بقلم - يحيى السواري
لم أكن أدري بأن لحظة غباء قصيرة ستكلفني 7 أشهر من عمري في واحد من أوسخ سجون القرن الواحد والعشرين, كان هذا في شهر 10 من العام 2017م بعد عودتي للإعلام وترك العمل العسكري, غيّرت شكلي واستبدلت هاتفي وزوّرت بطاقة شخصية باسم آخر وفعلاً استطعت عبور كل النقاط ووصلت إلى المنزل وفي غمرة السعادة وسط أسرتي تفاجأنا بدوشة مخيفة في الشارع تبعتها طرقات قوية على باب المنزل, لم يمر على وصولي سوى نصف ساعة تقريباً, أجابهم والدي فاذا به العاقل ومعه مشرف حوثي يدعى (أبو جبريل) يقود 3 أطقم عسكرية والكثير من المسلحين والجنود الذين حاصروا البيت تماماً.
نزل أبي ولحقه أخي الصغير بدر 19 عام على أمل أن يقنعوهم أنني لست موجوداً لكنهم كانوا متأكدين وصفوا لوالدي ماذا كنت ارتدي حين دخلت البيت ثم هددوه واعتقلوا أخي كرهينة إلى أن أسلم نفسي, عاد أبي مذعوراً جداً إنه رجل عجوز ليس له في هذه الأمور والمشاكل حتى أخي أيضاً, لم يكن لدي خيار فسلمت نفسي وأطلقوا سراح أخي ثم أخذوني إلى قسم شرطة (علاية) قضيت فيه أسبوع ثم نقلوني إلى الأمن السياسي, وهنا تكمن القصة.
كانت سبعة أشهر بدأت في 1/10/2017م ولن تنتهي أبداً على الأقل في ذاكرتي, عشت كل ما كنت أظنه (خرط أفلام) أو قصص خيالية, انتزاع المعلومة من وسط قلبك كما ينتزع المسمار الصدئ من الخشبة المهملة, وصدقوني لن يصمد أحد في تلك الغرفة التي يسمونها (الورشة) وسيقول كل شيء يعرفه وكل شيء يريدون سماعه ليتوقفوا عن التعذيب حتى لو لم يحدث هذا الشيء ستخترع ما يظنون أنك تخفيه وستعترف به ليتوقفوا عن التعذيب, وبالمختصر ما يحدث في الأمن السياسي بالعاصمة صنعاء هو نفسه ما جاء في التقرير الأممي الأخير كاتهام ضد قوات التحالف.
.
التحقيقات أمر, والسجن أمر آخر تماماً, تخيلوا معي ممر ضيق في بدروم ليس فيه تهوية وفي هذا الممر 9 زنزانات انفرادية أكبرها مترين في ثلاثة أمتار وأصغرها متر في مترين وفي نهايته زنزانة جماعية تتسع لـ 15 سجين لكنهم كانوا فيها أكثر من 30 سجين وجميع الزنازين ليس فيها حمام, الحمام في الطرف الآخر من الممر, 3 حمامات أبوابها تقفل من الخارج ليس من الداخل ويسمح لك بالخروج للحمام 3 مرات في اليوم وكل مرة لا تزيد عن 5 دقائق وإلا أتاك السجان أو ما يسمى (المستلم) ليسحبك من الحمام بلا ثياب ويعاقبك جسدياً ونفسياً عقاب مهين ومؤلم, هل تتذكرون الأفلام؟ مشاهد الاستعباد حينما يسقط العبد المقيد غير قادر على مواصلة العمل الشاق فيأتي السجان بالسوط هل تذكرونها؟ إنّه كذلك بالضبط.
لا يُسمح لك بالتحدث مع أي سجين في زنزانة أخرى ومن عرفوا بأنه فتح شباك زنزانة أخرى أثناء موعد الحمام أو تحدث مع زنزانة أخرى من تحت الباب بعد مغادرة المستلم فعقابه عسير جداً لكنّنا كنا نتحدث على كل حال.
.
أكثر من مرة وجدت صرصار في الطعام الذي يقدمونه لنا, في المرة الأولى تركت الأكل لمدة يومين وفي المرة الثانية أخرجت الصرصور من الطعام وأكلت, كل يوم في الجناح لابد أن يصاب 3 سجناء على الأقل بتسمم غذائي واسهال حاد لسوء الطعام وطبعاً لا يوجد حمام وإذا ناديت على المستلم يأتي ليعاقبك لذا اخترعنا شيء أسمه (كيس الاضطرار) نخبئ الاكياس البلاستيكية بعناية لنقضي فيها حاجتنا أثناء الاسهال, أنا فعلتها مرتين. أما ماء الشرب فمن حنفية الحمام ولونه أصفر وفي كل أسبوع يصاب 3 على الأقل من الجناح بمغص كلوي حاد كنت أسمع صراخهم وكأنه بداخل رأسي وبعد مدة من الصراخ والألم يأتي السجان يفتح النافذة ويقول (مال عار أمك؟) مريض يا مستلم مرييييض (مووووووووت يلعن والديك) ويقفل النافذة بعنف وفي بعض الأحيان يعود بعد مدة ومعه ابره مهدأه.
سمعت هناك شخص يموت بعد صراع لمدة 10 أيام مع المرض أظنه كان انسداد في الأمعاء لأنه كان يطرش دائماً ولا يستطيع أكل أي شيء ولا يستطيع التبرز وفي اليوم العاشر بعد معاناة ومطالبة بعلاج طرش أعزكم الله البراز من فمه وحينها أسعفوه لينتشر الخبر في اليوم الثاني بأنه مات.
.
هذا باختصار ما يحدث في سجون الحوثيين, بعد شهرين في الزنزانة الانفرادية نقلوني إلى الجماعي وهناك قابلت أناس كثر وقصص تبدوا خيالية وقابلت المتهمين بتشكيل الخلية الإرهابية الذين انتجوا عنهم فيلم (الوجه الآخر لحزب الإصلاح) وعرفت قصصهم وكيف اجبروهم على الاعتراف بأشياء لم تحدث أصلا, ووجدت أشخاص لهم عام كامل لا أحد يعلم أين هم وأشخاص لهم عامين في هذا القبر ولم توجه لهم أي تهمة ولا يعلمون لماذا تم اعتقالهم.
.
هذا المنشور بمناسبة التقرير الأممي وكنت أنوي قول شهادتي هذه بكل تفاصيلها في الجلسة المنعقدة في جنيف الشهر هذا شهر 9 لكن كل مقاعد الشرعية قد حجزها أبناء الفخامة للأسف لذا سأكتب كل شيء هنا في صفحتي بالتفصيل في سلسلة منشورات هذه بدايتها, سأحكي كل شيء منذ اللحظة الأولى كيف تعاملوا معي وعن ماذا كان التحقيق وماذا وجدت هناك ومن هم الحوثيون باعتقادي بعد هذه التجربة وكيف خرجت من السجن وكيف خرجت من صنعاء وما هو وضعي الآن.
.
.
مودّتي