انتهى الكهنوت السياسي وانتهى معه حكم الفرد السلالة العائلة الاستئثار بالسلطة كانت ثورة سبتمبر (أيلول)1962 نهاية حقبة الاضطهاد والتمييز لكن الفكرة الكهنوتية والسلالية لم تمت ولم تنتهِ بقت حاضرة في الظِل تتبلور لتعود اليوم مجدداً إلى المساجد والأحياء بمهرجانات كبيرة يُحشد فيها الفقراء والباعة والأطفال وموظفي الدولة ومراكز تحفيظ القرآن الكريم.
كان “علي بن أبي طالب” رضي الله عنه الشخصية التاريخية الإسلامية التي يستدعيها الكهنوت في 18 ذي الحجة من كل عام لتجديد “البيعة” والحصول على تأييد من الناس بالاستمرار في السلطة يمكن مراجعة مذكرات القاضي عبدالرحمن الإرياني حول أسباب احتفال الأئمة بيوم الغدير.
تعود هذه الشخصية مجدداً إلى الحوثيين للحصول على “بيعة الاستمرار في الانقلاب على السلطة” فالأئمة لم يكونوا يعترفون بالانتخابات ولا برأي الناس فقط بقاءهم في السلطة والسيطرة على رقاب الملايين.
في عام 2012 كانت لافتة على مدخل مدينة صعدة تقول: “أهلاً بضيوف ابن رسول الله” يقصدون “عبد الملك الحوثي” زعيم المليشيا التي قتلت الآلاف من المدنيين وشردت الملايين من منازلهم.
وتقوم سلطة “الحوثي” من الحق الإلهي بالأحق بالسلطة! لذلك فالجماعة تعتبر الانقلاب استعادة لهذا الحق الإلهي.
في كل عام يحيّي الحوثيون يوم 18 ذي الحجة منذ ما قبل اجتياح العاصمة صنعاء 2014م ويسمونه “يوم الولاية” وبعيداً عن المغالطة التاريخية التي يتحدث بها الحوثيون لما حدث في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسخير الحوثيين لها كإثبات على امتلاك السلطة منذ 14 قرناً إلا أن هذه الفكرة الكهنوتية تعيد اليمن مئات السنوات إلى الوراء وعشرات السنوات من الإيمان بالتعددية والديمقراطية ما ينفي نيّة الجماعة السلام وتسليم السلاح والتحول إلى مكون مجتمعي أو السياسي مثلما يحاولون الترويج عن أنفسهم ويلحون على اليمنيين تصديقهم.
كيف يحشد الحوثيون إلى الكهنوت؟
يقوم الحوثيون بعملية من “التسميم السياسي” في المحاضرات الدينية واللقاءات الثقافية (في المساجد والمكاتب والمدارس وفي المجالس) بكون “الولاية السلطة” تمتد بالوراثة إلى “عبدالملك الحوثي” ولتأكيد أن المجتمع يقف مع الجماعة يلزم الحوثيون الموظفين والأطفال والطلبة وعقال الأحياء السكنية في صنعاء إلى الخروج للشوارع.
ويمكن ملاحظة ذلك في عدة ملاحظات:
1- شوارع اللون الأخضر وتكتب عبارات “من كنت مولاه فعلي مولاه” و”لبيك يا ابن رسول الله” واعتبار هذ اليوم “عيداً” وتكتب عبارات على مداخل الأحياء والمساجد والمنازل وفي اللافتات الكبيرة في الشوارع: “عيد الولاية”.
2- يحشد الحوثيون في المساجد وعاشت صنعاء ليلة ليلاء مساء الثلاثاء عندما وزعت المليشيا المئات من أعضاءها على المساجد من أجل توضيح أحقية الجماعة في السلطة ولدعوة الناس المشاركة احتفالاتها التي ستقام يوم الأربعاء (29 أغسطس “آب”).
وحسب سكان محليون في أمانة العاصمة فقد ركزت تلك المحاضرات بين صلاتي المغرب والعشاء وبعد الصلوات الخمس على أن ما قالت المليشيا إنه “فضل يوم الولاية” وأبناء علي ودورهم في السلطة وممارسة الحكم بأمر إلاهي.
لم يكتفي الأمر عند هذا الحد بل وصل الأمر إلى تشبيه زعيم المليشيا بكونه “إسماعيل” ابن نبي الله إبراهيم والقائم بالرسالة المحمدية بعد وفاة الرسول حسب ما قال سكان في شارعي “الدائري” و”الرباط”.
وقال أحد المحاضرين الحوثيين في مسجد بحي الحصبة إن اجتياح العاصمة صنعاء كان بأمر من الله تعالى للجماعة لمواجهة “اليهود والنصارى” وأن الجيش الوطني والمقاومة هم عملاءهم وأن دماء أفرادهم مباحة ويجب النفير لمقاتلتهم.
وفي بعض المساجد تعالت الأصوات المنددة بتلك المحاضرات الحوثية وحدث جدّل سمع أصواته عبر مكبرات الصوت.
التحشيد بالقوة:
حيث قالت مصادر محلية إن حمود عباد أمين العاصمة الحوثي أصدر تعميماً بإلزام “وكلاء الأمانة” ومدراء وموظفي المديريات والمجالس المحلية والمكاتب التنفيذية وشيوخ القبائل وعقال الحارات لحشد الناس إلى المهرجان الذي سيقام الأربعاء في صنعاء.
وتوعد “عباد” المخالفين بالاستهداف والاستقطاع من المرتبات كما تم إلزام المراكز الصيفية ومدارس تحفيظ القرآن من قِبل مكاتب التربية والأوقاف الحوثية بالحضور في تلك المهرجانات.
وقال عاقل حارة في أمانة العاصمة إذا لم أحضر أكثر من 50 شخصاً سيكون هناك علامة استفهام كبيرة من الجماعة وقد يتم عزلي وتبديلي بواحد أخر.
ولفت إلى أن معظم الناس يرفضون إلا أن الجماعة ابتكرت إعطاء وعود بتوزيع مساعدات إنسانية من الأمم المتحدة إذا حضروا الفعالية وهو استغلال كبير لحاجة الناس وفقرهم في ظل استمرار المليشيا بقطع رواتب الموظفين.