يجهد إعلام المجلس الانتقالي في تقديم تفسيرات مقنعة للحرب التي أشعلها في عدن خلال الثلاثة الأيام الأخيرة من يناير الفائت، ويجد نفسه في موقف حرج بين أنصاره الذين استنفرهم للحرب تحت وعود السيطرة على عدن وإسقاط الحكومة، وتسبب بها في سقوط العشرات منهم بين قتيل وجريح، وبين الرأي العام الخارجي، وتحديدا أمام التحالف العربي الذي يريد الانتقالي أن يؤكد له تمسكه بالشرعية وعدم خروجه عنها.
توقفت الحرب يوم 30 يناير، إلا أن الانتقالي ظل يؤكد لأنصاره أن حربه على الحكومة أثمرت، وأنه لم يوقفها إلا بناء على وعود من التحالف تقضي بتغيير الحكومة، وهو الإنجاز الذي ظل أنصاره ينتظرونه كثمرة لتضحياتهم، ومكسب سياسي يمنحهم شهادة التفوق في عدن، ليصبحوا الطرف المسيطر فعليا والقادر على حكم الشارع والحكومة في آن معا، لكن الأمر سار باتجاه آخر وتعرض قادة المجلس للصدمة قبل الأعضاء والمؤيدين، حيث خرج السفير السعودي على قناة “بي بي سي” في التاسع من فبراير الجاري، نافياً علمه بأي شيء يتعلق بتغيير الحكومة، وكانت تصريحاته بمثابة صب الماء البارد على جمر انتظار الانتقالي للمنجز الكبير، وأدركت قيادة الانتقالي أنها في أزمة أمام أنصاره وأمام التحالف على حد سواء.
كانت المؤشرات قد وصلت سابقاً إليهم وأدركوا مسبقا أنهم بصدد الوقوف في وسط أزمة سياسية وشيكة، فاتجهوا بشكل اضطراري إلى تحويل خطابهم الإعلامي إلى النقيض للخطاب السابق، وبعد أن كان الانتقالي يتبنى في خطابه إسقاط الحكومة الشرعية ويكيل لها الاتهامات ويسوق لها التهديدات بالإسقاط والاقتلاع، عاد إلى ادعاء الإشعال لتلك الحرب بهدف التضحية بالروح من أجل الشرعية، وإنقاذها من انقلاب كان يستهدفها في مدينة لا يوجد بها غيرها وغيره..
وإذ يحاول الانتقالي الهروب من حقيقة استهدافه للحكومة والشرعية إلى تفسير حربه في عدن بأنها كانت لإنقاذ الشرعية من انقلاب لآخرين، فإنه لا ينتبه إلى أن تبريره للحرب بهذا المبرر يتضمن اعترافا صريحا بأنه هو الطرف الذي بدأ الحرب وأشعلها..!!
في سياق هذه الاعترافات التي يكتض بها إعلام المجلس الانتقالي، قال أحمد بن بريك -رئيس ما يسمى الجمعية الوطنية في المجلس- إن قواتهم استهدفت قوى تريد الانقلاب على الشرعية ذاتها، وأنهم أحبطوا انقلابا على شرعية الرئيس هادي من داخل معسكرات قوى موتورة داخل صفوف شرعيته -حسب تعبيره لصحيفة “أخبار حضرموت -8 فبراير الجاري”.
عندما يعجز الانتقالي عن التوفيق بين الخطاب الذي يوجهه إلى أنصاره، والآخر الذي يحتاج إلى توجيهه للتحالف والرأي العام الخارجي، ينصرف عن جماهيره ويدير لهم ظهره ولا يكترث لهم، ولا يرى أمامه سوى الخارج، ويبدو هذه المرة أنه يفشل في إقناع التحالف بأنه أحبط انقلابا على الشرعية التي يعرف التحالف أنه يناصبها العداء منذ البداية، ويفشل بذات الوقت في إقناع أنصاره وجماهيره أن عشرات القتلى والجرحى الذين زج بهم في الحرب بهدف إسقاط حكومة الشرعية، أصبحوا اليوم فدائيين قدمهم الانتقالي من أجل الحفاظ على الشرعية!!
في كل العالم وعلى مر التاريخ، يجب على أي طرف قبل إشعال الحرب أن يقدم لأنصاره مبررات الحرب مسبقا، وهي القاعدة التي فشل الانتقالي في الانقلاب عليها، فراح يتخبط أمام أنصاره والرأي العام في سرد المبررات المتناقضة لحربه، ولكن بعد أن انتهت..!!
*المدنية أونلاين