بعد عام كامل على تحرير العراق من تنظيم داعش، ما زالت معاناة النازحين مستمرة إلى يومنا هذا، خصوصًا الذين فقدوا دورهم ومصالحهم في مدنهم، فما زالت المخيمات تكتظ بالنازحين، فضلًا أن بعض المدن تمنع القوى المتسلطة من عودة أهلها، بالإضافة إلى نقص الخدمات كالماء والكهرباء، وكذلك فإن بعض هذه المدن لم تطهر من مخلفات الحرب وانتشال الجثث منها.
كم عدد النازحين العراقيين؟
بعد احتلال تنظيم داعش لما يقارب نصف العراق وسيطرته على مدن كبيرة كالرمادي والموصل، شهد العراق أزمة نزوح كبيرة، وخصوصًا بعد منتصف 2014، فقد خرج الناس من هذه المدن باتجاه كردستان العراق أو بغداد أو بعض المحافظات العراقية الأخرى، ولكن كم عدد النازحين المسجلين لدى المنظمات الدولية؟
يُمنع النازحون من العودة إلى مدنهم ومحافظاتهم بعد تحريرها من داعش بالكامل، فمجموعة من المعوقات والأسباب تحول دون عودتهم منها أن المليشيات ترفض إعادة بعض سكان المدن إليها وتتخذ من مساكنهم مقرات لها
فقد تسببت العمليات العسكرية التي شنتها القوات المشتركة في نزوح أعداد كبيرة من المدنيين من مناطقهم، الأمر الذي جعل العراق يحتل مركزًا متقدمًا بين دول العالم من حيث أعداد النازحين إلى جانب كلٍ من سوريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وقد أفاد كل من مركز رصد النزوح الداخلي والمجلس النرويجي للاجئين في تقرير لهما بأن: “11.8 مليون شخص أُخرجوا من منازلهم ونزحوا داخليًا في 2017، وهو ضعف رقم 6.9 ملايين ممن واجهوا المصير ذاته في 2016″، هذا على مستوى العالم والدول الثلاثة المتصدرة، أما على مستوى العراق فقد أوضح التقرير بأن العراق نزح فيه نحو 1.4 مليون شخص من منازلهم العام الماضي، ما يرفع العدد الإجمالي للنازحين إلى مليونين و650 ألف نازح.
هذه الأعداد وفق إحصاءات دولية وربما العدد يفوق الرقم المذكور، وربما بلغ ذروة النزوح مع شروع القوات العراقية بتحرير المناطق المحتلة من داعش، ومعلوم أن مناطق كثيرة في هذه الحرب فقد أهلها منازلهم ومصالحهم.
أين يتمركز النازحون داخل العراق وخارجه؟
توزع النازحون من المدن التي تعرضت لاحتلال داعش في داخل العراق وخارجه بنسب متفاوتة، فقد بدأت حركة النزوح مع بداية الأحداث في مدينة الرمادي، فقد بدأوا بالتوجه نحو إقليم كردستان، فاحتضن الإقليم عددًا كبيرًا من أبناء المناطق المنكوبة، وبلغ عددهم في إقليم كردستان “بحسب معلومات مركز التنسيق المشترك للأزمات، فإن ما يقارب مليون و341 الف و450 شخصًا نازحًا موجود في إقليم كردستان، ويعيش البعض منهم في مراكز ومخيمات إيواء النازحين وعددها 38 مخيمًا، أما البعض الآخر فيوجد داخل المدن، وكذلك في العاصمة بغداد توجهت أعداد كبيرة من النازحين للإقامة في مخيمات النزوح أو داخل المدينة نفسها وبقيت بغداد تشكل أكبر وجود للنازحين، ففي عام 2015 وصل عدد النازحين إلى 60 ألفًا، وفقًا لما قاله رياض العضاض رئيس مجلس محافظة بغداد، وفي تقرير نشرته السومرية عام 2017 تعتبر محافظة بغداد أكثر احتضانًا لمخيمات النازحين.
ورغم أن إقليم كردستان والعاصمة العراقية بغداد شهدت الحضور الأكبر للنازحين ومخيماتهم، فإن بقية المحافظات لا تكاد تخلو من وجود نازحين، وكذلك الحال خارج العراق، فقد استوعبت تركيا الكثير من النازحين، وربما لا تخلو دولة من دول العالم إلا وفيها عدد من العراقيين هربوا من الحرب بحثًا عن الأمن والسلام.
