكون مساهمة في ما يحدث ضمن خطة محكمة لإغراق عدن بالعنف”.
نتائج كارثية
تكشف بيانات إدارة أمن محافظة عدن التابعة لوزارة الداخلية في الحكومة الشرعية، أن المدينة شهدت 63 حالة قتل منذ 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 حتى 31 مايو/أيار 2018، من بينها اغتيال رئيس الاستخبارات العسكرية في مطار عدن الدولي العقيد ناصر مقريح في 29 يوليو/تموز 2018، وغيره من العسكريين وخطباء المساجد ونشطاء في حزب التجمع اليمني للإصلاح، بالرغم أن اللواء شلال شايع مدير أمن عدن قال لوسائل إعلام محلية في مطلع إبريل/نيسان الماضي، إن الأجهزة الأمنية انتقلت إلى التطهير النهائي للفوضى الأمنية وتنظيم الحياة الاجتماعية اليومية من خلال منع حمل السلاح ومنع حيازته، إلا بالتصاريح المرخصة لضباط ورجال المهام الأمنية الخاصة، لكن تاجر السلاح نبيل حسين يرد بالقول: “إن الحملات الأمنية أوقفت بيع وشراء السلاح في الأسواق المعروفة، لكنها لم تمنع عمليات البيع التي يتم إنجازها بطرق مختلفة ومن خلال وسطاء يتواصل معهم يرغبون في البيع والشراء، إذ ينجزون أعمال البيع في أماكن بديلة موجودة في بعض الأحياء السكنية في مناطق الشيخ عثمان والمنصورة ودار سعد”.
تنظيم حمل السلاح
حظرت المادة 11 من قانون تنظيم حمل الأسلحة النارية والذخائر والاتجار بها رقم 40 لسنة 1992، “على أي شخص أو جهة القيام بالنقل أو الاتجار بالأسلحة النارية والذخائر والمفرقعات داخل أراضي الجمهورية إلا بموجب أحكام هذا القانون”، فيما أكد رئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر في الخامس عشر من مايو/ أيار الماضي أن الحكومة ستتخذ إجراءات حاسمة لضبط الأمن في عدن والمحافظات القريبة منها، بما يضمن أمن وسلامة واستقرار المواطن بالدرجة الأولى، موضحا في تصريح نشرته وكالة الأنباء الرسمية أن الرئيس هادي وجّه بـ”سرعة دمج الوحدات الأمنية تحت مظلة وزارة الداخلية، ومنع حمل السلاح في جميع أحياء ومديريات العاصمة المؤقتة عدن”، لكن تطبيق القانون ومنع حمل السلاح يحتاجان إلى توحيد عمل أجهزة الأمن والعمل بصورة تكاملية لتحقيق الأمن والسكينة العامة، وضرورة تولي قيادة المؤسسات العسكرية والأمنية شخصيات تنتمي أساسا إلى هذا المجال وفق معيار الكفاءة والخبرة وتطبيق القانون، بحسب تأكيد الدكتورة هبة زين عيدروس، أستاذة القانون في كلية الحقوق بجامعة عدن، والتي شددت في إفادتها لـ”العربي الجديد” على ضرورة إعادة ذوي الخبرة، والكفاءة إلى العمل في المؤسسات الأمنية (تم الاعتماد على أفراد من المقاومة الشعبية ومنحهم مناصب أمنية بحجة أنهم دافعوا عن المدينة)، ووضع خطط استراتيجية أمنية متكاملة على المدى القريب والبعيد لإنهاء الفوضى الأمنية في المدينة، وتفعيل العمل بالقانون وتطبيقه على الجميع دون استثناء، بالإضافة إلى ضبط حركة المشاركين المدنيين في الجبهات ذهاباً وإياباً.
غير أن العميد عبدالقوي باعش مدير عام التوجيه المعنوي والإعلام بوزارة الداخلية في الحكومة الشرعية علق على ما وثقه التحقيق من أسباب الفوضى الأمنية في عدن قائلا لـ”العربي الجديد”: “أولا نحل مشكلة الخلل في العلاقة بين الشرعية والتحالف العربي، في ما يخص إدارة المناطق المحررة، وبعد ذلك سنتحدث عن الترتيبات والإجراءات التي سنتخذها في ضبط وتنظيم حمل السلاح”.