لم يكن السادس من ديسمبر 2015م، بما انطوى عليه من فعل إرهابي استهدف حياة اللواء جعفر محمد سعد، المحافظ الأسبق للعاصمة المؤقتة عدن، باليوم الذي يسجل جريمة اغتيال -كانت هي الأبرز خلال مسرح الحرب ضد المليشيات الحوثية في عدن، وإلى ما بعد تحرير المدينة من فلول هذه المليشيات- لكنه باليوم الذي كان يعني خوض مرحلة جديدة من صراع تشهده العاصمة المؤقتة عدن، على صعيد سياسي، وتتخلله أعمال نشطة للاغتيالات التي سوف تتجاوز ضحاياها من العسكريين والسياسيين إلى أئمة المساجد والخطباء والدعاة في المدينة.
وخسرت العاصمة عدن، والحكومة الشرعية عموما، باغتيال “جعفر سعد” أبرز من حاول خلال فترة وجيزة” ثلاثة أشهر”، عودة عمل المؤسسات الأمنية والمدنية في المدينة، وفي ظروف بالغة السوء والتدهور انتجتها حرب المليشيات الحوثية على عدن.
وكان اللواء سعد يشغل مستشاراً عسكرياً للقائد الأعلى للقوات المسلحة، ومنحه هادي قبل ايام وسام الشجاعة نظير جهوده العملية والميدانية خلال المعارك ضد الحوثيين وقوات صالح، حيث شارك بفعالية في عملية تحرير مدينة عدن وكان أحد أبزر القيادات التي قادت العملية بنجاح.
ومن المهم الإشارة إلى أن قرار تعيينه محافظا لعدن، جاء في أعقاب هجمات بسيارات مفخخة شهدتها المدينة التي كانت قد جرى إقرارها عاصمة مؤقتة للبلاد، واستهدف أحد التفجيرات مقر إقامة الحكومة الشرعية بالمعاشيق.
وكان الشهيد اللواء سعد، عاد إلى مدينة عدن قبل بدء الحرب التي فرضتها مليشيات الحوثي على/وفي المدينة، وشارك في غرفة عملية وزارة الدفاع في الرياض مع انطلاق عاصفة الحزم قبل أن ينتقل إلى عدن للمشاركة في عملية تحرير مدينة عدن من سيطرة الحوثيين.
حلم عدن..
ويتذكر سياسيون وإعلاميون للشهيد جعفر سعد، ما قدمه من حرص واهتمام لغاية عودة الحياة إلى العاصمة عدن، وانفتاحه على مختلف المكونات السياسية، بهدف أن تكون شريكة في المهمة التي كان يدرك صعوبتها، مثلما كان يؤمن بأفقها الوطني الخالص. وكان يؤمل القيام بأدوار كثيرة، لولا يد الغدر والإرهاب التي امتدت لإيقاف حياته بتفجير سيارة مفخخة، استهدفت موكبه، وأدت إلى استشهاده وعدد من مرافقيه.
في إحدى كتابات طارق مصطفى سلام عن الشهيد، قال إنه “كان أمل عدن الكبير الذي لم يصمد طويلا واغتيل مبكراً…!”
وأضاف: “باغتيال الفارس النبيل جعفر محمد سعد ابن عدن الوفي والمقدام، اغتيل أمل عدن الكبير في النهضة والازدهار، وانتهت برحيله الفرصة الأخيرة للأمن والاستقرار.
وتابع: “كان واحدا من أبناء اليمن وأمّة العرب الأنقياء، وقبل كل ذلك وبعده رجل مواقف وصاحب رؤية مهمة في مجالات اختصاصه. لقد عاش حكيمًا ورحل عزيزا”.
سيرة علمية..
تشير سيرة الشهيد اللواء “جعفر سعد” إلى أنه بدأ حياته العسكرية عام 1967م، حيث درس في الإتحاد السوفياتي سابقا من 1969م إلى 1972م، وتدرّج في مناصب عسكرية مختلفة منها: قيادته لفصيلة دبابات، ثم لسرية دبابات ثم لأركان كتيبة دبابات، ثم أركان تدريب سلاح مدرعات والقوات البرية في دائرة التدريب للأركان العامة.
كما تسلم إدارة التدريب في الأركان العامة بالإنابة، ورأس شعبة التخطيط والتدريب العملياتي للأركان العامة، ثم نائبا لمدير دائرة العمليات الحربية، ونائبا لكبير المعلمين بالكلية الحربية، ثم مستشارا لوزير الدفاع.
وفي حرب1994م، عيّن الشهيد “جعفر سعد” قائدا لجبهة العند، قبل أن تأتي به الأحداث والمستجدات إلى رأس محافظة عدن في 9 أكتوبر 2015م.
وأهتم الشهيد بالتأليف والكتابة في مجاله العسكري، حيث نُشرت له مقالات عسكرية في الصحف والمجلات العسكرية، ومن بين ما كتبه من الدراسات والأبحاث: “هيئات العمليات والكمبيوتر في جيوش الدول النامية” و”خبرات وخصوصيات البناء العسكري في الدول النامية” و” أمن البحر الأحمر”، وغيرها.
حتى العودة..
ولد “سعد” بأحد أحياء مديرية الشيخ عثمان في الخامس من مايو1950م، والتحق بإحدى مدارسها قبل ان يلتحق لاحقا بإحدى الكليات العسكرية التي تخرج منها.
سافر أواخر السبعينات إلى الاتحاد للدراسة فيها حيث نال درجة الماجستير في العلوم العسكرية؛ وفي أواسط الثمانينات عمل ضمن غرفة العمليات الخاصة بوزارة الدفاع بجمهورية اليمن الديمقراطي
وفي العام 1989 كان أحد مؤسسي المنظمة اليمنية للدفاع عن الحقوق والحريات برفقة الأستاذ محمد قاسم نعمان وآخرين.
غادر سعد مدينة عدن عقب حرب صيف1994 ضمن كتلة القيادات التي أرغمت على الخروج من مدينة عدن واستقر به الحال في العاصمة المصرية القاهرة التي مكث بها لعامين، ليغادرها إلى لندن واستقر هناك، حيث شارك في عدد من الدورات العسكرية وألف كتابا في الشئون العسكرية، قبل أن يتم تعيينه مستشارا للقائد الأعلى للقوات المسلحة، والمشاركة في غرفة عمليات عاصفة الحزم، والعمليات العسكرية ضد المليشيات الحوثية في حربها على عدن، وتعيينه محافظا.