ما الأسباب التي تمنع عودة النازحين إلى مدنهم؟
يُمنع النازحون من العودة إلى مدنهم ومحافظاتهم بعد تحريرها من داعش بالكامل، فمجموعة من المعوقات والأسباب تحول دون عودتهم منها أن المليشيات ترفض إعادة بعض سكان المدن إليها وتتخذ من مساكنهم مقرات لها، كما أن حالة من عدم المبالاة بخصوص رفع ألغام ومتفجرات “داعش” من مدنهم وتطهيرها ما زالت مستمرة، بالإضافة لانعدام الخدمات وتدمير منازل السكان يحول دون عودتهم والحكومة لا تقدم شيئًا، والفضل في أي حراك حاليّ هو لمنظمات دولية لكن يبقى عملها ضمن إمكانات محدودة.
هذا الحال بشكل عام في غالبية المدن التي كانت تحت سيطرة داعش متشابه، إلا أن الموصل لها أسباب وحالات خاصة وخصوصًا فيما يعرف بالمدينة القديمة، فقد تعرضت لشبه إبادة وما زالت كثير من مناطقها تفوح منها رائحة جثث القتلى من المدنيين، وفي تقرير للسومرية نيوز جاء فيه: “أعلن المجلس النرويجي لمساعدة اللاجئين أن 54 ألف منزل في الموصل مدمر”، فيما أشار إلى أن 380 ألف مشرّد لا يستطيعون العودة.
“إصلاح البنية التحتية الأساسية في المدينة يتطلب 874 مليون دولار أمريكي، في ظل وجود 8 ملايين طن من الحطام”
وأضاف أن “إصلاح البنية التحتية الأساسية في المدينة يتطلب 874 مليون دولار أمريكي، في ظل وجود 8 ملايين طن من الحطام”. كل هذه الأسباب مجتمعة تحول دون عودة كثيرٍ من النازحين إلى مساكنهم، خصوصًا بعد غفلة الحكومة العراقية عن المدن المحررة، وانشغالها بالانتخابات والتسوية الجديدة للمرحلة القادمة من حكم البلاد، مما يزيد من تدهور أوضاع النازحين الإنسانية.
مشاريع ساهمت بعودة النازحين إلى منازلهم
في ظل غياب الجهد الدولي والحكومي في إعادة إعمار المدن المحتلة من تنظيم داعش، وفي ظل تفاقم أزمات عديدة ساهمت بعض المشاريع الجزئية ببث روح الأمل عند النازحين وعاد العديد بعد هذه المبادرات إلى منازلهم، وقد قامت الفرق التطوعية والإغاثية بأعمال جبارة لإعادة الحياة ولو بشكل جزئي لكثير من المدن المنكوبة، وبما أن مدينة الموصل كانت آخر المدن المحررة، فقد قام الشباب بالعديد من المبادرات كان أهمها وأكثرها تأثيرًا ونفعًا للنازحين هي ثورة الدنابر التي ساعدت على عودة عدد كبير من النازحين إلى الموصل القديمة.
وفي حديث خاص مع صاحب المبادرة أيوب ذنون فقد حدثنا عن المبادرة قائلاً: “بادرت وعبر منشور على صفحتي في الفيسبوك، بإطلاق فكرة ارفع الأنقاض بـ2500 دينار ما يساوي دولارين، وهي سعر الدنبر: وهي الآلة التي تستخدم لرفع الأنقاض في الأزقة الضيقة، فقد لاقت الفكرة إعجاب الكثير من الأصدقاء وأهالي الموصل، فبادر الكثيرون بالتبرع، وكذلك بادر الكثير من الشباب بالعمل تطوعًا لرفع الأنقاض، حيث تم رفع اكثر من 21000 دنبر، أي ما يعادل أكثر من 21000 متر مكعب من الأنقاض، وقد أسهمت المبادرة بعودة مئات العائلات النازحة إلى منازلها”.
يبقى العراق من الدول الأكثر عددًا للنازحين بسبب الحروب المتعاقبة والمستمرة عليه، وبعد نكبته الأخير شكل النازحون جزءًا لا يستهان به، ومع عمليات التحرير رجع بعض النازحين، إلا أن الجزء الآخر لم يتمكن من الرجوع إلى يومنا هذا، يحدث هذا في ظل غياب الدور الحكومي الشبه المعدوم، مع الاعتماد على المبادرات الأهلية لإعادة الحياة، وكما هو معلومٌ أن المبادرات الأهلية لا ترقى الى إمكانات الدولة، ويبقى الأمل للنازحين والمواطنين في المدن المنكوبة أن تلتفت الحكومة المركزية إلى حالهم.