نشرت مجلة “الأتلنتك” الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن أهمية تحديد تركيز المعادن في الشمس لمعرفة تاريخ حياتها وانتهائها. وقد اختلفت كل البحوث السابقة التي أجريت حول معدنية الشمس وعجزت عن تحديد المقدار الحقيقي لهذه المعدنية، وهو ما قد يؤدي إلى إعادة النظر في تاريخ النجوم والكون بأكمله.
وقالت المجلة، في هذا التقرير الذي ترجمته “عربي21″، إن الشمس، مثل أي نجم لا يزال في ذروة نشاطه، وتتكون بشكل رئيسي من تفاعل بين ذرتي هيدروجين ليكونا الهيليوم، العملية التي تشكل طاقة هائلة. لكن تركيز الشمس الكثيف لعناصر أثقل، التي يسميها علماء الفلك بالمعادن، تتحكم في مصيرها.
ونقلت المجلة على لسان ساني فاغنوزي، عالم فيزيائي بجامعة ستوكهولم في السويد، وباحث في معدنية الشمس بشكل خاص، أن “وجود جزء صغير جداً من المعادن كاف لتغيير سلوك النجم كليًا”.
وكلما كان النجم أكثر معدنية، كان أكثر غموضاً، نظراً لأن المعادن تمتص الأشعة، كما أن مقدار غموضه يعود بدوره إلى حجمه ودرجة حرارته وسطوعه وعمره وخصائصه الأساسية الأخرى. وأضاف فاغنوزي، أن “المعادن تخبرك بشكل أساسي تاريخ وفاة النجم”.
ذكرت المجلة أن معدنية الشمس لا توظف فقط لمعرفة تاريخها، ولكنها تستخدم أيضا على اعتبارها نوعا من المقياس لمعايرة نسبة معدنية جميع النجوم الأخرى. وبالتالي، معرفة عمر ودرجة الحرارة وأي خصائص أخرى للمجرات والنجوم.
من جانبه، أورد مارتن أسبلند، عالم الفيزياء الفلكية في الجامعة الوطنية الأسترالية، أنه “في حال قمنا بتغيير المقياس الشمسي، فهذا يعني تلقائياً أن فهمنا للكون يجب أن يتغير”.
لذلك، يعتبر الوصول إلى معرفة دقيقة حول التركيبة الكيميائية للمجموعة الشمسية أمرا في غاية الأهمية.
وقالت المجلة إن ظهور المزيد من القياسات، أكثر دقة، لمعدنية الشمس قد أثار المزيد من الأسئلة أكثر مما وقع الإجابة عنه.
وقد اعتبر فاغنوزي أن عدم قدرة علماء الفلك على حل اللغز متعدد الأشكال، مثل المعدنية الشمسية أو وفرة العناصر الكيميائية في الشمس أو التركيب الشمسي أو النمذجة الشمسية، تشير إلى أنه يمكن أن يكون هناك “خطأ جوهري” في فهمهم للشمس، وبالتالي لكل النجوم، الأمر الذي يمثل معضلة حقيقية.
وذكرت المجلة أنه قبل عشرين سنة، اعتقد علماء الفلك أنهم قد توصلوا إلى تحديد تركيبة الشمس. فقد قادت الأساليب المباشرة وغير المباشرة لقياس معدنية الشمس إلى اعتبار أن الشمس تتكون من 1.8 بالمائة معدن.
ويعد هذا التحول سارا بالنسبة لعلماء الفلك، حيث قادهم إلى الاعتقاد بأنهم لم يفهموا طول مقاييسهم الشمسية فقط، ولكن أيضًا كيفية عمل الشمس.
وبينت المجلة أنه خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أشارت قياسات أشعة الشمس الطيفية الدقيقة جدا، إلى أن معدنية الشمس أقل بكثير من الرقم السابق لتصل إلى 1.3 بالمائة.
في الأثناء، لا يزال علم الرجفات الشمسية، وهي المقاربة غير المباشرة للاستدلال على المعدنية على أساس الموجات الصوتية للترددات المختلفة التي تنبعث من داخل الشمس، يحيل إلى أن نسبة المعدنية تقدر بنحو 1.8 بالمائة.
وفي حال كانت نظرية علماء الفلك حول الشمس، التي يطلق عليها “النموذج الشمسي القياسي”، صحيحة، فيجب أن يتوافق التحليل الطيفي وعلم الرجفات الشمسية مع هذه النتيجة.
بعبارة أخرى، ينبغي لعلماء الفلك أن يكونوا قادرين على استخدام القياسات الاهتزازية لقياس عمق طبقة مهمة على حدود قطر الشمس، حيث ينبثق من قلب الإشعاع حمل حراري.
وذكرت المجلة أن هذا العمق يتعلق بمقدار عتامة الشمس، وبالتالي معدنيتها. بناء على ذلك، يجب أن يتنبأ هذا التسلسل من الحسابات بالقيمة المعدنية ذاتها التي تقاس باستخدام المطياف البصري مباشرة من ضوء الشمس. ولكن النتائج كانت مختلفة.
في هذا الصدد، قال أسبلند، الذي قاد الفريق الذي يعمل على القياسات الطيفية الدقيقة، إن “هذا الأمر يعتبر مشكلة ليس فقط بالنسبة للفيزياء الشمسية، ولكن أيضًا بالنسبة لعلم الفلك ككل.
في هذه الحالة، يبدو أن علماء الفلك لا يعرفون كيفية قياس وفرة العناصر في النجوم باستخدام التحليل الطيفي، أو أن فهمنا للتصورات الداخلية للنجوم وكيفية تذبذبها غير مكتمل”.
وأضاف أسبلند، أنه “في كلتا الحالتين، سيكون لمثل هذا الاضطراب تداعيات كبيرة، حيث تعتبر النجوم المسابر الأساسية للكون، ذلك أن الفيزياء الفلكية النجمية توفر الكثير من أساسيات علم الفلك الحديث وعلم الكونيات”.
وفي الختام، أشارت المجلة إلى أن مارتن أسبلند شدد على صحة تقديراته، التي بلغها من خلال التحليل الطيفي، والتي تحيل إلى أن معدنية الشمس تساوي 1.3 بالمائة. وتطرق أسبلند إلى دراسة أجريت في سنة 2015 ونشرت في مجلة “نايتشر”، التي تؤكد أن المعادن قد تزيد من التعتيم، أكثر مما كان يُعتقد سابقًا، في ظروف الضغط العالي على مستوى نواة الشمس.
وأردف العالم أن تصحيح هذا الاختلاف في النموذج الشمسي القياسي يمكن أن يؤدي إلى خفض تقديرات معدنية الشمس وفق علم الرجفات الشمسية والنيوترينو إلى 1.3 بالمائة.